2012/07/04

مسرح الطفل في سورية إلى أين...؟!
مسرح الطفل في سورية إلى أين...؟!


سهر مهنا – البعث


إذا ما تطرقنا حقيقة  لواقع مسرح الطفل في سورية سنجد أنفسنا أمام ملاحظات عدة سلبية وإيجابية، وإذا ما تشبثنا بالسلبي سنجد الواقع غير مرض، وإذا ما تلاطفنا مع الإيجابي سنجد الواقع جيداً يحتاج مزيداً من الجهد والعمل على مستوى الأفراد والمؤسسات، كما أننا سنجد أن أغلب العاملين في مسرح الطفل وجدوا أنفسهم صدفة فناني مسرح طفل، ما أدى إلى تسجيل عدة أسئلة لتقييم واقع مسرح الطفل على مستوى المضمون من حيث الكتابة والإخراج والتمثيل، وملامستنا لهذا الواقع نابعة من رغبتنا بأن يكون لدينا مسرح طفل ذو جودة عالية يغني ثقافة أطفالنا.

يقوم على الجهود الفردية

يعتبر الفنان عدنان سلوم أن مسرح  الطفل قائم على الجهود الفردية، وهو قائم بالأساس منذ التأسيس على الجهود الذاتية، فلنفترض في هذه السنة أن كافة العاملين في مسرح الطفل منشغلون بعمل آخر، وليس لدى المدير وقت للتشجيع للعمل بمسرح الطفل، وستبقى السنة دون مسرح طفل،  ولابد من القول إنه أحياناً تكون البادرة الفردية ليست في مصلحة مسرح الطفل شكلاً ومضموناً (النية وحدها لا تصنع مسرح طفل)، حيث يشير سلوم إلى غياب المشروع الثقافي الوطني للأطفال الذي يجب أن يضم كل النشاطات المرتبطة بالطفل في البلاد، وهذا أدى إلى غياب الرؤيا المستقبلية لمسرح الطفل، لأن كل شيء مرتبط ببعضه البعض، فكيف سيكون هناك متخصصون إذا كانت الرؤية بالأساس مغيبة، وإذا كان مستقبل هذا المسرح لا يشغل بال القائمين أصحاب القرار وليس مديري المؤسسات الصغيرة .. حقيقة توفر المتخصصين المتفرغين على مستوى الكتابة والإخراج والتمثيل يوفر لنا طاقم عمل حقيقياً يؤسس لانطلاقة جيدة لهذا المسرح تكمله البنى التحتية والدعم المادي.

ويضيف سلوم: لا يمكن أن نضع مسرح الأطفال الفقير ذا الإمكانيات المتواضعة والبنية التحتية المعدومة في مواجهة مع الثورة التكنولوجية التي نعيشها، ولكن يمكننا تفعيل دور مسرح الطفل والثقافة بشكل عام لتحمل في طياتها مضامين وقيماً من شأنها أن ترتقي بالمجتمع، وأن نلقي الضوء عليه، ربما حينها نستطيع أن نسحب الطفل باتجاهنا، وهذا ممكن إذا ما توفرت في المسرحية الموجهة للأطفال مضامين مناسبة، ورؤية إخراجية محترمة، وتمثيل راق، ودعاية إعلانية مناسبة، وأيضاً يمكن أن نسخّر ثورة التكنولوجيا لخدمة مسرح الطفل والثقافة والمجتمع، عندها نستطيع أن نتلمس جوانب إيجابية للميديا والمعلومات.

