2012/07/04

مسرحية "المنفردة".. حب الحياة رغم ضيق الوقت
مسرحية "المنفردة".. حب الحياة رغم ضيق الوقت

  بوسطة- عمر الشيخ الظالم والمظلوم.. وجهان لعملة واحدة تتداولها الأقدار الخاطفة في الحياة،  ولكن ماذا لو صُرّفت هذه العملة بأفعال مصيرية خارج إرادة الإنسان. هكذا يمكننا تشخيص هذه التناقضات بين عالمين مختلفين بالطباع وطريقة النظر إلى الحياة، لكنهما متشابهين في الشكل والجسد، وعليه يمكننا الولوج إلى مسرحية "المنفردة" تأليف رامز الأسود ونوار بلبل، وإخراج رامز الأسود، والتي عرضت في الثامن عشر من الشهر الجاري على مسرح الحمراء في دمشق ضمن فعاليات مهرجان الشام المسرحي الرابع. تجسد هذه المسرحية معاناة مزدوجة بين شخصيتين وحيدتين تعيشان في سجن منفرد ومعزول عن العالم الخارجي، هما: أبو نضال (نوار بلبل) السجين الذي يقع تحت وطأة الشخصية الثانية، وهي السجّان الذي يدعى مهنا(رامز الأسود). يقوم العمل حسب طريقة السينوغرافيا بسرد وقائع من يوميات ذاك المكان المرعب، و كيفية تبادل الأدوار بين كلا الشخصيتين، لرصد التحولات التي تطرأ على عوالم الإنسان المخفية حين يملك قرار مصير أحدٍ ما، وليس أي أحد: إنه معذّبه! وسيده في توقيت آخر! يمارس المعتقل (أبو نضال) سلطته المطلقة على السجّان (مهنّا) حيث يعطيه دروساً خصوصية في الحياة تمرّ أثناء تعليمه لمواد الشهادة الإعدادية (الكفاءة) في فرصة الاستراحة التي يأخذها مهنّا بعد تعذيبه. يصبح (أبو نضال) مدرسةً للسجّان (مهنّا) الذي ينتظر مولوداً سيجعله يحب الحياة من جديد، ولكن في غفلةٍ ما حين يأتي دور مهنّا في إعطاء أبو نضال دروساً تعذيبية بالخيزرانة والكهرباء.. ينتقم (مهنّا) بطريقةٍ مقيتة وقاسية من (أبو نضال) الذي يخرج فيما بعد من سجنه و يحصل (مهنّا) على الكفاءة بدرجة عالية ولكنه يفقد زوجته وجنينها في نفس التوقيت الذي يحصل به على نتيجة مجهوده بالتعلّم والاجتهاد، أمّا (أبو نضال) يخرج من السجن ضائعاً يفرد مئات الرسائل التي كانت تطلب منه خلالها زوجته وأولاده ألاّ يعود قبل تمام محكوميته، حيث السرّ الأخطر هو سبب سجنه، كان عليه أن يوقع على وثيقة تأمره بعمل إرهابي، يتضارب مع عقده النفسية ويضعفه أمام حالته المادية التعيسة، وهذا كله بأوامر زوجته التي تمثل جزءاً من مركز مهم في البلاد، وعلى (أبو نضال) أن يتحمّل دسائسها في خراب المجتمع. هكذا يقضيان سنواتهما الخمس في سجن منفرد عن العالم، تلعب خلاله أهواء المثقف المعتقل بالسجّان الساذج، ويكاد الآخر يشعر بنقصه فيزيد تعذيبه إلى أن يصبح، في النهاية، كل منهما عارياً في آخر العرض، كوصف غير مباشر عن التشابه في الجسد والاختلاف الكبير في العقل... وامتلاكهما للمشاعر والأحاسيس.. ترى لماذا يحوّلون حياتهم إلى جحيم انتقامي! هناك الكثير من الأسئلة الصعبة في مسرحية المنفردة، والقليل جداً من التكاليف الباهظة تقنياً، بالإضافة إلى موهبة الممثلين الشابين النوعية التي حمّلت العمل بقيم إنسانية تتلخص بالتسامح وحب الحياة رغم ضيق الوقت وزحام التفاصيل البشعة، ولكن يمكننا هنا أن نشير إلى سوء الإضاءة التي لم تغطي ثغرة التركيز على الشخصية المتحدثة حيث أنها لم تؤدي وظيفتها بإسقاطات دقيقة تثير الدهشة والاختلاف، إنما كانت متأخرة بثوان طويلة عن توقيتها اللازم. أما بالنسبة لإدخال الأصوات بطريقة المونودراما فقطت أعطت المشهد الأخير إقناعاً مثالياً عندما يتذكر (أبو نضال) كلمات أولاده وزوجته في الرسائل بأنهم يوقعون على الابتعاد عنه حتى يخرج من ذاك المكان المتخلف.. "المنفردة" عمل تجاوز النص بأداء مميز يسكن شخوصه، فإن دلّ على جانب إبداعي إنما يدل على مهارة في العبور إلى المتلقي و كشف كل تلك "المنفردات" الاجتماعية التي تأسر طموحنا وسعادتنا..