2012/07/04

مهرجان دمشق والصراع بين المخرجين والمؤسسة   العامــة للســينما
مهرجان دمشق والصراع بين المخرجين والمؤسسة العامــة للســينما

  سامر محمد اسماعيل -السفير تعود الدورة السابعة عشرة لمهرجان دمشق السينمائي بعد ثلاثين عاماً على البيان الذي أصدرته لجنة المهرجان عام 1978 حيث جاء هذا النظام مفتوحاً في خطوطه العريضة لمزيد من التطور والاتساع ليكون مهرجاناً توأماً لمهرجان قرطاج السينمائي، إذ جاء بيان اللجنة تحت شعار «من أجل سينما متقدمة ومتحررة» شعار كان يبدو في السبعينيات ذا طموح نظري لا تعززه إلا الرغبة الحارة في صناعة سينما تقيس ذاتها بأحلامها، إذ لم يكن القياس مع معايير السينما العالمية وارداً، وحيث لم يكن هناك ما يمنع منذ اللحظة الأولى ولادة طفل سينمائي جميل كما يسميه «محمود عبد الواحد» في كتابه «مهرجان دمشق السينمائي..ألبوم وذكريات ـ منشورات وزارة الثقافة السورية 2005. لكن ما الذي حدث اليوم وما هي الأسباب التي تقف خلف مقاطعة السينمائيين السوريين للمهرجان وإبعادهم عن عجلة الإنتاج السينمائي الوطني؟ وما هي حقيقة الاتهامات التي وجهها المدير العام للمؤسسة في المؤتمر الصحافي الذي انعقد مؤخراً لإعلان الخارطة النهائية لمهرجان دمشق السينمائي السابع عشر؟ والذي ترافق مع توزيع بعض الشبان والشابات لنسخ من أفلامهم التي مُنعت من العرض في سوريا على الصحافيين الخارجين لتوّهم من مكان انعقاد المؤتمر في صالة سينما الكندي، يقول محمد الأحمد المدير العام للمؤسسة».. بأن المؤسسة العامة للسينما السورية لم تُبعد أحداً في تاريخها، بل السينمائيون هم من ابتعدوا، فالمخرج أسامة محمد حقق فيلمه (صندوق الدنيا) الذي أنتجته له المؤسسة وجال المهرجانات مسافراً مع فيلمه إلى كل أنحاء العالم؛ لكن عندما انتهت رحلة الفيلم قاطع أسامة المؤسسة من دون أن يبدي السبب إلى هذا اليوم، وأنا سمعت اليوم أنه يريد بناء علاقة جديدة مع المؤسسة كونه يملك فيلماً آخر ونحن نرحب به وبغيره، لكنني لن أكون صديقاً له بعد اليوم على الصعيد الشخصي، فنحن لا نقود الأمور بمشاعر شخصية بل بمشاعر احترافية، وهذه المؤسسة هي مؤسسة أسامة محمد ومحمد ملص وكل المخرجين الذين لهم موقف منها، لكن ليس ذنبي حين يريد محمد ملص أن يقدم سيناريو يسيء فيه لزوجته السابقة وتعترض فنقول له إن زوجتك السابقة اعترضت وإذا بقي السيناريو كما هو ستقاضينا، نرجو منك أن تعدل السيناريو، يدير ظهره ويقاطع ويقول أنا متبعد».
