2012/07/04

نشرات الأخبار رفيقة الأحداث
نشرات الأخبار رفيقة الأحداث


مصطفى عبدالرحيم – دار الخليج

لم يعد المواطن العربي يقبل بمذيع يجلس أمام الكاميرات يقرأً ما استحدث من أخبار يمكنه الحصول عليها بكبسة زر عبر نقاله المتصل بالإنترنت . لكنه أصبح تواقاً لمعرفة تفاصيل ما وراء الخبر، والتطورات التي تحدث على الأرض في موقع الحدث، إضافة إلى نهمه لمتابعة التحليلات والآراء التي تقرأ له ما بين السطور، وتكمل الجزء الخفي من الصورة . هذا ما فعلته أغلب القنوات الفضائية عبر التقارير الإخبارية المصورة، التي تنقلها شبكة مراسليها المنتشرة حول العالم من موقع الحدث . ورغم التطور الحاصل في أغلب قطاعات الأخبار في القنوات العربية، إلا أن المشاهد العربي مازال ينتظر الكثير من النشرة الإخبارية حتى يراها بالقوة والحرفية التي تضاهي  الشاشات العالمية فما الذي ينقص نشرة الأخبار العربية كي تصبح أكثر “حيوية؟ وما الفرق بين شكلها الحالي وما كانت عليه سابقاً؟ هذا ما يجيب عنه مذيعو أخبار من قنوات مختلفة في هذا التحقيق .

يقول أيمن إبراهيم، مذيع بمركز الأخبار التابع لمؤسسة دبي للإعلام، إنه مع تسارع الأحداث وكثرتها وتناقضها في بعض الأحيان بين القنوات الإخبارية، تشكل لدى المشاهد العربي نوع من الوعي في انتقاء الأخبار، ومعرفة درجة مصداقيتها، وأصبح لديه قدرة على التحرك بين الفضائيات للحصول على الخبر الذي يبحث عنه .

ويضيف: لم تعد نشرات الأخبار مبنية على الخطابة ورص المعلومات، بقدر ما أصبحت تعتمد على حرفية المذيع ودرجة إقناعه للمشاهد بما يقول، علماً أن الشفافية في تقديم المادة الإخبارية من أهم العناصر التي أصبحت تقنع المشاهد، وتجعله يثق في القناة وما تبث من أخبار .

ويشير إبراهيم إلى التطور الحاصل في التقنيات، الذي مكّن الفضائيات من نقل المشاهد إلى موقع الحدث، من خلال شبكة مراسلي القنوات في جميع أنحاء العالم .

وحول التعامل مع المراسل لتبيان الصورة للمشاهد يقول: يحدث بين المذيع والمراسل على الهواء نوع من التعاون، الذي يفضي في النهاية إلى الإجابة على أهم الأسئلة التي توضح الموقف الحقيقي، لاسيما في حال وجود حدث كبير يكون المشاهد بحاجة إلى معرفة أدق التفاصيل التي قد لا يغطيها الخبر في حينه .

“المشاهد العربي مل من تكرار الصور” بهذه الكلمات بدأ فيصل سي صابر، مذيع أخبار بقناة دبي، تعليقه على ما تقدمه القنوات الإخبارية من نشرات وتغطيات مباشرة من قلب الحدث . حيث يرى أن أغلبية القنوات العربية تعاني من غياب “لفن” صناعة الخبر، وتقديمه بحرفية للمشاهد على غرار القنوات الأجنبية .

ويعتبر أن ما تتداوله الفضائيات الإخبارية من صور مستهلكة مل منها المشاهد، وبإمكانه الوصول إليها عبر الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي .

