2012/07/04

مهرجان دمشق السينمائي... ما الذي يمنع أن يسود الحب بدلاً من الكراهية؟!!
مهرجان دمشق السينمائي... ما الذي يمنع أن يسود الحب بدلاً من الكراهية؟!!

عـهد صبيـحة


يستمرّ مهرجان دمشق السينمائي، كما في كل دورة، بإثارة جدل كبير، ويعود محمد الأحمد مدير المؤسسة العامة للسينما إلى الواجهة الإعلامية على مدى أيام المهرجان، وبين مؤتمر صحفي قُبيلَ المهرجان وآخر بعده، يستمر أيضاً مسلسل تلاقف الاتهامات السنوي بين طرفي النزاع العجيب: صحفيي السينما ونقادها في طرف، ومحمد الأحمد في الطرف الآخر.

ومن أجل الإضاءة على تفاصيل هذا النزاع، وخصوصاً بعد مواكبة «بوسطة» الإعلامية الإخبارية للمهرجان، نُورِد هذه الملاحظات:

  1. لا يزال افتتاح المهرجان، كما اختتامه، مشكلة دائمة وعصيّة الحل، حتى أيقنّا وآمنا أخيراً بأن العقل العربي عاجزٌ عن حل معضلة توزيع جلوس عدد من الأشخاص في عدد من المقاعد!.
  2. يبدو أن عمل إعلاميينا الوحيد في المهرجان هو تَرقُّب أي خطأ أو هفوةٍ أو زلّة، ليصير بعدها هذا الخطأ علكة تتناقلها ألسنة الصحفيين، فلم نشاهد أو نقرأ أو نسمع عن أقلام ناقدة تفيدنا بالنقد والتقريظ والشرح عن ماهية الأفلام المعروضة والتظاهرات وأهميتها (سوى بضع مقالات هنا وهناك في الصحف الرسمية تتحدث عن أفلام المسابقة وتعبّر بالضرورة عن رأي كاتبها أكثر من كونها تحليلاً أو نقداً، خصوصاً أنها محصورة بعدد كلمات تفرضها تلك الصحف)، كما لم نسمع أيَّ نقد إيجابي، وكأن المهرجان سلسلةٌ من الأخطاء القاتلة التي ابتُلي بها مواطننا عاشق المهرجانات!.
  3. لا يزال السيد محمد الأحمد في حواراته النادرة ومؤتمراته الصحفية يُذكِّرنا  بالقضايا الشخصية التي تربط كُلَّ مَنْ له علاقة عداء بالمؤسسة، مع أننا حفظنا هذه الحكايات، ومعظمنا مُتيقّن من صحتها، وإن كنا لا نجاهر بذلك خوفاً من اتهامنا بالعمالة!.
  4. واضح أن هناك فارقاً كبيراً جداً بين آراء الصحفيين وضيوف المهرجان العرب والأجانب وبين آراء زملائهم السوريين في تقييم المهرجان (وهذا رصدته بوسطة في حواراتها مع كلا الفريقين)، وواضح أيضاً، من هذا التباين، أن الصحفيين العرب لا يفقهون في شؤون السينما والمهرجانات خصوصاً إذا قسنا تجاربهم بتجارب زملائهم أبناء وطننا الأعزاء!.
  5. لم نسمع أي تهليل أو فرحة أو ابتسامة  لصحفيينا ونقادنا عندما ذكر الأحمد أن مُوازَنتَي المؤسسة العامة للسينما والمهرجان تضاعفتا، مع أن هذا كان مطلبَ مثقفينا على طول العمر!.
  6. لا تزال الأفلام السورية دون المستوى المطلوب، والخيبة واضحة على كل من يخرج من عرض فيلم سوري!.
  7. عقلية القطاع العام سيطرت على بعض تفاصيل المهرجان (بطاقات الإعلاميين انتشرت قبل المهرجان بشكل عشوائي غير منظم، حتى إن إحدى الإعلاميات لم تستطع الحصول على بطاقة مع أنها صحفية رسمية لإحدى القنوات، وعند شباك التذاكر تكتشف أن كل أبناء الوطن صحفيون ما عدا الصحفيين، كما تكتشف فوضى حفل الافتتاح، وتلاحظ بطاقات حضور افتتاح مجاملة لفلان وفلان).
  8. كل فنانينا يريدون حضور افتتاح الكليشيهات، ويريدون الجلوس في الصفّ الأول! والغريب أن أحداً من ضيوفنا الأجانب أو العرب لم يتذمّر عندما وجد نفسه خارج الصالة، ولا كُرسِيَّ له!.
  9. يَذكُر الجميع اسم محمد الأحمد فقط! في أي مناسبة متعلقة بالمهرجان، وكأنه موجود في كل التفاصيل أو أن بقية موظفي المهرجان أشباح أو محض أسماء لا عمل لها!.

10. انتقد الجميع نتائج التحكيم، وأظن أن أحداً لم يسمع عن فكرة اختلاف الأذواق والآراء، وربما كان من الأفضل، في الدورات القادمة، إلغاء لجان التحكيم واستبيان النتائج عبر رسائل الـ sms ليكون استبياناً جماهيرياً صادقاً (طبعاً ستُتّهم المؤسسة عندها بالتعامل مع مؤسسة الاتصالات، فيُضاف بذلك اتهام جديد إلى جعبة الاتّهامات!)