يصف المخرج محمد ملص القصة بأنها ليست قصة بناء ثقة، فالأمر ليس مطروحاً بهذا الشكل؛ في العمل السينمائي لا تحتاج الأمور لإعادة بناء الثقة على الصعيد الشخصي، بل هناك سؤال جوهري وأساسي: هل المشروع الذي يقترحه يستحق أم لا؟ والسينمائي هل هو قادر على تحقيق فيلم ذي أهمية على الصعيد الجمالي أو الثقافي والفكري أم لا؟ هذا هو المرجع الوحيد للأمر، ويشعر صاحب أحلام المدينة بالغثيان لتكرار هذه الكلمات الخاوية من المعنى والكاذبة التي تتشدق بقضايا بعيدة عن السينما وعن جوهر العلاقة مع المشروع السينمائي والنهوض بواقع السينما سواء ما يخص الفيلم أو الإنتاج السينمائي بشكل عام، يقول ملص :«إيانا أن نقع بما تريد هذه العقلية المخاتلة والرديئة وأن تقودنا إليه حول قضية الثقة، فالموضوع بيني وبين محمد الأحمد ليس موضوعاً شخصياً يتعلق بسيناريو، وهو عندما يتهم أسامة محمد أو عمر أميرلاي يريد أن يجرد الحالة السينمائية من جوهرها، ويردها إلى قضية شخصية ومزاجية قائلاً إنه لا يفهم ولا يعرف لماذا قاطع أسامة محمد المؤسسة، هذه كلها محاولات للقفز والاحتيال على الفكرة الجوهرية، فأنا حين أكون قادراً على صناعة السينما يصبح الفيلم السينمائي الخط الوحيد أمامي الذي أقاتل من أجله سواء كنت مخرجاً أو مؤلفاً أو مديراً لمؤسسة... هذا الموضوع هو المغيب في عقلية مدير المؤسسة العامة للسينما وهي عقلية لا تريد للسينما السورية أن تنهض وتتحقق».
السلطة لا تخاف من السينما...
يتساءل ملص أين هي السينما السورية اليوم ويشبّه قصته مع إدارة المؤسسة بحكاية الفيلم السينمائي الذي حققه عام 1974 بعنوان (الكل في مكانه وكل شيء على ما يرام سيدي الضابط) ويتساءل: «حيث أنه كل صباح يمر الضابط الصغير على الزنازين ويتفقد كل شيء ثم يقدم الصف لرئيسه ويخبره أن الكل في مكانه وكل شيء على ما يرام سيدي الضابط؛ هذه الحقيقة تدل على العقلية التي تسير الأمور في المؤسسة كما يشخصها صاحب فيلم الليل، فالضابط الصغير أشبه بأي مدير عام لمؤسسة السينما وليس عليه إلا أن يضرب أخماساً بأسداس ويجري الكثير من الاتصالات والسفر إلى المهرجانات الدولية ويجمع الأفلام بعجرها وبجرها ثم يأتي ليصدح بالأرقام الكبيرة ويعلن أن كل شيء على ما يرام سيدي الضابط. يقول ملص بأن هذه العقلية تتضخم يوماً بعد يوم جسديا وذهنياً سنة بعد أخرى، وهي تردد باستمرار موالها عن الحرفية والمهنية، وللأسف أن هؤلاء المدراء الذين حكموا المؤسسة مدة 35 عاماً هم عبارة عن ضباط صغار يرددون يومياً العبارة ذاتها لرئيسهم المباشر وكأن مهرجان السينما جردة حساب وتبييض وجوه وترديد شعارات في تجميل وجه الوضع وتجميل وضع الزنازين أمام الضابط الكبير».
يعزو ملص القصة بأنها «ليست خلافات مهنية أو شخصية كما يردد الأحمد في كل مناسبة عن حكاية الفيلم التي احتجت عليه زوجتي السابقة فعلاقتي مع أيٍ ممن كان مديراً عاماً للسينما لم تكن شخصية ولم تكن مهنية لأن المهنة عالم يجهلونه، وهم لا يملكون الضمير للاعتراف بهذا الجهل، القصة وما فيها أنه يجب أن يملكوا ضمير الموقع الذي يحتلونه والمسؤولية التي يتشدقون بها، فحين يأتي هذا المدير ويخرب السينما، عليه أن يعترف بذلك، نحن نحتاج إلى عقلية تعيد صياغة الوضع السينمائي وترتيبه من أجل المزيد من الإنتاج والحيوية والحضور السينمائي السوري وليس بكمية الكتب التي تأكلها الرطوبة في أقبية المؤسسة العامة أو بكمية الأفلام الكبيرة التي يعرضها مهرجان دمشق حيث لا يتاح للناس رؤيتها في سبعة أيام، لتنتهي جنازة مهرجان دمشق ويعود الناس إلى حياتهم اليومية الخاوية المعذبة التي تنضح بالفراغ والخواء».
هذا الجرد السينمائي يحيله ملص إلى «الأحمد» بأن «القصة ليست قصة فيلم أو فيلمين وإذا كان لها علاقة بالصالات فكل من يتجول في دمشق سيعرف جيداً الوضع المتردي لصالات العرض في هذه المدينة».