ويتطرق سلوم إلى المهرجانات التي يمكن أن تساهم في الرقي بالفن المسرحي الموجه للطفل، ولا يمكن فصل هذه الأشياء عن بعضها البعض لأنها في المحصلة تفاصيل لمشروع واحد، فإذا ما وضعنا خطتنا لمشروع وطني يهتم بمسرح الطفل وثقافة الطفل، فالتحصيل الحاصل أن تكون هناك ورشات عمل ومهرجانات، ولكن يجب أن تكون بطريقة مدروسة لأن مثل هذه المهرجانات يمكن أن ترفد الساحة الثقافية بحياة مسرحية ينعم بها الأطفال بالمرح والترفيه والتعليم، وأن تساهم برقي مسرح الطفل، وكذلك ورشات الكتابة ربما تساعد في خلق كتّاب ذوي رؤية مهمة لمخيلة الطفل، وربما تساهم في صقل موهبة الكتّاب الحاليين مع تحقيق الطقس المسرحي عن طريق الدعم المادي المناسب والمتخصصين المتفرغين والبنى التحتية المناسبة، وإذا تحقق الشرط الأول تتحقق باقي الشروط .

مسرحنا شبه كسيح


وأوضح  الفنان  زكي كورديلو أن مسرح الكبار والثقافة بشكل عام في العالم الثالث لم يحظ بالاهتمام الكافي، لأننا دائماً نعمل على أساس أنه يجب أن تكون عندنا ثقافة ككم وليس كنوع، ولا نهتم بنوعية الثقافة التي نقدمها، وإذا أبدينا  اهتماماً نصورها أنها الثقافة الهادفة حسب ما تريد الأنظمة، بمعنى نحن لدينا معيار الوطنية كيفية الولاء للنظام وليس للوطن وهذا خطأ كبير، يفهمون الثقافة والإبداع على هذا الأساس، ولذلك ثقافتنا شبه كسيحة، ومسرحنا شبه كسيح، لدينا عدد من المسرحيات،  لكن بالوقت نفسه لا توجد مسارح كافية لتقديم العروض المسرحية، ولا يوجد جمهور يرتاد المسرح لأنه يريد إشباع رغباته بموضوع ثقافي مسرحي، وإذا دعيناه لحضور المسرح لا يأتي إذا لم تتوفر له بطاقات مجانية لكي يحضر فهو لم يعتد ارتياد المسرح لأنه بالنسبة له مسألة كمالية وليست أساسية في حياته، وبناء عليه فإن مسرح الكبار لدينا بحاجة لدعم وفرق مسرحية خاصة تعمل لإنتاج مسرح نظيف وليس تجارياً، صحيح أنه لدينا فرق مسرحية للأطفال لكنها تجارية، ورقابة وزارة الثقافة لها غير كافية لأن تردعهم ، فأحياناً يقدمون نصاً للوزارة ومن ثم  يقومون بعرض نص آخر، كما أننا بحاجة لدعم وزارة الثقافة والمؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، فالمسرح والثقافة ليسا من مسؤولية الدولة فقط، بل يجب أن يكون  هناك دور بارز للمجتمع المدني، وإذا كان مسرح الكبار يعاني فما بالك بمسرح الصغار الذي يعد أعقد، نحن ندرس فهم الناس لمسرح الطفل، فالعاملون به والمبدعون والكثير من الناس يقولون أنت تعمل كمخرج لمسرح الطفل متى ستعمل للكبار، أي كأن مسرح الطفل مهمش أو مخرجه يتدرب ليذهب في المستقبل ويخرج لمسرح الكبار، هم لا يعلمون أن مسرح الطفل أعقد وأصعب وأكثر أهمية من مسرح الكبار، فالكبار قد نضجت عقولهم وتكونت  شخصياتهم، وبالتالي لا نستطيع التأثير  بقناعتهم،  بينما الأطفال تقع على عاتقنا مسؤولية الدخول إلى خيالهم  والبحث عن اهتماماتهم الطفولية من أجل تقديم المعلومات بشكل يتناسب مع عالمهم والنهوض بأفكارهم والمساهمة الإيجابية بتكوين ثقافتهم .

