2012/07/04

مسرحية (كلاكيت): لا بدّ من أمل يوقظ الحب الدفين
مسرحية (كلاكيت): لا بدّ من أمل يوقظ الحب الدفين

أحمد الخليل – تشر ين

يميل المخرج المسرحي الدكتور تامر العربيد

في كل عروضه المسرحية إلى البساطة إن كان في الحكاية أو تركيبة

الشخصيات أو السينوغرافيا وفي الوقت

نفسه يعتني كمخرج بالفرجة المسرحية التي

تمتع وتريح المتفرج مستخدماً الرقص والغناء

والتشكيلات الحركية (بواب وشبابك وأسرار- مزاد علني- السمرمر- حلاق بغداد...)

والعربيد قدم بعض عروضه السابقة خلال

أشهر رمضان وبرغم أنه شهر تلفزيوني فإنه استطاع إخراج الجمهور من أمام

التلفزيون وشدهم إلى المسرح لذلك تجذب

أغلب عروضه جمهوراً كبيراً، فهو يبتعد عن المقولات والأفكار الكبرى

ويحتفي بالتفاصيل الحياتية اليومية إن كان

عبر حكاية معاصرة أو حكاية تراثية ضمن شكل فني- بصري واضح لا غموض

فيه.. ‏

في عرضه (كلاكيت) المقدم حاليا على خشبة مسرح الحمراء يحاول العربيد الابتعاد قليلاً عن نمط عروضه السابقة

وخاصة الإطار الشعبي الفرجوي، فيقدم لنا مقاطع من الحياة مفعمة بحس إنساني لما تتضمنه هذه المقاطع من ألم مجبول بالفرح والأمل..

نص العرض أعده العربيد عن قصة (زورق في الغابة) للكاتب البلغاري نيكولاي خايتوف، يقوم النص الأصلي (حسب

الدكتور تامر) على حكاية بسيطة لشرطي أحراش يلتقي بامرأة تقوم بقطع شجرة، فالشرطي يمثل النظام والمرأة

تمثل الأشخاص الذين يحتاجون إلى الدفاع عن ظروفهم لهذا يقطعون الأشجار، لا شك في أن فعل القطع مخالف

للقانون وبالتالي الشرطي له أسبابه لإيقافها، بينما هي حجتها ظروفها الصعبة، إن هذه الحكاية تقودنا إلى أسئلة

كثيرة وهي: إلى أي حد يقيم القانون اعتباراً لهمومنا ومشكلاتنا كبشر؟ وما ه ي المساحة التي يمكن أن يخترقها

الإنسان؟ ‏

(كلاكيت) كمصطلح جاء من السينما و التلفزيون واستخدمه العربيد اسماً لمسرحيته لأن ما يقدمه العرض هو قطع

ومشاهد من الحياة اليومية منفصلة وكأنها صور من ألبوم المجتمع وهي في الوقت نفسه متصلة لارتباطها جميعاً

بشخصية المرأة الفقيرة المطلقة التي تحتطب في الغابة وتصطدم بقسوة القانون وكل (كلاكيت) هو صرخة ووجع وبوح

تشكل في مجموعها حالة إنسانية غايتها أن تشكل صورة غنية للعلاقات والسلوكيات التي نشأت وبدأت بين

شخصيتين تشبهاننا وتعيشان بيننا... ‏

حارس الغابة غالب (القانون ) والمرأة المطلقة سعيدة (الإنسان) يلتقيان في لحظة تضارب بين متطلبات الحياة وصرامة

القانون وفي سياق الصراع بين الجانبين نعود من خلال (الفلاش باك) لنعرف سيرة حياة الاثنين (الحارس والمرأة)

فالمرأة تسرد معاناتها مع الفقر والألم والظلم وعيون الذكورة الوقحة التي تعريها كل لحظة، والحارس يحكي بوجع قصة

زواجه من دون إرادته وعجزه وأحلامه الخائبة..القسوة التي أظهرها الرجل بصوته وثيابه العسكرية والبارودة التي