السلطة لا تخاف من السينما يقول صاحب فيلم المنام « الخوف عند المخاتل الوحيد وهو مدير عام السينما الذي يخشى على كرسيه ويعتقد من خلال العقلية التي يحكم بها المؤسسة أن ذلك هو الطريق الذي يحميه على مدى السنوات ببعثرة وتمزيق الحالة السينمائية السورية وتحويلها إلى أشلاء»، ويفترض ملص أنه لو اجتمع السينمائيون السوريون تحت إدارة مختلفة تريد النهوض بالسينما وقدمت مشروعاً لإعادة صياغة المؤسسة وتقدمت به بإلحاح وقناعة من الإدارات العليا في الدولة وليس على مستوى وزارة الثقافة لتمكنوا من صياغة وضع سينمائي جديد، مبرراً عدم القدرة على تحقيق ذلك بأن «الإدارة حالياً تكره السينما وكفى كذباً وادعاءً بأن كل الأمور على ما يرام وكفى لهذا الضابط الصغير الذي يردد كل صباح أن كل شيء في مكانه».
يرد ملص على الدعوة التي وجهها المدير العام للمؤسسة له بأنه اليوم غير معنيّ بهذه الدعوة لأنها دعوة للدخول في النفق المظلم ذاته، «فأنا لم أخسر سوى عمري لكن السينما هي التي خسرتني، ولا أعرف اليوم إن كان من أحد يصدق ما يقوله المدير العام، أنا أقترح أن نجري استفتاء على طريقة برنامج الاتجاه المعاكس وسيكون السؤال هل تصدق المدير العام للسينما أم لا تصدقه؟ ومع ذلك كله أتمنى أن تشارك المؤسسة في إنتاج أفلامي وإن لم أستطع تحقيق ذلك سأقوم بتحقيق أفلامي، لوحدي مع أصدقائي أو الجهات الخارجية التي حققت معهم فيلم «باب المقام».
تحايل على القوانين وشراء للضمائر
سنوات طويلة مرت على مشاركته بفيلم «عن ثورة» الذي حققه باسم اليمن بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة اليمنية، وبتمويل من الحزب الشيوعي اللبناني قدمه في الدورة الأولى لمهرجان دمشق السينمائي، ونال عنه جائزة السيف الذهبي للأفلام التسجيلية القصيرة في المهرجان ذاته. يسجل «الأحمد» اعتراضه على المخرج عمر أميرالاي وعن أزمة ثقة أخرى مع صاحب فيلم «الدجاج» فيقول الأحمد:« أميرالاي ليس ابن المؤسسة ولم تنتج له المؤسسة إلا عام 1974 وهو أراد أن يقدم لنا فيلماً عن الآثار فكان فيلماً بعنوان «الطوفان في بلاد البعث»، أراد أن ينتج فيلماً غير الذي قدمه لنا فحقيقة الثقة بيننا غير متوافرة ولا أثق بأي مشروع يقدمه أميرالاي، فالتجربة هي عنوان الثقة، وعندما يأتينا عبد اللطيف عبد الحميد نقر على بياض أما أميرالاي، أقولها بملء الفم، فلن أتعامل معه. فهناك تجربة وهناك مؤسسة أنا مؤتمن عليها وهناك أعراف علي أن أضعها أمامي حين أعمل».
علاقة الخصومة هذه بين أميرالاي والمؤسسة كهيئة رسمية بدأت منذ منتصف السبعينيات وليس من جديد على هذا الصعيد، فكان يقترب منها كلما اقترب من تحقيق أفلامه السينمائية ويبتعد بقدر ما تتنكر له هذه المؤسسة ولمهمتها التي وجدت من أجلها. يسرد قصة المخرجين السوريين منذ البداية فهم كسينمائيين كانوا يتجنبون أن يمسك بالسينما السورية فرد من الأفراد، لذلك كان أميرالاي برفقة زملائه رغم اختلاف رؤيتهم السينمائية؛ يجتمعون على محبتهم وحرصهم أن ينشأ في سوريا سينما تحترم نفسها، وقادرة على مواكبة تحول وتطور الوعي في المجتمع السوري، وبقدر الإمكان أن تكون هذه السينما عيناً على مشاكل على هذا المجتمع وتحولاته، لذلك واجه هؤلاء السينمائيون أثناء مواكبتهم لسينما القطاع العام ممثلاً في المؤسسة أشكالاً من التقارب والتنافر، ففي فترة السبعينيات كان التنافر له وجه واضح مبني على التناقض في الرؤية السياسية حيث أرادت الدولة أن تستعيد مؤسسة السينما التي كانت تعتبرها منفلتة عن هيمنتها كقطاع عام وأيديولوجيا حزب حاكم.