ويضيف (كورديلو) أنا كمدير لمسرح العرائس أدعو دائماً أن نكثر من بناء المسارح، وألا يبقى مسرح الطفل محصوراً بالعاصمة، بل يجب أن يتسع ليشمل باقي محافظات القطر، ويجب أن تبنى المسارح بطرق هندسية مدروسة، فمسرحنا قديم وهو المسرح الوحيد للعرائس والطفل، لكنه لا يناسب عروض (الماريونيت) رغم أنه يجب الإكثار من هذه العروض، لأن الطفل يحب التعامل بموضوع الدمى، فالدمية تعني له أحياناً أكثر من التمثيل الحقيقي فهو ينتقي دميته المفضلة ويحضنها وينام معها ويكلمها ويكون لها أثر مهم في حياته.. يجب أن نشجع مسرح الطفل بشكل عام، ومسرح العرائس بشكل خاص لكي تزداد المنافسة بين العاملين فيبذلوا مجهوداً أكبر لتطوير أدواتهم، وعندها نستطيع المشاركة بقوة  في المهرجانات الدولية والعربية.

ويؤكد كورديلو أن مسرح الطفل والمسرح بشكل عام قادر على العيش رغم الثورة التكنولوجية الهائلة في مجال الكمبيوتر والاتصالات، فهو أيضاً يتطور، والمسألة الأهم أنه يختلف عن ذلك النوع التقني الذي له علاقة بالصورة من حيث إن الجمهور يكون على اتصال مباشر مع الممثل  فيتفاعل معه ويضحك ويبكي معه، وهنا يكون المسرح بتأثيره الساحر والخاص قد لامس مشاعر كل الحضور، فالمسرح يبقى ما بقي الإنسان، وهو موجود رغم كل هذه التقنيات المبهرة التي تنافسه، لكن يجب أن نعمل بجد أكثر على موضوع التوعية الثقافية، فلو اعتمدنا منذ البداية على الكلمة والثقافة لما وصلنا إلى السلاح.

نحتاج مخرجين اختصاصيين


وأشار الفنان مأمون الفرخ  مدير مسرح الطفل إلى أننا أمام ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الموجودة حالياً، لابد أن نقف وقفة صادقة أمام أنفسنا نتساءل عبرها: كيف يمكن أن نجذب هذا الطفل أمام هذه الثورة المعلوماتية إلى حضور عرض مسرحي، لا شك هذا يتطلب جهداً كبيراً من المتخصصين في مسرح الطفل، وهذا الجهد لا يأتي من فراغ  وإنما يحتاج إلى قضايا فنية ونصوص عالية المستوى، وإلى مواكبة التطور الحضاري ، إذاً يجب أن نعمل لإيجاد مسرح متميز يسرق الأطفال ولو للحظات معينة من أمام شاشة النت والكمبيوتر، فالطفل بحاجة دائماً إلى الحكاية والى الصراع والنهاية مثل حكايات الجدات: "كان ياما كان في سالف العصر والأوان نحكي ولا نام"،  مع أنها كانت غير مترابطة وغير متناسقة، كان الطفل يجلس ويستمع لها  بشغف، فما نحتاج له حقيقة هو اختصاصيون حقيقيون دارسون لمسرح الطفل وعوالمه النفسية والداخلية وحياته الاجتماعية وثقافته، لأن الطفل بالنهاية يخضع إلى عدة مؤسسات ثقافية منها رسمية ومنها غير رسمية عندما يولد الطفل ضمن دائرة ضيقة تتمثل بالأم والأب ثم الحلقة الأكبر الأقارب، وشيئاً فشيئاً الشارع والمدرسة، أي ضمن هذه الدوائر تتشكل ثقافته المتنوعة والمختلفة، ومن خلالها نجد أن الطفل قد يكون غير جاهز لمواجهة الحياة التي يعيشها، وبهذه المرحلة يكون بحاجة إلى المسرح فهو نافذته  لفهم العالم المحيط، وهو من أهم الفنون الدرامية التي يستطيع  الطفل التعبير من خلالها عما يجول في خاطره، بمعنى  أنه  يقف على خشبة المسرح ويطلق العنان لخياله وأشيائه المكبوتة الداخلية.

