2012/07/04

جريدة العربي لم تدهشنى التصريحات التى أدلت بها إدارة مهرجان القاهرة السينمائى الدولي، ورئيسه الفنان عزت أبو عوف، حول فشل لجنة المشاهدة بالمهرجان فى العثور على فيلم مصرى يمثل مصر فى المسابقة الرسمية للمهرجان. 
الموضوع ليس بجديد كما أشارت بعض الصحف، ووصفت بأن ذلك يحدث لأول مرة منذ بداية المهرجان، ولكن لأننا لاننظر إلى الخلف لنتعلم من الماضى إلا فى الهجوم على فترات أو حقب زمنية بعينها، فقد غاب عن الذاكرة أن هذا الفيلم "العربى الساقط" يتكرر كل عام، وكأننا نفاجأ بظهور المهرجان فجأة على طريقة مجيء شهر رمضان فجأة أيضا كل عام دون استئذان! 
فمنذ مايزيد على عشر سنوات مضت ونحن نقع كل عام فى "حسبة برما" فيما يقال عنه عدم وجود فيلم مصرى بالمهرجان الرسمى الدولى لمصر، وفى المنطقة بأكملها.. ويصاحب هذه الحسبة عدة مشاكل أخرى تتكرر كل عام إلى جانب غياب الفيلم المصري، اهمها: مشكلة ضعف ميزانية المهرجان ما جعلته فى ذيل قائمة مهرجان المنطقة ـ غير الدولية ـ والتى تعد بالنسبة لها كما يقول المثل: "بنت إمبارح" مهرجانات لم يتعد عمرها عامين أو ثلاثة أعوام.. أو بالكثير عشرة أعوام، أصبح لها وجود وثقل، فى الإعداد أو التنظيم أو الضيوف. 
المشكلة الأخرى تمثلت فيما يقال عنه بعدم احترام الفنان المصرى لمهرجان وطنه، لدرجة أن هناك بعض الدورات من المهرجان كانت خالية إلا من نجوم الدرجتى الثانية والثالثة ـ مع كامل احترامى وتقديرى لهم ولموقفهم النبيل ـ وقيل وقتها إن السبب فى تضارب بعض المهرجانات الوليدة فى المنطقة والتى تزامن عقد دورتها فى نفس توقيت مهرجان القاهرة السينمائي، وتم التنويه عن بحث هذا الأمر والتنسيق بين المهرجانات العربية ومهرجان القاهرة، فى حين أن بعض المهرجانات الوليدة راحت تمارس كل الوسائل لجذب أكبر عدد من النجوم المصريين والعرب والأجانب بما فى ذلك من إغراءات مادية غير عادية لكل ضيوفهم، بداية من المقابل المادى الذى يقدر بمئات الآلاف من الدولارات لكل ضيف، وليس انتهاء بفنادق الخمس والسبع نجوم، مرورا بالحفلات والتكريمات والدروع وشهادات التقدير. 
السبب الثالث وأعتقد انه الأهم والأجدى بالمناقشة، هو عدم احترام وزير الثقافة نفسه للسينما، ويكتفى باحترام مهرجاناتها، وهذا ليس تجنيا عليه، بل إن ذلك واضح وضوح الشمس على مدار كل سنوات وجوده بالوزارة التى تزيد على العشرين عاما، لم يسع خلال هذه الفترة لأن ينتشل السينما من عثرتها أو إنقاذها من تراجعها، سواء بسيطرة أفلام المقاولات وما يسمى بالسينما التجارية عليها خلال الثمانينيات، والتسعينيات، أو حتى عندما تم تغيير دماء السينما بوجوه جديدة شابه سرعان ما أصبحت نجوما، وسواء اختلفنا أو اتفقنا معهم إلا أننا لا ننكر أنهم استطاعوا أن يعيدوا للسينما وجودها، بل وأوجدوا جمهورا جديدا للسينما أيضا قد نتفق أو نختلف على ذوقه، غير أن ما كانوا يقدمونه ـ ولا يزالون ـ سينما تجارية، تهتم بشباك التذاكر فى المقام الأول، ولم يكن يعنيهم ـ هم أو منتجوهم ـ الدخول فى لعبة المهرجانات، خاصة وأنهم لا يرون أن هناك فى مصر مهرجانا يستحق المشاركة من خلاله، واضعين فى الحسبان المجاملات والمواءمات التى يمكن أن تحدث فى الجوائز! 