يتذكر أميرالاي تلك السنوات: «عام 1974 وضعت الدولة أحمد قرنة مديراً عاماً للمؤسسة وقد سعى لترويض المؤسسة أيديولوجياً مدخلاً إياها في قفص الولاء، وطبعاً نجح بأن يبعدنا عن المؤسسة وصنع سلسلة من الأفلام التي لا تُذكر في تاريخ السينما السورية وامتدت هذه المرحلة حتى بداية الثمانينيات، ومع أنها كانت الأكثر غزارة إلا أنها كانت الأكثر ولاءً، أما بالنسبة للتنافر المعاصر مع المؤسسة فكان على قاعدة مختلفة لها علاقة بالسينما، لكن للأسف لها علاقة بالأخلاق، ووقتها ومع وصول الإدارة الحالية لهذه المؤسسة كان الفساد خفوراً ولا يذكر، وكان على شكل تحايل على القوانين الجائرة لوزارة المالية أكثر منه شراءً للضمائر ونفوس السينمائيين كما يحدث اليوم، لكن في الفترة الحالية بات هذا الفساد يشكل السبب الرئيسي في القطيعة مع السينمائيين، لأن هذا الفساد أصبح وقحاً ولم يظل هذا الفساد مالياً بل أصبح فنياً أيضاً بسبب تسرب عصبية ما وهي خطيرة وليس لها سابق في تاريخ المؤسسة، عصبية على أكثر من مستوى وبالتالي من الطبيعي جداً أن يتم استثناء سينمائيين آخرين لم ينضموا إلى هذه العصبية لأنهم لا ينتمون إلى منطقها».
هذا الانحراف الخطير لمؤسسة رسمية كما يوصفه أميرالاي «غيّر من طبيعة المؤسسة التي كان عليها أن تحتضن جميع السينمائيين وأن تكون حريصة ألا تستثني أحداً لأي سبب كان، لأنها يجب أن تكون مؤسسة وطنية تمثل الجميع، إضافة إلى انحطاط عام في المعايير والقيم عوّم منطق الاستزلام والتزلف لدرجة أصبح من المعيب استمرار هذه السياسة في المؤسسة وآخر ما عرفته عن هذه الممارسات هو إرسال موظفين إداريين في المؤسسة ليكونوا أعضاء لجان تحكيم في مهرجانات دولية. وأحياناً تبعث المؤسسة بعارضي أفلام وموظفين من الدرجة الثانية والثالثة لتمثيل السينما السورية في الخارج، وهذا يعبر عن حالة من الفساد المنظم لشخصية السينما السورية في غياب ممثليها الحقيقيين.
أما ما يختص بالمهرجانات التي تقيمها المؤسسة فيصنفها أميرالاي: «بالأمر غير الجديد في شراء البكارة السياسية لدى القائمين على مؤسسة السينما، وهذا ليس في مؤسسة السينما لوحده وإنما في بقية المؤسسات العامة التي تقيم الندوات والاحتفالات والتظاهرات من أجل إيصال رسالة أساسية هي تجديد الولاء وكسب رضى السلطة، وتذكير السلطة بوجودهم كمسؤولين على رأس مؤسسات الدولة. وأكثر ما يهم هؤلاء هو تطيير برقية الافتتاح والختام ويا ليتها تذهب باسم هذا أو ذاك وإنما باسم المهرجان وتفرض على ضيوفه الذين لا حول لهم ولا قوة، والأنكى من ذلك تطير هذه البرقيات باسم السينمائيين والسينما السورية وهذا الفعل الممقوت لا يمثل لا السينما ولا السينمائيين السوريين، فالسينما في سوريا درجت ألا تقدم الولاء لأحد وإنما للسينما كفن، ومع الوقت تطور هذا الشكل من أشكال تقديم الولاء من البرقيات والتصريحات البلاغية إلى ما يشبه البغاء الفني الذي يستقطب ضيوفاً لا علاقة لهم بالسينما وإنما من أجل نفوس اليعاقبة التي تدير هذه المهرجانات، ووصل الأمر بدعوة ممثلة بورنو من فرنسا في الدورة الماضية للمهرجان»...