وللحقيقة المسرح هو أكبر معالج نفسي واجتماعي، وقد كان لي تجارب في هذا المجال، أحضرت مجموعة من الأطفال من مختلف الأعمار من صف الروضة إلى الثالث الثانوي أسميتها ( تجمع أصدقاء المسرح)  قدمنا أول تجربة والثانية والثالثة وكان معنا اختصاصيون في علم النفس وعلم الاجتماع  وفي الموسيقا والكتابة، بدأنا معهم نكتب ما يقصونه علينا،  عن حياتهم ومغامراتهم، ومن خلال هذه الأحاديث جمعنا عدة قصص وكان معنا متخصص (دراما تور) فكتب ضمن قالب مسرحي، و لم نتدخل في شي أبداً فقط ساعدناهم بالوقوف على خشبة المسرح، فألّفوا وأخرجوا ورقصوا وغنوا، وكانت تجربة فريدة،  وهذه المجموعة موجودة حتى الآن وهي مدمنة على النت والفيس بوك، لكن بالنسبة لهم لحظة الوقوف على المسرح تعادل كل هذه المغريات البصرية.

ويضيف الفرخ  نحن بحاجة لمخرجين اختصاصيين فالذين يخرجون لمسرح الطفل معظمهم  غير اختصاصيين، وأحياناً يقدمون مسرحيات جميلة وجيدة وأحياناً لا تكون على  السوية نفسها، وبحاجة إلى  وجود مؤلفات ومراجع في عالم الطفل، أنا قدمت كتاباً اسمه ( مسرح الطفل في سورية) جلبت عدة مقالات وحاولت توثيقها،  كتبت عن بدايات حركة مسرح الطفل بهذه المرحلة  وهو موجود في السوق، كما أننا  بحاجة إلى خشبات مسرح مخصصة للطفل وأعتقد أن الجميع يؤيد كلامي حتى المؤسسات التي تعمل في مجال المسرح.

إن هذه المسارح لا تناسب حركة الأطفال ولا عروضهم المسرحية، فنحن بحاجة إلى بناء مركز  ثقافي خاص اسمه (بيت الطفولة) وهو موجود في أغلب بلدان العالم  كتونس وفرنسا وإيران وإسبانيا، وهذا البيت يتضمن مسرح دمى و مسرح عرائس ومسرح كبار للصغار ومسرح خيال الظل ورقصاً وغناء، يأتي إليه الطفل يفتح الباب ويدخل يمارس ما يحب ويرغب  ثم يخرج  ويكون على الأقل قد أخذ معلومة ثقافية وتوازناً نفسياً واجتماعياً.

ويؤكد الفرخ أن مديرية المسارح ووزارة الثقافة جميعهم يقدمون المساعدة والدمى خلال مسرحيات مهمة قدمناها فأنا قدمت ( البطاريق ورجل الثلج)كانت مسرح دمى، كذلك قدمت مسرحية (مملكة النحل)، وعلى الرغم من أننا مازلنا  في طور التجريب لكن  أهم المسرحيات التي حصلت على جوائز مهمة  في الوطن العربي تعود لمسرح الطفل في سورية أو مسرح العرائس، وهذا يدل على صدق النوايا وأننا  نبذل الجهد وننتج ونعطي لكن هذا لا يكفي فأمام ثورة الكمبيوتر يقف الطفل غير راض عما نقدمه له ، لهذا يجب أن  نسعى  دائماً للأفضل (يموت الإنسان وحاجته لم تنقض) وكنت مؤخراً قد قدمت مسرحية بعنوان "القبطان والقرش الجوعان" أدخلت فيها /3/ مسارح بمسرح واحد بمعنى مسرح الكبار للصغار وشارك معي الفنانان (كفاح الخوص وزكي كورديللو) إذ اتبعت نظام المسرح التفاعلي الذي يجعل الطفل يتفاعل من خلال الأسئلة والأجوبة  ويصبح جزءاً من العرض والأطفال كانوا عبارة عن أمواج في شيء اسمه الشارة الزرقاء والطفل سيلعب مع هذه الستارة.

