2012/07/04

مدن ترانزيت تلفزيونية
مدن ترانزيت تلفزيونية


فجر يعقوب – دار الحياة

أفلام روائية طويلة ليست بالضرورة أعمالاً تنتمي إلى الفن السابع، باتت تتسرب إلى مهرجانات سينمائية عربية في العالم العربي والمهجر. مشكلة هذه الأفلام أنها لا تتعدى السهرة التلفزيونية التي قد تصور أصلاً للتلفزيون، فيما يرى القائمون عليها أنه يكفي أن «تنفخ» على شريط سينمائي كي تحظى بأهلية الفيلم السينمائي. وما يزيد تعميق هذه الأزمة أنها قد تحظى بجائزة أو اثنتين من هنا أو هناك، وتكرس بصفتها سينما عربية جديدة، ويسافر خلفها أصحابها مدة عامين أو أكثر من مهرجان إلى آخر.

ثمة إشكالية أكبر هنا، قد يكون سببها قلة الإنتاج السينمائي في عالم عربي مترامي الأطراف، ما يسمح لهذه الأفلام بالتسلل علناً وصراحة في مهرجانات عربية بعضها مهم، ويستمد أهميته من قوة البذخ والاستعراض التي يقوم عليها، وبعضها ثانوي يقبع في عوالم بعيدة، في الطرف الآخر من الكرة الأرضية. ويكون الخاسر الوحيد في كلا الحالين، هو السينما فقط.

النموذج المتوافر هنا، هو الفيلم الأردني الجديد «مدن الترانزيت» للمخرج محمد الحشكي الذي لم يغادر السهرة التلفزيوينة إلا إلى شريط سينمائي، بكل ذلك العسف الذي تحمله هذه العملية التقنية المعقدة، مع ما يعني ذلك من تبسيط للفكرة الساذجة القائلة إن اللغة السينمائية لا تتعدى في مثل هذه الحال نوع الكاميرا والشريط المصور.

والمشكلة في «مدن الترانزيت» تبدو عويصة جداً، ونموذجاً صالحا لمحاكمة هذه النوعية من الأفلام «المبتسرة»، لأن معالجة القصة التي شارك الحشكي في كتابتها، لم تتعدَّ هذه اللحظة الفارقة التي تفصل بين لغة سينمائية متفردة، يعرفها صناعها جيداً، وبين ذلك النوع المتردد الذي ينتصر للسهرة التلفزيونية التي لا تُعنى في حالات كثيرة بنوعية ومزاج الإضاءة والانتقال الصعب بين المشاهد المصورة، وقد تنتصر للفرادة فقط عبر ممثلين وموازنات مكلفة.

«مدن الترانزيت» بهذا المعنى نموذج صالح لإشارة من هذا النوع، إذ يبدو التساهل في قبولها واختيارها تكريساً لها بصفتها السينما المشتهاة. وهذه مشكلة خطيرة، يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، بحكم قلة الإنتاج السينمائي السائد الذي لا يتيح فرصاً أكبر في الاختيار، بعكس الأفلام القصيرة التي باتت تشكل حالاً خاصة في بعض المهرجانات. فعجلة إنتاجها تدور أكثر أخيراً، ما يعني أنها بدأت تفرض حضوراً مميزاً لها، ولغة سينمائية أنيقة، تفتقدها كل مدن الترانزيت السينمائية، التي لا تتوقف عند محطة أو منتج أو مخرج يركض وراء سراب الفيلم الطويل. وهو سراب يفرض نفسه بقوة، بسبب ندرة إنتاجه، ولأن المهرجانات الضخمة والثانوية تجد نفسها في مرآة واحدة، حتى لو كان المنتج الفني هارباً من سهرة تلفزيونية قدّر لها تحت مسمى ما أن تنفخ فتصبح شريطاً سينمائياً، تحوّل في لحظة عجز تاريخية جزءاً من تاريخ سينمائي مزور، يجيز لنفسه اللغة التي يريد.