2013/05/29

نصـري شمـس الديـن.. لـم يتـرك الطربـوش وحيـداً
نصـري شمـس الديـن.. لـم يتـرك الطربـوش وحيـداً


امين حمادة – السفير


في مثل هذا اليوم منذ ثلاثين عاماً، اخترقت سيارة أجرة سورية عتمة قرية جون الجنوبية، حاملةً على سطحها تابوتاً خشبياً. «معي جثمان نصري شمس الدين»، قال السائق الغريب لأهل كل دار طرق بابه تحت المطر. بنبرة حزينة يروي مصطفى نجل الفنان الراحل، قصة وفاة أبيه «المأساوية» لـ «السفير» قائلاً إنّ «العائلة لا تقبل أي عذر يبرّر ما حصل مع نصري بعد وفاته». ويشرح كيف «أن يومين من الاتصالات وبقاء الراحل في برادات مستشفيات الشام، لم ينجحا بتأمين ولو سيارة صليب احمر لنقل الجثمان، عداك عن وداع رسمي يليق به».. توفي شمس الدين على خشبة المسرح في دمشق، حيث قدّم آخر حفلاته في العام 1983.

يردِّد الابن شكوى أبيه، أثناء حياته، من «التقصير الإعلامي» الذي لحق به حياً وميتاً، مشيراً إلى «أن إحدى الشاشات اللبنانية لم تعرض أغنية أو كلمة واحدة عن أو لنصري طوال فترة ثلاثين عاماً»، وأنّ «الأرشيف الخاص بالراحل والداخل في سبات في «تلفزيون لبنان»، من دون أن يعطوا أي نسخة للورثة»، في حين قدّمت الإذاعة السورية كل ما لديها من أرشيف الراحل إلى ورثته دون أي مقابل.

يستذكر مصطفى والده الحنون الهادئ، وكم أحبّ الأرض، وكيف كان يقضي موسم الزيت بين عمّال معصرة الزيتون مع عوده الذي لم يكن يفارقه. بنى مصطفى نصباً تذكارياً لوالده على نفقته الخاصة دون أن يدعو أي شخصية سياسية إلى حفل إزاحة الستارة عنه آنذاك.

بدأ شمس الدين مشواره الفنيّ في العام 1961، مع الأخوين عاصي ومنصور الرحباني، تاركاً أثراً فنياً عريقاً، وأرشيفاً غنائياً مهماً، إذ تجاوزت أعماله الألف وخمسمائة أغنية، بالإضافة إلى مسرحياته العديدة التي قدمها بصحبة السيدة فيروز التي لم تغنِ «ديو» إلا معه، ورثته قائلةً «بيلبقلك العزّ والاسم، والضوّ، يا نصري.. ما سبق وطلعت على مسرح ببلدي وأنت مش معي». وكانت فيروز إلى جانب أسمهان، وعبد الوهاب، وصباح حين تغني أعمال صديقه فيلمون وهبة، من أحب الأصوات إلى قلب نصري بحسب مصطفى.

تابع نصري شمس الدين طريقه منفرداً منذ العام 1978 مع فرقة أسسها، مقدماً مجموعة من الأعمال الناجحة وعلى رأسها مجموعة «الطربوش» الغنائية من تلحين ملحم بركات.

كل ذلك التاريخ الموزع بين العتمة والنور دفع مجموعة من الشباب اللبنانيّ لإطلاق مبادرة لإحياء ذكرى الراحل «كتحية متواضعة جداً، وليس تكريماً، فنحن أعجز من أن نفي هؤلاء العمالقة والكبار حقهم»، كما يقول لـ«السفير» أحد المنظّمين الممثل الشاب سليم علاء الدين.

وتشمل المبادرة عدداً من النشاطات التي تستمرّ حتى نهاية العام الحالي في العديد من الدول إلى جانب لبنان، كتونس، والأردن، وبلجيكا وغيرها. واستهلت فعلاً بزيارة «الورد الأبيض» إلى ضريح الراحل يوم السبت الفائت، والغناء أمام نصبه التذكاري تحت عنوان «نصري سامحنا». وتتبعها فعاليات «أسبوع الطربوش» التي انطلقت بالأمس، وتتضمن إطلاق دعوة لعدد من المطاعم والمقاهي ولسائقي الأجرة بوضع أغاني شمس الدين خلال أسبوع «الطربوش»، بالإضافة إلى المطالبة بإطلاق اسم الراحل على شارع رئيسي في العاصمة بيروت. وبحسب علاء الدين، جاءت هذه الخطوة كردة فعل على التقصير الرسميّ الشعبيّ والإعلاميّ الكبير الذي طال الراحل وأعماله. ويشير علاء الدين إلى تركيز الحملة على «تذكير الناس بأعمال الراحل، أو حتى لتعريف البعض عليه لأنني اكتشفت أثناء التحضير للمشروع أن كثيرين يجهلونه». وستتنقل المبادرة في مختلف المناطق اللبنانية، مثل الحمراء، انطلياس، العرقوب، الشوف، البقاع الغربي وغيرها، من خلال سهرات يحييها عدد من الفنانين كجوزيف عيسى وعدد من أساتذة وطلاب الكونسرفتوار الذين سيتعاونون في الثامن من نيسان القادم مع طلاب كلية الفنون الجميلة لإقامة حفل «نصري شمس الدين بأصوات الجيل الجديد» في مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث. كل هذه الخطوات تأتي تمهيداً لمهرجان كبير يتمّ التحضير له وسيقام خلال شهر تشرين الثاني المقبل في قصر الأونيسكو لإحياء ذكرى الراحل. ويوضح علاء الدين أن الحملة تعمل على التواصل مع وزارة الثقافة ونقابة الفنانين لتقديم الدعم المادي والمعنوي للمشروع «نحن ندفع حتى الآن من أموالنا الخاصة وننتظر تجاوبهم معنا لدعمنا مادياً فهم لم يقدموا حتى الآن إلا وعوداً».

لم يتميز نصري فقط بصوت فريد فقدته الموسيقى قبل جمهوره، بل بشخصية عفوية وطيبة تعتبر الأطفال أصدق الجماهير فكان يعرض أغانيه عليهم أولاً.. كما عرف بتخصيصه وقتاً طويلاً لقراءة التاريخ الذي لم يخصص بالمقابل الكثير لشمس الدين.