ليس هناك عرض مقفول

ويرى المخرج المسرحي وليد عمر  أن  مسرح الطفل في سورية متميز مقارنة مع المسرح العربي الطفلي، فما تقوم به مديرية المسارح والموسيقا ومديرية ثقافة الطفل على صعيد نشر المسرح في سورية هو جهد رائع لرفع الوعي الثقافي لدى أطفال سورية، ولكن مهرجانات الطفولة غير كافية لإرساء القاعدة المتينة لمسرح الطفل في سورية، كذلك عدم وجود مسارح كافية في المدن والمناطق، لذا من الضروري إنشاء مسارح ذات تكوين معين يتناسب مع الذائقة العامة للأطفال، بحيث يتم تقديم عروض للأطفال بشكل متواصل ليتعود الطفل على المكان وليبقى المسرح دائماً بذاكرته، ويضيف عمر: إن سبب عدم وجود نصوص خاصة بالأطفال يعود لعدم إقامة مسابقات أدبية لتأليف النص المسرحي ذات مكافآت مادية جيدة وذلك لتحريض الأدباء الشباب على تأليف المسرحيات للأطفال والابتعاد عن النصوص المترجمة والتي لا تناسب بشكل أو بآخر طبيعة تربية وتفكير الجيل الناشئ .

ويعتبر عمر أن مسرحيات الأطفال تفقد قيمتها التفاعلية أثناء عرضها على التلفاز  فيجب التعامل مع المسرح كفن له أسسه وأساليب تقديمه وحالته التفاعلية مع الأطفال، وعلينا أن نراعي طريقة تفسير الطفل للأحداث ولغة العرض واللون وأداء الممثلين الذي باعتقادي يجب ألايكون مبالغاً فيه طبعاً حسب تركيبة الشخصية المسرحية، ولا بد من وجود متخصص أثناء إخراج العرض المسرحي الطفلي ليشرف على طبيعة العمل، فمسرح الطفل، وباعتقاد الآخرين الخاطئ،  وهو مسرح بسيط يقدم دون أي اعتبارات معينة ولكن من خلال تجربتي والكلام للمخرج عمر مع مسرحية (جحا والملك زعفران) التي أخرجتها منذ عشرين عاماً مازلت حتى هذه اللحظة  أطورها وأغيّر في جملها أحياناً وبطريقة أدائها، بمعنى  ليس هناك عرض مقفول، فكل  الخيارات مطروحة وتتطور مع التطور العلمي والأخلاقي للمجتمع.

المهرجانات بدأت تتراجع


أما المخرج أحمد اسماعيل  فلا يختلف واقع مسرح الطفل بالنسبة له عن واقع الطفل المهمش، المدجن في أحسن الأحوال، وتأسيسه وتفعيله يحتاج إلى أنسنة الطفل والتعامل معه كشخصية اعتبارية ومحورية وثروة وطنية من الدرجة الأولى والتعامل مع الطفل على أنه رجل صغير وصفحة بيضاء.. نلاحظ أن مسرح الطفل هو نشاط يمارسه الكبار لغايات وأهداف هي أهدافهم فهي لا تأخذ الطفل والطفولة بعين الاعتبار بالدرجة الأولى والتي تحتاج إلى مراعاة خصائص نمو الطفل واحتياجاته وشخصيته على المستويين الفني والإدراكي، لذلك من الضروري أن يتم إعادة النظر في كل ما  يقدم للطفل مسرحياً، لأن ما تقدمه العروض لا تزال أقرب إلى استعراضات فكرية وفنية للكبار أكثر من كونها عروضاً مسرحية للصغار. ويؤكد إسماعيل على أن المسرح من أكثر الوسائل والمجالات الإبداعية سرعة وقدرة على التلاؤم ومواكبة تطور المجتمع والزمن على الصعيد التاريخي والاجتماعي والتقني والميديا، وما أنتجته ثورة المعلومات في هذا المجال بالذات، وجعلتنا نحن ـ الراشدين ـ نقف على أبوابها بحيرة وتردد، وبالوقت نفسه جذبت الطفل إليها بقوة من خلال ما تقدمه من وسائل إبهار وجذب فاتنة، وكي لا يتحول الطفل إلى فراشة ترتمي في أحضان الآخرين  ويحترق بنيرانهم، علينا أن نقدم له أنواراً حقيقية.