ويتساءل سي صابر عن القنوات التي تضع الكاميرا طيلة اليوم في أحد الميادين وكلمة “مباشر” أعلى الشاشة، وتستقبل مداخلات من الناس والخبراء . فهل هذا هو المعنى الحقيقي للتغطية المباشرة؟

ويشير إلى أن أغلبية التقارير الإخبارية التي يبثها المراسلون من موقع الحدث، تعتمد بالدرجة الأولى على حرفية المراسل في توصيل المضمون الإعلامي المكثف، والمختلف، عما تبثه القنوات الأخرى في الصورة والمحتوى . إلا أن ما يحدث على القنوات الإخبارية العربية هو عكس ذلك، حيث نجد المراسل يظهر على الشاشة لمدة تزيد عن النصف ساعة، ويكرر الكلام ويجيب على أسئلة واستفسارات معروفة ومعلنة من قبل، وقد تكون موجودة في شريط الأخبار أسفل الشاشة، أما المراسل في القنوات الإخبارية الأجنبية، فلا تزيد مدة ظهوره على الشاشة عن 40 ثانية، يقول خلالها ما تعجز مئات القنوات العربية عن ذكره أو حتى الوصول إليه .

تشير عايدة طاهر، مذيعة أخبار بتلفزيون “الشارقة”، إلى التطور الكبير الذي حدث في شكل ومضمون النشرات الإخبارية خلال الخمس سنوات الماضية . فبعد أن كانت قاصرة على المذيع وأدواته، ودرجة إقناعه للناس بالمادة الإخبارية، أصبح هناك للكثير من القنوات شبكة مراسلين ينقلون الحدث مباشرة من المناطق “الساخنة”، إضافة إلى التقارير المصورة التي توضح تطورات الحدث وتضيف: بعد أن كنا نشاهد المذيع جالساً، أصبحنا نراه واقفاً وأكثر تفاعلاً مع الخبر .

وتوضح طاهر أهمية التلفزيون كوسيلة إعلامية أولى، يستقي منها الناس الأخبار بطريقة سهلة وممتعة، ورغم توافر الكثير من الوسائل التكنولوجية التي تمد المشاهد بالمعلومات، من منتديات وشبكات اجتماعية، إلا أن تضارب الأخبار وتواترها وسرعتها، يعطي لشاشة التلفزيون مصداقية كبيرة لأن حجم المسؤولية والتدقيق في نوعية الخبر ومصدره في القنوات يكون أكبر من مواقع الإنترنت .

وعن الشكل التفاعلي للنشرة حالياً تقول: أعتقد أن الكثير من القنوات العربية الرسمية، تعمل وفق التطور الحاصل في الاتصالات، سواء عبر الهاتف أو الأقمار الصناعية للخروج من أجواء الاستوديوهات التي ألفها المشاهد، إضافة إلى الحرفية التي أصبح يتمتع بها مذيع النشرة، لاسيما في التعامل مع شبكة المراسلين على الهواء، والذي يتطلب من المذيع درجة عالية من الوعي بموضوع المداخلة والتدخل في الوقت المناسب للاستفسار عن بعض الأمور، التي لم تشملها الأسئلة المعدة سلفاً من قبل معدي النشرة .

تقول عائشة العوضي، مذيعة أخبار بتلفزيون “أبوظبي”، إنه مع التطور الحاصل في وسائل الإعلام وزيادة عدد الفضائيات، وارتباطها بوسائل الاتصال تشكل لدى المشاهد العربي نوع من الوعي الإعلامي، وبغض النظر عن درجة ثقافته . أصبح بإمكانه المقارنة بين الخيارات المختلفة التي تعطيها له كل قناة، ويميز بنفسه بين مستوى المصداقية وتوجه كل قناة .

ورغم التطور الكبير الذي شهده قطاع الأخبار في القنوات الرسمية، إلا أن المواطن العربي مازال يطلب المزيد من التفاعل معه . فبعد أن كان غير مستوعبٍ لخروج الكاميرا إلى الشارع والحديث مع المختصين عبر الهواء، أصبح متلهفاً لمعرفة المزيد من المعلومات والتحليلات لما وراء الخبر .

وفي تعليقها على مهنية بعض القنوات ونقلها المباشر لصور من الشارع، تقول عائشة: مع تسارع الأحداث وكثرتها، تتنافس الكثير من القنوات الإخبارية في الحصول على السبق، مما يجعلها تفعل أي شيء للحصول عليه، ومن تلك القنوات من تسلط الكاميرا على مجموعة من الناس في إحدى العواصم العربية، من دون احترام لعقل المشاهد الذي أصبح على درجة من الوعي والثقافة تجعله يحكم على ما يراه من صور ما إذا كان حديثاً أم قديماً .