كل هذا وسيادة وزير الثقافة يقف يشاهد مستمتعا بحال السينما، وانحدارها وخروجها خارج تصنيفات أى مهرجانات سواء دولية لها اسمها وترتيبها على العالم، أو حتى وليدة "بنت إمبارح"، وعندما فكر وتعطف وتكرم وقرر أن يمد يد العون للسينما، قام بتشكيل لجنة لاختيار أفضل الأفلام لتقوم الوزارة بإنتاج ما تقره اللجنة، وفاجأتنا اللجنة الموقرة، وبدلا من اختيار خمسة أو ستة أفلام على مستوى جيد والقيام لإنتاجها وتقديمها كواجهة للسينما المصرية وتعبير عن دور وزارة الثقافة فى نهضة هذه الصناعة، والمشاركة بها فى المهرجانات الدولية، بل المشاركة ببعضها فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى الذى يتسول فيلما مصريا ولا يجد، فاجأتنا اللجنة الموقرة باختيار فيلم واحد يتيم ـ بغض النظر أيضا عن تقييمه فنيا وكيفية اختياره ـ وتم إنتاجه بما يزيد على 20 مليون جنيه ـ وهى بالمناسبة ميزانية تكفى لصناعة خمسة أفلام على الأقل بمستوى عال جدا ـ وبالرغم من ذلك فشل هذا اليتيم فى أن يحظى ولو بتقدير المهرجانات وليس الفوز بإحدى جوائزها!!  
أعتقد بعد ذلك لابد أن نكون على يقين أنه لا هؤلاء ولا أولئك، سواء الدولة التى تمثلها وزارة الثقافة، أو جهات الإنتاج الخاصة، يهمهم أن يكون لدينا سينما أو صناعة.. فلماذا البكاء والعويل على عدم وجود فيلم مصرى يمثل مصر بمهرجان مصر؟!. 
أعتقد أن الأولى أن نسأل أنفسنا: هل لايزال لدينا صناعة سينما أم لا؟ هل مازلنا مهمومين بوجود سينما حقيقية وجادة؟ 
ولماذا يتعامل وزير الثقافة ـ قدرنا ـ مع السينما على اعتبار انها فن درجة ثالثة أو رابعة.. ويكون هو أول من يتقدم الصفوف ويقص الشريط فقط فى المهرجانات، معتبرا أن هذا هو دوره الوحيد تجاه السينما، تماما مثلما هو اعتقاد رئيس المهرجان الفنان عزت أبو عوف، الذى لا يشغله من السينما أو مهرجاناتها سوى حفلى الافتتاح والختام للمهرجان والبدلة "السموكن"؟! 
بل لماذا يتعامل أغلب أهل هذه الصناعة مع صناعة السينما المصرية، فقط بمنطق "تجارة المخدرات"، وليس بمنطق التجارة والصناعة والفن؟ 
وهل نحن مهمومون بحق بأن يكون لدينا إنتاج سينمائى حقيقى نقدم به أنفسنا للعالم مثل بقية دول خلق الله التى لم يكن لها فى السينما وأصبح لها وتنافس؟ 
هل شبع وقنع المستفيدون والمستغلون من وجود الوضع على ما هو عليه.. أم لايزال هناك بعض الفراغ فى أعينهم ينتظرون ملأه؟! 
أعتقد إذا وجدنا إجابات عن هذه الأسئلة.. وقتها يمكن ان نجد أفلاما نشارك بها فى مهرجانات العالم وليس فقط فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولي.