2013/07/14

نضال سيجري.. برحيله الرهيف انتصرَ على «الوحوش الضارياتِ»
نضال سيجري.. برحيله الرهيف انتصرَ على «الوحوش الضارياتِ»

 

سامر محمد اسماعيل – تشرين

 

 

لم يرد الفنان نضال سيجري البقاء على هامش الحياة الثقافية السورية، فالرجل المولود في مدينة اللاذقية 1965 كان يدرك منذ تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1991 أن عليه العمل باستمرار على امتلاك أدواته الحاسمة لانتزاع الفرصة بالظهور،

 فالحق بالوصول كان دائماً الشغل الشاغل لهذا الفنان، فمنذ سنواته الأولى في معهد التمثيل في دمشق أدرك صاحب شخصية «أسعد خرشوف» أن المسرح هو المساحة الأفضل لتربية الأمل، ولاسيما أنه تتلمذ على أيدي كبار المسرحيين السوريين كان أبرزهم: فواز الساجر، نائلة الأطرش وممدوح عدوان. من هناك تعرّف ابن مدينة اللاذقية على فضاء الخشبة، فعشقها أيما عشق، وخاضها أيما خوض، مُسجلاً عشرات الأدوار المسرحية في عروض كان أبرزها «كاليغولا، أواكس، سفر برلك، جيسون وميديا، بحيرة البجع، صدى، نور العيون، العائلة توت، حمام بغدادي، أرامل على البسكليت، نيغاتيف» وهذه الأخيرة قدمها بعد عشرات الورش التي حققها مع المسرح الجامعي في اللاذقية، مدافعاً عن فن الخشبة رغم اشتغاله الغزير في التلفزيون الذي حقق له أيضاً أدواراً لا تنسى في أعمال من قبيل.. «الشريد، سيرة آل الجلالي، الفوارس، أبيض أبيض، الانتظار، زمن العار، غزلان في غابة الذئاب، شركاء يتقاسمون الخراب» لكن شغله الأبرز للشاشة الصغيرة كان في مسلسل «ضيعة ضايعة» للكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو، فعبر شخصية «أسعد خرشوف» قدم سيجري شخصية نمطية غاية في الطرافة والذكاء جنباً إلى جنب مع صديقه الفنان باسم ياخور، فلقد عمل في هذه الشخصية على صياغة كاركتر نهائي للضحك الممزوج بالمرارة والسخرية، جاذباً إليه ملايين المشاهدين في سورية والعالم العربي، إذ نجح سيجري نجاحاً لافتاً في كتابة الكوميديا لنفسه، مقتحماً بقوة الأداء أمام الكاميرا قلوب عشاقه الذين ألفوه على مسارح القباني والحمراء ودار الكتب الوطنية في اللاذقية ممثلاً ومخرجاً ألمعياً وطاقةً أخاذة في مواجهة الجمهور. هكذا قفز اسمه للواجهة مرةً تلو مرة، فنضال المشغول بالمسرح والمولع به استطاع أن يكسر عزلته مع التلفزيون أيضاً بعد سنوات من قبوله بأدوار الصف الثاني، ليصبح محط اهتمام المخرجين، وبطلاً من أبطال المشهد الدرامي السوري.