يرفض عمر أميرالاي التماهي مع مهرجان دمشق مستذكراً الدعوة اليتيمة التي ُقدمت له في التسعينيات «وجهها لي مدير عام سينما سابق هو مروان حداد عندما طلب منا المؤازرة في أحد المهرجانات وأراد وقتها أن يغير من الوضع السائد. لبيت دعوته وقتذاك من أجل السينما، وانتهت هذه المشاركة بتخويننا من قبل الصحافة السورية وخصوم السينما، وذلك لأننا دعونا وقتذاك السينمائي التونسي نوري بوزيد ليشارك بفيلم يتضمن شخصية يهودي تونسي فكانت التهمة هي محاباة الصهيونية مما جعلنا نصدر بياناً كسينمائيين عام 1992 نستنكر فيه منع هذه الأفلام التونسية في سوريا. وتم انسحابنا من المهرجان وانسحب معنا مجموعة من السينمائيين العرب، وهكذا انتهت هذه المشاركة اليتيمة في مهرجان دمشق. أجل انتهت كما يجب أن تنتهي بفضيحة، وذلك لأنه لا يمكن أن تقدم شيئاً شريفاً للسينما في سوريا من دون أن تصطدم بالسلطات الرسمية فنياً أو سياسياً أو حتى أخلاقياً. لذلك ابتعدت عن شر المهرجانات ولم أغنِّ لها بل ندبتها».
وعن موقفه تجاه ما يجري يقول أميرالاي إن تقصيرنا مخجل تجاه المواقف بشكل عام، لكن هذا يعبر بالدرجة الأولى عن نظرة السلطة إلى الثقافة باحتقارها عبر تعيين مسؤولين على هذا المستوى من الاحتقار، ففي بلد مثل سوريا يتمتع فيه المثقفون بصحة ذهنية ووجدانية ونضالية من المفروض ألا يقبلوا بوضع كهذا وأن يسجلوا موقفاً، وأنا أدعو أن يقوم المثقفون السوريون وكل من يعلن نفسه كمثقف بتحرير وإصدار بيان يستنكرون فيه هذه المعاملة المهينة للثقافة والمثقفين، فإذا كانت هذه الثقافة تحترم الثقافة والمثقفين يجب أن يكون لديها الجرأة أن تخلص الثقافة من هؤلاء، ولكن غالباً ما يكون الشخص الذي يعيّن مسؤولاً عن الثقافة في سوريا مكافأة لمسيرة من الفساد والموالاة الكاذبة والتزلف للسلطة، لذلك لا يختلف مساره عن مسار الآخرين. والقصة لن تُحل إلا برحيل يهوذا السينما السورية وأن يكون مهرجان دمشق الحالي هو العشاء الأخير له».
المالح وديون مؤسسة السينما
الأحمد يسرد أيضاً قصة نبيل المالح وديون بذمته للمؤسسة وصلت إلى 55 ألف دولار أميركي لقاء توزيعه أفلام للمؤسسة في محطات فضائية: «المالح حزين لأننا طالبناه بأموال المؤسسة، قلنا له نريد المال لأنه مالٌ عام ليس من حقك، وعندما رفعنا عليه دعوى ألزمته المحكمة بدفع ذاك المبلغ، وحين سدد المبلغ بدأ بمهاجمتنا. الخلافات شخصية ضيقة لكن أنا اليوم إن جاء وقدم مشروعاً على اللجنة الفكرية سيحصل على الموافقة وسننتجه له بكل احترام فالخلاف ليس احترافياً وإنما ينبع من مشاعر ضيقة. خلافاتنا ليس شخصية مع هؤلاء المخرجين وأنا أتحداهم في أي مناظرة عامة أن يقولوا ما عندهم وأنا سأقول ما عندي».
