2013/07/01

«محمد الماغوط».. وسيرته الناقصة على الفضائية السورية
«محمد الماغوط».. وسيرته الناقصة على الفضائية السورية

 

 

بديع منير صنيج – تشرين

 

 

عند الحديث عن مبدع بحجم «محمد الماغوط» لا نستطيع الاكتفاء بسرد سيرة مبسطة عنه على لسان بعض الشخصيات المقربة منه كأخيه إسماعيل أو ابن أخيه أسامة

 إلى جانب بعض النقاد كالباحث نذير العظمة والدكتور حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب والكاتب راتب خلوف وغيرهم، كما فعل «شحادة عبد المجيد» في مادته التلفزيونية التي حملت اسم صاحب «حزن على ضوء القمر» وعرضت الأحد الماضي على الفضائية السورية، فالأهم بعد أكثر من سبع سنوات على رحيل الماغوط المقاربة النقدية الإبداعية لما قدمه ابن سلمية في الشعر والمسرح والسينما والتلفزيون والصحافة، من دون أن يلغي ذلك أهمية ذكريات ذوي الشاعر في تلمس بعض الأثر لما عايشه الماغوط في إبداعه على كل الصعد، لأن الاقتصار على عرض ملامح من تجربة هذه القامة الثقافية السورية سينضوي تحت طائلة الإجحاف وعدم إعطاء صاحب «سياف الزهور» حقه.

 

القصة هنا ليست مجرد مونتاج بعض المواد الفيلمية، لأن مجاراة ما قدمه «الماغوط» للثقافة العربية بحاجة إلى دراسة ونقد معمقين، فضلاً عن الدراية الواسعة بسياقات ذاك الإبداع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية وغيرها، فرغم البداية الجيدة بقصيدة للماغوط والانتقال منها إلى استحضار أثر مدينة سلمية في المنتج الثقافي لصاحب «العصفور الأحدب» والتي كتب عنها بأنها «الطفلة التي تعثرت بطرف أوروبا.. وهي تلهو بأقراطها الفاطمية.. وشعرها الذهبي.. وظلت جاثية وباكية منذ ذلك الحين.. دميتها في البحر.. وأصابعها في الصحراء»، إلا أن سيرورة السيناريو الذي أعده «عبد المجيد» تخلت عن تصاعدها السلس في مقابل الانتقال المفاجئ وغير المبرر ضمن عدة محاور وخلطها مع بعضها، فبعد أن تحدث الدكتور حسين جمعة عن الطفولة القاسية التي عاشها الماغوط وأحس فيها أنه غريب عن أقرانه، وشكلت اغتراباً داخلياً برز في كتاباته جميعها، قفز السيناريو للحديث عن دراسة الماغوط في الثانوية الزراعية في منطقة «خرابو» ثم كيف انتسب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في سلمية من دون أن يقرأ مبادئه، وبعدها مباشرة انتقل إلى سفره لبيروت وتعرفه إلى عدد من الأدباء والشعراء ومنهم سنية صالح التي غدت فيما بعد زوجته، ليعود السيناريو للحديث عن عاطفة الأبوة لدى الشاعر، ثم أفسح «عبد المجيد» المجال لرؤية نقدية قدمها «نذير العظمة» عن علاقة الماغوط بالفنون الدرامية عموماً والتي قال فيها: «يعتمد الماغوط على الصور الشعرية المحسوسة، إضافة إلى السخرية، والعفوية، والمفارقات التي تصور الواقع بشكل معكوس، ويهتم باللحظة العابرة، لذلك يَصْعَد من اللغة اليومية إلى القصيدة أو إلى المسرحية أو إلى السيناريو التلفزيوني أو السينمائي، وتالياً كانت له قدرة على إيصال أفكاره إلى القارئ بشكل عام، وأن يبني اسماً مهماً بهذا الاتجاه، لاسيما أن اهتمامه باللحظة أعطاه أفقاً واسعاً لكتابة مشاهد وسيناريوهات معاصرة، ويبني شخصيات تكون وسيلة للكلام عن المثالب التي يعيشها المجتمع».

 

ولم يستفد المعد من الذاكرة المشتركة بين «الماغوط» وأخيه وابن أخيه إلا فيما ندر، كما في حديث «اسماعيل الماغوط» عن والده الذي باع مضخة الجب وأرسل ثمنها إلى محمد الماغوط ليكمل دراسته في الثانوية الزراعية في خرابو، وعندما لم يعد قادراً على تحمل مصاريف دراسة ابنه، أرسل رسالة إلى مدير المدرسة شارحاً فقر حاله، فقام المدير بتعليق الرسالة في لوحة الإعلانات ما دفع الماغوط لترك المدرسة وعاد حينها إلى دمشق مشياً. لأن مثل هذه التصريحات تعتبر بمنزلة وثيقة بصرية مهمة تميط اللثام عن حقائق عاشها صاحب مسرحية «غربة»، فما أجمل لو أن «عبد المجيد» تشعب في الحديث عن علاقة الماغوط ببيته وبنتيه «شام» و«سلافة» بدل الاكتفاء بكلام أخيه عن عاطفته القوية تجاههم، أو حبّه لسنية رغم حدّة مزاجه والتي قال في رثائها ضمن كتابه «سياف الزهور»: «أيها الأنف الأحدب الجميل، كسنبلة تحت طائر.. أيها الفم الدقيق، كمواعيد الخونة أو الأبطال.. يا بذرة الحروب المقبلة لمَ استعجلت الرحيل والرقاد إلى الأبد، مولية ظهرك لكل ثورات العالم؟».

 

ثم لماذا قصّر المعد والمخرج «عبد المجيد» في الحديث عن مسرح الماغوط وأفلامه مكتفياً بملامح بسيطة من شعريّة صاحب «غرفة بملايين الجدران»، أما كان بالإمكان استضافة نقّاد في السينما والمسرح للحديث عن تجربته التي تمخض عنها عدد من الأفلام والمسرحيات باتت من كلاسيكيات الفن السوري بما تملكه من مقومات الديمومة والأصالة، وإذا كان الزمن لا يسمح بالاستفاضة أما كان الأجدى تخصيص المادة الفيلمية للحديث عن جانب من جوانب إبداع الماغوط، هذه الأسئلة وغيرها من المهم الإجابة عنها قبل البدء بالشغل من أجل تقديم سيناريو تلفزيوني يكثف الضوء على صاحب «سأخون وطني» ولا يبقى في إطار اللقطة العامة البعيدة عن جوهر الإبداع الماغوطي بتفاصيله الكثيرة.