لكن نضال لم يساوم على حبه الأول، فبقي غرامه للخشبة هو الغرام الأول والأخير رغم كل مغريات الشهرة والمال، وهذا ما يفسر وصيته الآسرة بزيارة خشبة قومي اللاذقية بعد موته، فلم يكن الرجل يمزح على الإطلاق، أجل لقد اشتغل الرجل في التلفزيون، وأصاب ما أصابه من المجد والشهرة، لكن ذلك لم يكن يعني له شيئاً مقابل ولهه المسرحي، وإيمانه بالمسرح كفنٍ قادرٍ على صياغة المدينة السورية وحمايتها من ظلامية القرون الوسطى ومحاكم تفتيشها، لذلك كان يمضي ساعات طويلة في البروفات والتمرينات على مسرحياته، مانحاً روحه وأعصابه ووقته لأبي الفنون، بل عمل أيضاً على إخراج فيلمه «طعم الليمون» عن فكرة لحاتم علي سجل فيها هذا الفنان احتجاجه العلني على زيارة الممثلة الأمريكية أنجيلنا جولي لمخيم جرمانا للاجئين العراقيين في قلب العاصمة السورية عام 2007، تلك الزيارة التي كررتها نجمة هوليوود لما يسمى «مخيم اللاجئين السوريين» في تركيا، فكان «طعم الليمون» بمنزلة صرخة على هذه النزعة الإنسانية الاستعراضية، ولتلك المتاجرة بآلام الإنسان العربي، وتسقّط مكابداته لتسييسها وتحويلها إلى بروباغاندا رخيصة ومكشوفة، ولهذا لم يتوان الفنان الراحل عن الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، صارخاً في صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي: «لا للسلاح..لا للعنف..نعم للحياة وللعيش المشترك» حتى ان آخر ما كتبه على الفيس بوك جاء كالآتي: «الحب هو الخلاص، الحب هو الحل يا أولاد أمي، الحب هو الحل يا وطني» مذيلاً كلامه هذا بعبارة: «صرخة المواطن نضال سيجري» فلم يكن هذا الفنان الأصيل يسعى إلى مجد أو شهرة، على العكس، إنما كان يصر دوماً على عبارة «أمنا الحبيبة سورية» منافحاً بشدة عن الفقراء والمظلومين وتعساء الحظ؛ في وجه تجار الدم وحملات الإرهاب الدولي الذي ضرب الوطن على امتداد الأرض السورية، متخذاً دوره الحقيقي كمثقف حقيقي، وكفنان ومواطن لم يتهرب من مسؤولياته الأخلاقية تجاه بلاده، ولم ينكفئ أو يصمت، بل جاهر ببحة صوته مجابهاً بحباله الصوتية أحابيل المتربصين بوطنه.

رحل نضال سيجري تاركاً خلفه أصدقاء وعائلة مكونة من ولدين «وليام وآدم» وزوجة، رحل وفي قلبه الأخضر أغنيات لعشاق فنه، رحل صاحب كلمة «السلام لأرواحكم الطيبة» التي كان يختم بها برنامجه على الفضائية السورية «أنت ونجمك» قانعاً بدور المحاور لنجوم بلاده، مع أنه لم يكن يقل عنهم موهبةً وشهرةً وحضوراً، رحل نضال عن خشبة هذا العالم وهو يلوح لنا بيديه من على مسرح الكتب الوطنية في اللاذقية: لقد اقتلعت حنجرتي لأنها خانتني، فلا تخونوا أوطانكم.. رحل ونقول له: «كلما ابتسم الموت في شفتيكَ بكت من شوقها  إليكَ الحياةُ».. فوداعاً أيها المواطن، وداعاً كما لو أنكَ تنتصر بموتك المبكر هذا على كل «الوحوش الضارياتِ» التي كنتَ تعريها في ضيعتك الضائعة... وداعاً يا صديق بحر اللاذقية وحبيب مسارحٍ صعدت عليها قدماكَ المتعبتان لتلقي التحية على جمهور ينتظركَ قبالة مسرح البحر، فبموتكَ مات جيلٌ بأكمله..مات وفي قلبه شيءٌ من حتى.

 

عبد المنعم عمايري

 

مُتَ يا نضال.. يعني أنت الآن غير موجود في الحياة، يعني لن أعد لأشكي لك، وأحكي لك، كيف أحلُ مشاكلي بدونك؟

كيف سأمشي بباب توما من أمام بيتك القديم؟

وكيف سأتذكر سورية بدونك؟

الله معك يا حبيبي..

 

المخرج السينمائي جود سعيد

 

فرّقتنا الحياة ونبضها فليلمّنا موت نضال وصمته..فلتجمعنا روحه ولنكن وردة سلامها الأخيرة.