المالح الذي استذكر علاقته مع الأحمد في ممرات التلفزيون السوري ورئاسة هذا الأخير لقسم الدراسات في المؤسسة قال :«أنا أشعر بالأسف للجهة التي عينت محمد الأحمد كمدير عام للسينما لأنها تحملت فيما بعد لعنات السينمائيين السوريين على مدى العشر سنوات الأخيرة. لذلك بُني عقل المؤسسة بهذا المنطق «معنا أو ضدنا» وتم تصنيف الأشخاص بعصر بائد وعصر جديد، على ذلك كان الأحمد يعتمد في علاقته مع السينمائيين. ما لاحظته أن العشر سنوات الأخيرة من عمر المؤسسة لم تحمل أي احترام للسينمائيين أو للمنجز السينمائي السوري. هناك رغبة في عدم معرفة مداميك السينما السورية التي لم تختلف كثيراً على مدى ثلاثين عاماً. صحيح أنه أُضيف لها القليل من الأسماء لكن السينما السورية هي ذلك الإرث الذي كون الواجهة السورية بامتياز، أما مسألة الديون التي يتحدث عنها مدير عام المؤسسة فهذا الشيء موجود في كل أنحاء العالم، وهذا يتعلق في النهاية باتفاق أو اختلاف على عقد مع هذه المؤسسة. أنا لم أنكر مع أن قرار المحكمة كان مجحفاً، لكن ما هو أهم أنه لا يوجد دولة في العالم تحاول أن تنال من سمعة فنانيها الذين عملوا على مدى أربعين عاماً لصنع سمعة طيبة على مستوى العالم. وللأسف من دمر هذه السمعة ليس الإسرائيلي وليس الأعداء المذهبيون أو المحافظون الدينيون، بل من أساء لهذه السمعة هو المدير العام للمؤسسة، وهذا ما جرى معنا كلنا كسينمائيين».
ويفسر المالح ذلك بضيق أفق المدير العام واصفاً إياه بأنه «شخص كان ولا يزال بلا تاريخ، وإن استطاع أن يحمل تاريخاً اليوم، فهو تدمير الحالة السينمائية السورية وتدمير علاقة السينمائيين بمؤسستهم وبالتاريخ الفني الذي صنعوه، لبنة فوق لبنة، بشروط استثنائية في صعوبتها وتعقيدها بعد معارك خاضها هؤلاء مع كل الطارئين الذين نزلوا بالمظلة على الواقع السينمائي السوري».
ما يحزن صاحب «ع الشام ع الشام» أن سوريا لا يجوز لها أن تهدم بأي شكل من الأشكال هذه الطاقات في حين أن العالم كله يستقطب الفنانين من أي مكان في العالم، ويقول: «للأسف أننا نستقبل في الخارج كفاتحين في حين يساء لنا في الداخل، وهذه الإساءات لم توجه لنا فقط بل إلى الثقافة السورية. الفيلم السينمائي السوري له حضوره الثقافي الاستثنائي خارج البلاد، وعلى الرغم من ذلك قوبل بمهانة داخلية أحمّل مسؤوليتها لوزارة الثقافة التي سمحت باستمرار هذه الحالة في مؤسسة السينما، ومديرها الذي عطل طاقات إبداعية هائلة على مدى عشر سنوات. الغريب في الأمر أن الأمور تم تحويلها إلى أيدي موظفين ثانويين في المؤسسة، وهذا ما يحدث الآن بتزوير مستمر لما يجري وتحميلها لأشخاص آخرين ليسوا في موقع القرار، هذا ليس خافياً على أحد، فرائحة المؤسسة تزكم الأنفاس، طبعاً هذه الحالة لن تستمر لكن الجريمة التي ارتكبت بحق السينما لا يمكن غفرانها. يمكنني أن أسمح بهذا التخريب المنهجي والمنظم، وللأسف أن الجهة التي عينت محمد الأحمد، وأمنته على المؤسسة تتحمل اليوم تبعات وغضب أناس لم يخطئوا في شيء سوى أنهم كانوا مخلصين للحالة الثقافية الوطنية بامتياز».
