2012/07/04

مناخ الدراما السورية..
مناخ الدراما السورية..

سامر محمد إسماعيل

حتى الآن يسجل السوريون أرقاماً قياسية في التشابه البصري غير المبرر في أعمالهم التلفزيونية، فهم يعكفون منذ سنوات طويلة على تصوير مسلسلاتهم في الصيف وذلك تزامناً مع المواسم الرمضانية التي تأتي في أوقات الخريف والشتاء، حيث يمكننا ملاحظة أن معظم الأعمال الدرامية التي أُنجزت لهذه المواسم تم تصويرها في فصل الصيف، ولذلك ينعم الممثلون السوريون ببشرة سمراء تضعهم وجهاً لوجه مع عاكسات الضوء النهارية، فلا يمكن أن نرى مسلسلاً سورياً واحداً (باستثناء مسلسل حنين الذي أخرجه باسل الخطيب) إلا ويعيش أبطاله في الصيف، وهذا مرده إلى ظروف الإنتاج في الدراما السورية التي باتت تشكل اليوم أهم مصادر الرزق لعشرات العائلات في سورية. إن مراجعة خاطفة لحجم المشاهد الصيفية تضعنا مباشرةً أمام الشروط التي تفرضها شركات الإنتاج على العمل الفني جاعلةً منه نسخاً مكرورة أمام مُشاهد لم يعد يفرق بين مسلسل وآخر، وهذا برأيي لا يعود فقط إلى وجود الممثلين ذاتهم الذين يلعبون أدوار البطولة في هذا المسلسل أو ذاك، بل إلى نوعية الإضاءة المستخدمة أثناء التصوير، وهي على الأغلب إضاءة ساطعة وواضحة تشي أن شخصيات المسلسل السوري مثلها مثل البطيخ لا تعيش إلا في درجة حرارة ثلاثين مئوية وما فوق، أما تلك المشاهد التي يصورها مخرجون عباقرة تحت وابل من أمطار خراطيم مياه الإطفاء، فهي لا تعدو كونها حمامات شمسية للصورة التي لا تتغير إضاءتها حتى في أثناء تنفيذ تلك الخدعة الرديئة. لعل أول ما يتبادر إلى الذهن جراء هذا الصيف الدرامي الطويل هو ما يفرضه الطقس على باقي معطيات الإنتاج، فليس من المعقول أن يلبس الممثلون ثياباً شتوية في هذا الجو الخانق، مما يتيح لهؤلاء، لاسيما الممثلات منهم، ارتداء تلك الفساتين الهفهافة على طول ثلاثين حلقة حارة ومتعرّقة للغاية!، وبالتالي لن تكون مشاهد المطر الاصطناعي سوى نوع من الرومانسية المجانية التي تعتبر المطر أنشودة بصرية تزيينية. المشكلة ليست في المطر أو الصيف وإنما في نوعية الكتابة الرديئة التي تقدم المسلسل نفسه على مساحة أكثر من عرض درامي على أنه عمل صيفي تتخلله مشاهد لعشاق يفترقون تحت زخات متفرقة من المطر الاصطناعي..، والطامة الكبرى هي في تحول مهنة الإخراج لدينا إلى حرفة يورثها شيوخ الكار لأبنائهم و لـ"الصنايعيّة" من منفذي ومساعدي إخراج يتحولون بين ليلة وضحاها إلى "هيتشكوكات" لا يعرفون أن يديروا كاميراتهم إلا في ظروف جوية مشمسة. ليس هذا فحسب، بل في باقي الحِرف التي يورثها أيضاً مهندسو الإضاءة لأبنائهم وأقربائهم من غير أي علم أو دراية من هؤلاء بفن الضوء وصياغة الكوادر الفنية الجيدة، فهل من المعقول أن نحتمل كل هذه الحرارة العالية في الدراما السورية؟ لاسيما أن شتاءات بصرية جيدة بدأت تحتل مساحة البث الفضائي العربي، خاصةً الدراما التركية التي أثبتت نظافة كوادرها وحرارتها المعتدلة والباردة أحياناً، والتهمت ما التهمته من حصة الساعة الدرامية العربية. إن هذا سيطرح بدوره تحدياً جديداً على جودة اللقطة التلفزيونية التي فاخر بها السوريون في وجه الدراما العربية عموماً، لنعود من جديد إلى أهم أسباب هذا التراجع الفني الذي يعلله الكثيرون ممن يشتغلون في صناعة العمل التلفزيوني إلى التوقيت الذي يتم فيه تصوير هذه الأعمال . السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة هو : هل سيصور مخرجونا أعمالاً شتوية خاصةً بعد أن صار شهر رمضان المبارك يأتي في الصيف؟، هل سيتمكنون من إيجاد حلول فنية لأعمال سيصورونها في أربعينية الشتاء القارس؟ (تصوير ضيعة ضايعة نموذجاً)، لاسيما أن أوقات الذروة في المشاهدة اختلفت سنوياً مع اختلاف قدوم الشهر الفضيل؟. إذاً على نجوم ومخرجي الدراما أن يحضّروا معاطفهم الجوخية ومظلاتهم السوداء للحفاظ على مكياجاتهم وذقونهم الاصطناعية من البلل السريع تحت أمطار تهطل عليهم بغزارة في مواقع التصوير الخارجية، لاسيما إذا كان العمل تاريخياً فعندها سنتوقع رؤية أجزاء جديدة من "الزير سالم"، "أبو جعفر المنصور" و"صدق وعده" تحت عواصف رعدية وحبات بَرَد تُغرق جموع الخيل في رمال متحركة، ويتوه معها فرسان بكر وتغلب في أجواء سديمية للغاية. أما باب الحارة وأهل الراية وسواها من أعمال البيئة الشامية التي لم ينزل فيها المطر ولا مرة، سيضطر كل من "العكيد" و"أبو عصام" للظهور والعودة من عين في بلاد الفرس بين أصفهان وشيراز لجلب ماء السمرمر من هناك (حسب ماجاء في حوادث دمشق اليومية للشيخ أحمد بديري الحلاق) للقضاء على الجراد واستسقاء الغيث، وهذا كله سيكون في آخر الصيفيات التي تسبق شهر رمضان حيث سيعاني المنتجون من سوء حركة الطرق العامة وتراكم الجليد الذي سيعزل الكثير من الفنانين والفنيين على السواء في مواقع التصوير البعيدة، ويجعلهم وحيدين مع كاميراتهم المتجمدة في قلاع حمص و ضيع اللاذقية. أخيراً إذا كان ينبغي علينا تصديق هذا الصحو الدائم في العمل الدرامي كوسط  لواقع افتراضي علينا محاكاته وتمثله أو معاداته في الحالات السلبية، هل يتوجب علينا أيضاً الاعتراف بنجومية وموهبة مخرجين وفنيين لا يعرفون التقاط صورتهم في كوادر غائمة جزئياً أو متوسطة ارتفاع الموج..؟! [email protected]