وحول المهرجانات المسرحية المخصصة للطفل يضيف إسماعيل: المهرجانات المسرحية المخصصة للطفل ظاهرة إيجابية لكنها بدأت بالتراجع في الفترة الأخيرة لتصبح أشبه بنشاطات وظيفية غايتها الأساس مجرد نشاطات لفنانين وعروض لا يرتقي أغلبها إلى المستوى المطلوب لتكون مجرد نشاط يدون في سجل المؤسسة، ويبقى لكل قاعدة استثناء. ولابد من الإشارة إلى أن المسرح قائم على جهود فردية وأن ما يقدم يشكو من النمطية، فقد أصبحت هذه الفردية بيد (حديدان) بعد أن انسحب كل المبدعين من الميدان، «حديدان» هذا نجده في كل ميدان يغيب عنه فرسانه في المسرح وغير المسرح، لذلك من الطبيعي أن نشاهد مسرحاً يشكو من علل كثيرة، وفاقد الشيء لا يعطيه، وسيبقى الحال على ما هو عليه من نمطية أو تهريج أو استعراضات.. حتى يظهر أو يعود المبدع المتخصص إلى ميدان المسرح، وذلك لن يكون بالتمنيات وانتظار ما لا يأتي بالانتظار فقط.، ولابد من أن نشير إلى أنه عدا بعض الاستثناءات القليلة أغلب ما يقدم للطفل من عروض لا يحقق شرط عرض مسرح طفلي جيد، من ناحية الموضوع والإخراج والمرحلة العمرية ومشاكل الأطفال، و ذلك يحتاج من المبدع المتخصص في كل مجال إلى ثقافة واسعة ومواكبة لتطورات أدب وعالم الطفل، فلا  يكفي أن يعالج كاتب مسرح الطفل حكاية مشوقة أو يطرح قيماً تربوية أو وطنية، بل لا بد من معالجة مناسبة تأخذ بعين الاعتبار المرحلة العمرية وخصوصية كل مرحلة من ناحية الوعي والاحتياجات والعوالم، ويرى  اسماعيل أن جذب الطفل إلى المسرح لايكون بوصفة طبية أو (روشته)، فللطقس المسرحي علاقة بثقافة المجتمع و تاريخ المسرح في هذا المجتمع أو ذاك، وللمؤسسات دورها الهام من خلال توفير الدعم المادي والمعنوي، حينها يمكن الحديث عن ترغيب الطفل بالمسرح، بدءاً من البيت ومن ثم المدرسة من خلال المنهاج والتشجيع على حضور العروض، إضافة إلى الدور الهام للصحافة والتلفزيون وتقديم العروض المناسبة و الراقية، بذلك يمكن جذبه ومن ثم الارتقاء به أيضاً، لذا لابد من  إشراك جميع فئات وشرائح المجتمع المدني في مجال الإنتاج أو العرض المسرحي للطفل، شريطة أن تكون التجربة خالصة النية لصالح الطفل وأن يوضع الهدف المادي في الدرجة الثانية أو الثالثة .