ويبرر المالح القضية التي رفعت بحقه أن «حكاية العقد الذي أبرمته مع المؤسسة بتوزيع الأفلام السينمائية كان لمدة خمس سنوات، في حين كنت أعتقد أنه لمدة ثلاث سنوات، وهذا لم يشكل فارقاً لي ورغم ذلك دفعت ما استحق علي، وكسبت المؤسسة توزيع أفلامها لأول مرة في التاريخ بشكل جيد منذ قيام المؤسسة العامة للسينما. الأفضل أن يسكت محمد الأحمد لأنني لا أريد أن أدخل في مسألة الغش. المُلح اليوم هو إيقاف هذه المهزلة التي تسمى مؤسسة السينما وتحويلها إلى منظومة إنتاج مختلفة بإقامة صندوق وطني للسينما في سوريا وإعادة الاعتبار للسينما السورية كقيمة ثقافية وحضارية وسحب ورقة الاعتماد للأحمد التي تخالف مبدأ الإبداع الثقافي، وبالتالي تحويل مؤسسة السينما إلى شركة خدمات بما تضمه من معدات وتقنيات يمكن توفيرها للصندوق الوطني السينمائي. والأهم من ذلك هو إعادة الاحترام للسينمائيين السوريين أصحاب الرؤية الحقيقية لهذا الفن وليس للبيروقراطيين المعطلين بذوقهم السينمائي المتخلف، وأن ينتهي حكم المكاتب والمصالح المادية. من المعروف أن الرقابة والتفتيش أنجزت مهمتها في المؤسسة وما أرجوه ألا تحال المسؤولية على ضحايا صغار ولو كانوا شركاء، وأن توجه أصابع الاتهام إلى صاحب العلاقة».
المؤسسة العامة للسينما كانت منذ البدء منظومة وطنية وأهم حدث ثقافي في الوطن العربي. لكن ما يجب أن يعترف به الجميع برأي المالح أن المؤسسة لم تصنع سينمائيين بل على العكس. هو يطالب كذلك بأن يذهب تمويل هذه المؤسسة المُستَغل اليوم لاستقبال الضيوف وإقامة المهرجانات وسفر المسؤولين إلى إنتاج الفيلم السوري. المعيب أن نذهب نحو الأشياء الشخصية التي تنقص من قيمتنا كمثقفين وكسوريين عندما يصبح الفنان والمبدع هدفاً للتشهير.
كما يطالب صاحب فيلم «الكريستال المقدس» الرقابة والتفتيش بأن تبحث في الأسماء التي ترشحها المؤسسة للسفر إلى مهرجانات دولية على حساب المال العام، فهي إضافة، إلى كونها لا تستحق فيها، مسيئة لسمعتنا الثقافية عندما يرشح موظف صغير ليس له علاقة بالسينما لا من بعيد أو قريب لتمثيل سوريا سينمائياً، وأنا أشكك إذا كان المدير العام للسينما قد شاهد الأفلام السورية أو يعرف شيئاً عن هذه الأفلام وأنا أتحداه».
نجوم سينما وسيّاح
تاريخ السينما السورية مليء بالجوائز العالمية، إلا أن هذه السينما بقيت سينما مخرجين. لكنها ظلت سينما التنوع والغنى والاستثنائية لتعدد المدارس التي يشتغل ضمنها هؤلاء المخرجون واختلاف رؤاهم السينمائية. يقول المالح: «لا يستطيع أحد أن يضعني مع زملائي السينمائيين الذين يقفون ضد المد الذي مارسته المؤسسة على مدى 10 سنوات، وكل من حاول ذلك أصبح اليوم في مزبلة التاريخ وعلى رأسهم عبد الحليم خدام الذي وقف في وجه السينما التي نقدمها، والذي ندفع اليوم ثمن جرائمه. لسوء الحظ كان هذا مكلفاً بالنسبة لنا كفنانين، وللأسف أن محمد الأحمد لا يقول حقائق، وكل ما يستشهد به من أقوال للذين يأتون إلى مهرجان دمشق مثل كاترين دونوف وغيرها يعتبره المالح عيباً، «فأنا» كسوري لست في انتظار أن يشهد لي أحد، وأنا ضد تلك البروباغاندا التي تأخذ نجوم السينما العالمية كسيّاح أجانب، لا يهمني من يقولون كم هذا البلد جميل ومتقدم لأننا كسوريين لسنا بحاجة لتقييم من أحد، الإعجاب شيء وأن ندعو شخصاً إلى مهرجان ليمدحني شيء آخر، فتسييح الثقافة ينتقص من قيمتنا كمثقفين. ما نجح فيه الأحمد حتى اليوم هو تحويل الفيلم السينمائي من حالة إبداعية إلى حالة هلامية وكل ما أنتجه هو سهرات تلفزيونية مصورة بطرق وأدوات سينمائية وليس بلغة سينمائية. فمسلسل بقعة ضوء فيه محاولات سينمائية أكثر بكثير مما أنتجته المؤسسة في العشر سنوات الأخيرة».