يحملها في بداية رؤيته للمرأة التي تقطع أشجار الغابة تتلاشى ليظهر العمق الإنساني في شخصية الرجل الفاقد

للحب والاهتمام.. ‏

في فلاشات المرأة التي تركز على المسؤولين وصناع القرار يلجأ المخرج إلى الكوميديا حتى حدود (الغروتيسك)

فيذهب بعيداً في السخرية (مشاهد سيادتو «محمود خليلي» ومشاهد سعادتو «جمال العلي» ومشاهد أبو عصا

«رمضان حمود»).. هنا ثمة ملامح تلفزيونية في هذه المشاهد تدل على مدى الفساد الذي وصل إليه هؤلاء

المسؤولون كدلالة على أن معاناة غالب وسعيدة هم سببها فهؤلاء جعلوا الحياة أقسى والفرح بعيد المنال.. إضافة لذلك لجأ المخرج إلى أن تكون لهجات ممثليه مختلفة فجمال العلي المسؤول الكبير يتحدث لهجة أهل الساحل.. بينما محمود خليلي يتحدث بلهجة مختلفة وهو يشبه زميله سعادتو

ورغم استخدام المخرج للرقص والتشكيلات الحركية بين المشاهد وأثناء بعضها الآخر إلا أن العرض ليس عرضاً

استعراضياً لأن التشكيلات التي قام بها الراقصون الثلاثة تدخل في صميم الحكاية ومشاهد العرض، فهم حراس وخدم

للمسؤولين وطلاب مدرسة في مشاهد أبو عصا مع الدمى التي يحملونها ويستخدمونها للدلالة على العدد في بعض

المشاهد وهم تجليات الروح والبحث عن خلاص في مشاهد أخرى... هذه المشاهد وشت العرض بلون فرح يكسر من

حدة الألم ويضفي على العرض بعض المتعة عبر تداخل الدخان مع الرقص والإضاءة... ‏

ولكن هل هناك بارقة أمل بعد كل هذه المعاناة التي ترويها لنا سعيدة ويحكيها لنا غالب؟ ‏

الاثنان يتركان لقلبيهما أن ينبضا ولروحيهما أن تبحثا عن أمل جديد لذلك لابد لشجرة الحب من أن تكبر، فكم ينقصنا

الحب في حياتنا الجافة.... ففي نهاية نفق الحياة المظلم ثمة ضوء خافت يحيي الأمل بغد أفضل.. ومع أغنية فيروز (إي

في أمل) يمشي غالب وسعيدة نحو الضوء في عمق الخشبة مع ارتفاع صوت فيروز الذي يدعونا لمستقبل أجمل... ‏

في (كلاكيت) تحلق الروح الشابة للفنان عبد الرحمن أبو القاسم (غالب) الدائم العفوية والنشاط والمتمكن من

الإمساك بأدواره وإضفاء الحيوية على الشخصيات التي يؤديها.. في حين تصر الفنانة جيانا عيد على البقاء وفية

للمسرح الذي لا تغيب عنه أبدا برغم ظلم التلفزيون لها ورفضها لشروطه المجحفة، فتعزز تجربتها المسرحية الغنية في

عروض مستمرة حفاظا على روحها وأدواتها المسرحية كي لا تصدأ.. ‏

ويستمر جمال العلي في شخصيته الكوميدية التي أسره فيها جميع المخرجين لكنه بروحه الفكاهية وعفويته يصنع نجوميته.. ‏

مسرحية كلاكيت موسيقا محمد هباش - إضاءة عبد الحميد خليفة - ديكور وأزياء محمد خليلي- مساعد مخرج

سليمان قطان- متابعة درامية نغم فاخوري- إشراف فني على الديكور زهير العربي... ‏

تمثيل عبد الرحمن أبو القاسم.. جيانا عيد.. محمود خليلي.. جمال العلي.. رمضان حمود.. الراقصون: فاتن العلي..

وسيم الرزاز.. جول الحلو. ‏