معاً ليكون يوم الغد يوماً جامعاً، بلا تخوين ولا سباب ولا تحريض..لربّما يبتسم نضال وهو يغادر..إذ ستبقى حنجرة نضال صوت حبٍّ يطوف البلاد.

 

ليلى سمور

 

صديقي الذي عشنا مع بعض كل أيام الدراسة؛ أنت أيضاً مستعجل على الموت يا نضال؟ لماذا جميعكم يرحل بهذه السرعة؟ لست قادرة أن أنعيك يا رفيقي... لا أريد أن أصدق أنك ذهبت.!!..الله يرحم جسدك المتعب يا نضال..سورية سترجع بخير و سلام مثل ما كنت تتمنى و تبكي و تحكي؛ سنرجع للسلام و الأمان يا رفيقي، فإلى اللقاء يا صديقي العتيق كخوابي الذهب.

 

نجلاء خمري

 

كل ما هو نقي وثمين نفقده سريعاً، لم نتوقع غيابك عنا.. سنشتاقك كثيراً، وستبقى حاضراً بيننا بإخلاصك وفنك وطيبتك وجمال روحك .. تعجز الكلمات حقاً.. سنفتقدك ... الرحمة لروحك الطاهرة... الفنان نضال سيجري؛ رحيلك خسارة لنا جميعاً ..

 

باسم ياخور

 

نضال أول مرة التقيتك قبل 21 سنة في المعهد العالي للفنون المسرحية، كنت مازلتُ طالباً في السنة الأولى، و كنت طالباً في السنة رابعة .. كنت خائفاً.. هل تذكر عندما  نظرت إليّ و ضحكت في وجهي ضحكتك التي لم تفارقك طوال السنين التي عرفتك فيها، يومها قلت لي: (يا باسم خليك باسم)... وبقيت يا نضال لآخر يوم في حياتك مُصراً على التفاؤل و على محاربة الحزن والموت بالبسمة.. نضال أنا ما عدت (باسم) بدونك.

 

مصممة الأزياء رجاء مخلوف

 

بحة صوتي ستكون أعلى من كل الأصوات.. هكذا قلت آخر مرة رأيتكَ فيها.. صحيح نضال بحة صوتك الأخير جمعتنا.. نحن الذين شردتنا الأصوات العالية حتى ثقبت بلا رحمة قلوبنا بحة صوتك لم تخنك نضال... ولم ولن يخوننا يوما... والآن سيضمك تراب أُمنا العظيمة سورية.. يا ليت بحتك تخبرهم كم هو حنون هذا التراب.

 

الإعلامي أمجد طعمة

 

ليتني تمكنت في آخر مرة رأيتك فيها من الوقوف رغم الازدحام لأقبلك وأحتضن روحك، جرفني سيل السيارات وغبت أنت في الزحام؛ كتبتَ لي: (المهم أننا بخير في حضن أمنا العظيمة)

ستبقى تعويذتك التي رقصنا عليها كثيراً في مسرح الحمراء والقباني حاضرة يا صديقي.

 

أيمن زيدان

 

لغيابك يانضال طعم العلقم...

تغمدتك السماء بالرحمة...

نضال سيجري الصديق الذي رحل مبكراً وترك وراءه سحباً من الوجع والحزن.

 

الكاتب حسن م.يوسف

 

مهما أعملت ذهني فلن أجد أنظف ولا أقوى ولا أنصع ولا أبهى من الكلمات التي كتبها الفنان الإنسان نضال سيجري على صفحته في الفيسبوك: «وطني مجروح وأنا أنزف... خانتني حنجرتي فاقتلعتها... أرجوكم لا تخونوا وطنكم».

 

الأسير المحرر صدقي المقت

 

جثمان الفنان... نضال سيجري... مسجى على خشبة المسرح القومي في اللاذقية كما أراد في وصيته... رحلت عنا وبقيت خالدا في قلوبنا...  أضحكتنا في حياتك وأبكيتنا في مماتك. من مثلك لا يموتون لأنهم باقون بفنهم ورسالتهم.