يا صديقي الحبيب سأطلق عليك النار
يذكر المالح أنه حاول تقديم ثلاثة سيناريوهات للمؤسسة هي «حروب الزهرة»، «الوشم السابع» و«الشلال» تم رفضها، مع أن حروب الزهرة ينتج اليوم من قبل ثلاث دول أوروبية والشلال انتقي من ضمن 2000 سيناريو وبقي مع عشرين سيناريو أخرى من جميع أنحاء العالم تم ترشيحه في مهرجان السينما آرت في نوتردام. كذلك الحال مع الفنان بسام كوسا الذي تقدم بسيناريو فيلم قصير بعد تجربتين مع المؤسسة في «سهرة مهذبة» و«دواليك»، لكن الأحمد يقول:«إن اللجنة الفكرية لم تفهم السيناريو الذي قدمه كوسا، وعندما حاولت اللجنة مناقشته في الأمر أدار ظهره للمؤسسة عندما طلبت اللجنة مناقشته في السيناريو». كوسا يصف موضوع مؤسسة السينما برمته بأنه «أصبح يدعو للملل والسخف، فالمشكلة ليست أن أعمل فيلما قصيراً أو طويلاً حسب زعم الأحمد لكن هذا الموظف المسكين يقزّم الموضوع دافعاً الأمور باتجاه الشخصنة التي يعتمد عليها في مجمل تفاصيل حياته المهنية، واللافت للنظر على ـ حد تعبير كوسا ـ هو هذا العطاء العظيم الذي يقدمه للوطن (ولم نكن منتبهين) ولذلك يتساءل بطل فيلم الكومبارس: ماذا كنا سنفعل وكيف سيؤول حالنا لولا وجود هذا الكاهن في حياتنا الثقافية والسياحية والأخلاقية والسياسية وأخيراً السينمائية؟ ويطالب كوسا جميع المثقفين والفنانين من سينمائيين وتشكيليين وروائيين وشعراء أن يخرجوا جميعاً بمظاهرة في شوارع دمشق يطالبون من خلالها المعنيين أن يسندوا لهذا المدير الاستثنائي إضافة لمهامه المتعددة مهمة إدارة الإذاعة والتلفزيون «رغم كل ما يقال عن عمل لجان الرقابة والتفتيش في مؤسسته النزيهة فالإقطاع الثقافي الذي يمثله الأحمد ـ كما يصفه كوسا ـ حوّل المؤسسة إلى مزرعة شخصية بعد أن ردد باستمرار ذرائع شخصية عن زوجة المخرج محمد ملص وديون نبيل المالح ليدافع عن نفسه بأسلوب الكاهن الذي يمارسه باستمرار على نحو (بكل محبة يا صديقي الحبيب سأطلق عليك النار...) لذلك هو يردد دائماً أن خلافي معه هو بسبب سيناريو الفيلم القصير الذي قدمته للمؤسسة وهذا غير مقبول لأنني أستطيع أن أنتج هذا الفيلم بمفردي ولديّ جهات كثيرة ترغب في تمويله، فأنا مللت من الفرص والشغل لكن ما أريده ألا تطوى ملفات الرقابة والتفتيش كما يحدث دائماً بقوى إلهية غامضة. لأن ذلك يدفع إلى الجلطة، أنا أتحدث هنا عن هيكلية مؤسسة وبناء وهو يحكي في الشخصي فعلاً هذا سخيف للغاية».
(دمشق)