نقف هنا في مأزق، فإن مدحنا حسن انتقاء الأفلام والتظاهُرات وقلنا إن التسهيلات كانت متوافرةً وأجواء المهرجان جميلة (وهذا ما اختبره موقعنا حقاً)، فستهاجمنا الأقلامُ متهمةً إيّانا بالعمالة للمؤسسة! وكأن التحدث عن إيجابيات إحدى واجهات بلدنا هو عار على جبين أي صحفي! (وهل يجب أن أمدح الأوسكار أو كان، مثلاً، حتى أصبح نزيهاً)، وإذا تحدثنا عن إهمال في حفل افتتاح أو تقصير في معلومات عن ضيوف المهرجان احتاجها الإعلاميون، فسيَتّهِمُنا مدير المؤسسة بأننا نقف مع من يقف من أعداء المؤسسة!

أتساءل هنا، أليس ما يذكره الأحمد من خلافات شخصية ربطت أسماء مهمة في عالم السينما في سورية، صحيحة؟ أوليست هذه الخلافات حقيقة؟ لم أجد أحداً ممن اتهمهم الأحمد في كلامه الدائم، ردّ على كلامه وأفادنا بعكس ما ذكر. لم أجد أحداً طالب بإلغاء المهرجان وشَرَح سبب مطالبته بذلك، إلا وتذرّع بِقلّة الإنتاج السينمائي السوري (القليل أصلاً منذ إنشاء المؤسسة) وضياع المليون دولار العجيبة على استقبال الضيوف وإقامتهم، وتجهيز الصالات والإعلان والورقيات والمكافآت (إما أن تكون موازنة المهرجان عشرة ملايين دولار أو فلنُلغِه!)، إضافة إلى كلام تنظيري غير مدعوم بأدلة عن فسادٍ ودجل. أليس صحيحاً أن معظم أفلام المؤسسة، مع أهميتها، هي تجارب شخصية لمُخرِجيها؟ وأنه لم تنجح، سوى أفلام قليلة، بالخروج من دائرة هذه التجارب للالتقاء بمطالب جمهور السينما؟ أليس صحيحاً أنه لا وجود لسيناريست يكتب فيلماً عندنا؟ أليس صحيحاً أن معظم مخرجينا يرفضون أي نقد أو رأي، حتى من الجمهور الذي يُفترَض أنه هدفُ هذه الأفلام، بحجة أنها أفلام نخبوية! وأفلام مهرجانات!؟

في الطرف الآخر أليست المؤسسة العامة للسينما مؤسسة قطاع عام كبقية مؤسسات الدولة؟ ألم تكن لبعضهم إشكاليات وحكايات مع المؤسسة العامة للسينما تدخّلت فيها عقلية القطاع العام في إدارة الأمور، وربما كانت هذه العقلية ألغت، من دون إدراك منها، وبسبب الروتين، مشاريعَ شبان جدد ربما يكون فيهم إنقاذٌ لهذا الفن الجميل الذي سيطرت عليه أسماء بعينها منذ زمن بعيد، حتى قبل تولّي الأحمد زمام أمور المؤسسة؟ ألا تحتاج مثل هذه المؤسسة الأكثر أهمية في هذا المجال الإبداعي إلى نظرة استراتيجية ومتنورة لفسح المجال أمام الإبداع؟

نحتاج، في النهاية، إلى الحوار السليم الصحي الحضاري البعيد عن (العنترية)! فلن يستفيد أحد من إلغاء المهرجان، وأظن أنه لن يُفيدَ السينما ابتعادُ أهلها عنها، وما نريده، في النهاية، أربعة أفلام أو خمسة سنوياً، وفق خطة مدروسة، تُعرَض جماهيرياً، ونهتم بعرضها جماهيرياً قبل اهتمامنا بجوائز دولية تحصل عليها في المهرجانات (خصوصاً أننا، كما يبدو، لسنا من محبي المهرجانات!!). وأسأل هنا، من قال إن نتائج أي مهرجان تُحدِّدُ أهمية أي فيلم أو جماله أو نجاحه؟

نريد سينما يحضرها جمهور.. ونريد جمهوراً يحضر سينما، يتذوقها: سينما بلده، بالتأكيد، أولاً.

السادة: مديرَ مؤسسة السينما المحترم، مخرجينا المحترمين، صحفيينا ونقادنا المحترمين!

ما الذي يمنع إنتاج خمسة أفلام سنوياً، تُعرَض عروضاً جماهيرية، ويختبرها النقدُ والتحليل، وتلتقي بمطالب الجمهور؟ وما الذي يمنع إنتاج أفلام قليلة الكلفة تُنتج كلها محلياً، بقصة وسيناريو وإخراج وكادر فني سوري، تحكي قصصاً عنا، نحن، ولا تكون فانتازيا أو اقتباسات أدبية أو سيراً ذاتية (مع قناعتنا بأن التي ذكرتها جميلة وضرورية)؟ هل من اللازم أن تكون أفلاماً ضخمة الإنتاج تحتاج إلى السفر إلى ما وراء المحيطات من أجل تصوير مشهد؟! ما الذي يمنع وجود هذا الاختراع المسمى سيناريست، يتعاون مع اختراع اسمه مخرج لينتجا فيلماً حقيقياً متحرراً من مصطلحات سينما تقدمية، مستقلة، حرة، وغيرها من المصطلحات التي بسبب التشبث بها، ربما، أقفلت الصالات؟ ما الذي يمنع تشجيع القطاع الخاص كي يُسهم في صناعةٍ سينمائية حقيقية؟ ما الذي يمنع إمتاع ثقافتنا السينمائية بأقلام حلوة، ناقدة، متنورة، بدلاً من المهاترات الشخصية؟ ما الذي يمنع أن يسود الحب بدلاً من الكراهية؟!!


[email protected]