2013/05/29

نمط الإنتاج الرمضاني
نمط الإنتاج الرمضاني


راسم المدهون – الحياة

من يتابع المقابلات واللقاءات الصحافية والتلفزيونية التي تُجرى مع الممثلين لعرب، يلاحظ تنامي الرغبة العامة عند معظمهم في تجنُب عرض أعمالهم الدرامية خلال شهر رمضان. ويأتي هذا على عكس ما كان ولا يزال شائعاً حتى اليوم. فجرت العادة على ان يعتبر شهر رمضان مساحة زمنية لعروض درامية تحظى بمشاهدات كثيفة. ومع ذلك ها هي التصريحات الجديدة تعكس شعوراً متزايداً بأن تلك المساحة تشهد عادة ازدحاماً لا يسمح بالمتابعات المريحة، أي التي يتمكن خلالها المشاهدون من تحقيق المتعة والقدرة على المقارنة والنقد وأيضاً القدرة على عقد النقاشات الفنية والفكرية. ربما لهذا السبب بالذات بدأ كثر من الممثلين في التطلُع لعرض أعمالهم الجديدة خلال اشهر أخرى من السنة، كي تأخذ حقها وما تأمله من عروض لائقة، وفق إجماعهم اليوم.

والآن لو حدث حقاً وتحققت هذه الرَغبة على نطاق واسع، سنجد انفسنا بالتأكيد أمام رمضان مختلف ستكون سمته الأهم تراجع المنتجين والفنانين عن منافساتهم الضارة لحجز أماكن لأعمالهم في الشهر الفضيل. ولا يعني ذلك اقلّ من أن الرؤى الإنتاجية ذاتها يمكن أن تتغير بعد ان اعتادت ان يتحقق معظمها على قياس موسم رمضان وشروطه الإنتاجية التي بات كثر من المعنيين والنقاد يطلق عليها صفة «نمط الإنتاج الرمضاني»، وأبرز المواصفات التي باتت «تميّز» هذا النمط، العجلة وضآلة التكاليف. وفي هذا السياق ربما نتذكر جميعاً أن أعمالاً درامية لا تحصى كانت عروضها الرمضانية تبدأ وهي لا تزال غير منجزة بالكامل بمعنى ان ثمة حلقات كثيرة غير مكتملة فتنجز على عجل، أي أن صانعيها لم يكونوا معنيين بفن درامي جاد أساسه اتقان فنون الدراما وجزئياتها جميعاً.

ومن هنا تلفتنا وربما تسرنا ايضاً، تصريحات متزايدة عن خيارات أخرى خارج رمضان حتى وإن كانت لا تزال تعكس رغبات وتطلعات أصحابها ولم تتحوَل إلى حالة سائدة أو معمول بها في الوسط الفني العربي على اختلاف ساحاته. إن الدراما العربية، وقد أصبحت منذ عقدين صناعة متكاملة، تحتاج مفاهيم مختلفة غير السائدة اليوم كما هو حال الدراما في بلدان العالم المختلفة والتي لا تنظر للدراما التلفزيونية تلك النظرة «الدونية» التي تعتبرها سينما من الدرجة الثانية، أي لا تحتاج للجودة والإبداعية. ذلك يعني تأصيل هذه الصناعة ومنحها ما تستحقه من الجهد والوقت الكافيين، وما تستحقه بالتأكيد من النصوص الإبداعية التي تمتلك القدرة على إمتاع المشاهد وتقديم الفائدة له.

طبعاً يمكن القول إن ذلك ممكن في كل الأوقات ولكنه ممكن أكثر في دراما لا تقوم على «نمط الإنتاج الرمضاني» ولا تخضع له.