يرى محمد السويدي، مذيع أخبار بتلفزيون “الشارقة”، أن هناك فرقاً كبيراً بين نشرة الأخبار قديماً وما يقدم للناس حالياً، وأن الكثير من التطورات حصلت وكأنها حلم ويضيف: على سبيل المثال لم يكن مقبولاً أن يحرك المذيع يديه أو يهز رأسه أو يبتسم مع الخبر الطريف، لكن الآن أصبح  متفاعلاً مع الناس وما يقوله من أخبار بل من غير المقبول أن يظل مقدم النشرة جامداً، لا يعبر بالوجه ولا بنبرة الصوت عن قراءة الخبر أو التقارير .

كما يشير السويدي إلى التطور الذي حدث في تحرير نشرة الأخبار، بعد أن كانت تعتمد في أغلب الأوقات على طريقة الهرم المقلوب، وتعطي المعلومة في السطور الأولى من الخبر، أصبحت الأخبار تبنى على طريقة الهرم المعتدل، ويتاح للمذيع فرصة لتشويق المشاهد، ومتابعة الخبر حتى نهايته .

وينوه السويدي إلى غياب “الربط التكنولوجي” في بعض القنوات، وإتاحة الفرصة أمام المشاهدين للتفاعل ومتابعة نشرات الأخبار عبر الإنترنت، وهي خطوة سبقتنا إليها قنوات عالمية، وأخذت بها بعض القنوات العربية حيث يمكن للمشاهدين في أي مكان متابعة الأخبار من خلال شبكة الإنترنت، والتعليق على ما يرونه مهماً .

توضح نازك الشمري، مذيعة أخبار بتلفزيون “الشارقة”، أنه مع التنافس الكبير بين القنوات الفضائية في مجال صناعة وتقديم الخبر، أصبح لزاماً على القنوات خاصة الإخبارية المتخصصة، أن تطور نفسها وتجدد دماءها من حين إلى آخر، سواء كان هذا التطوير في الشكل أو المضمون، وهو ما يعتمد على الإمكانيات المتاحة للقناة، لترسل شبكة مراسلين إلى المناطق الملتهبة من العالم . وهو ما يحفظ للقناة مكانتها، إن أرادت الحفاظ على مشاهديها

وعن رأيها في منافسة الإنترنت لنشرات الأخبار، خاصة أنها متاحة للجميع، وبعض المواقع يعرض أحدث الأخبار لحظة بلحظة، تقول: لاشك أن مواقع الإنترنت مهمة في الحصول على الأخبار، لكنها في النهاية أقرب إلى حد كبير لقراءة الصحف، بينما نشرة الأخبار تحظى بحميمية وعشق لدى الكثير من المشاهدين . خاصة في ظل الأحداث التي يمر بها العالم العربي في الفترة الأخيرة . فهم ما زالوا حريصين على أن يجلسوا أمام التلفاز في ساعة معينة لمتابعة آخر المستجدات .

وحول التقارير التي يقدمها المراسلون تقول نازك: يلعب المراسل دوراً كبيراً في صناعة التقارير التي تبث من موقع الحدث، ويعتبر من أهم عناصر نشرة الأخبار حالياً، لما يتحمله من المخاطر للحصول على المعلومة، لكن هناك فارق بين مراسلين لديهم اللباقة والخبرة في الحصول على الخبر، وفي التعامل مع الكاميرا، وبين من يحتاجون إلى تدريب جيد وصقل لمهاراتهم، حيث يسهب بعضهم في الكلام من موقع الحدث من دون إيصال معلومة مفيدة للمشاهدين . وللأسف هناك قنوات تفرد لهم المساحة، وتعاود الاتصال بهم طيلة اليوم، ليقدموا نفس الكلام الذي قد يتابعه المشاهد على قنوات أخرى .