2013/05/29

هشام شربتجي يقتحم مناخات جريئة وأجواء شائقة
هشام شربتجي يقتحم مناخات جريئة وأجواء شائقة


مِلده شويكاني – البعث

لم يكن هشام شربتجي بعيداًعن موضوع الفساد عبر تاريخه الإخراجي الطويل والمميز، فمنذ عشرين عاماً عمل مع ياسر العظمة على صناعة لوحات مرايا الساخرة الناقدة لسلبيات المجتمع، فكتب بعضها وشارك بتعديل أخرى، وتوالت السنوات فقدم أجمل أجزاء من سلسلتها، بعد ذلك جسد الفساد من خلال معالجته الإخراجية لأحداث الجزء الأول لمسلسل "يوميات مدير عام "الذي عُرض قبل 16 عاماً وقلب فيه مفهوم الفساد رأساً على عقب فكان المدير يحارب الفساد، في حين يعيث الموظفون فساداً وفق أشكال بسيطة تناسب وظائفهم ومتطلبات حياتهم اليومية، ولم يقف عند هذا الحدّ فقبل أربع سنوات أخرج "رياح الخماسين "الذي أثار جدلاً في الأوساط الثقافية والفنية وإن اتخذ شكل المواجهة من قِبل رجل يثبت ذاته وسط كم ٍمن المفاهيم الخاطئة المحيطة به.

وفي الموسم الدرامي الحالي عاد إلى الدراما السورية بعد غياب طويل ليدخلها من أوسع أبوابها ليتصدى لإخراج عمل نوعي حمل عنوان (المفتاح) إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج للكاتب خالد خليفة الذي قدم أجمل أعمال الدراما السورية منها(زمن الخوف _ ظل امرأة )، فعملا معاً على تقديم عمل جديد يختزل إبداعهما.

وقد فاجأنا شربتجي بتحويل النص الذي وصفه "بالمربك "إلى مناخات بصرية متعددة تتجاوز المألوف وتأخذنا إلى مطارح مختلفة، تنقل صورة عن مجريات حياتنا اليومية في ظل مجتمع يتقبل الفساد حتى بات جزءاً منه ، تمثل بشابين صديقين هما مسعود- الذي جسد شخصيته باسم ياخور، وفراس-الذي أدى دوره الفنان أحمد الأحمد، حيث درسا القانون وتعمقا بدراسة الثغرات التي يخترقانها لتحقيق مآربهما .من هنا يتمكن مسعود من تغيير حياته والابتعاد عن شبح الفقروالحرمان ،ليحقق في كل حلقة إنجازاً جديداً يضاف إلى رصيده ويحقق له مكسباً إضافياً ،فأصبح الأخطبوط الذي يعمل بمساعدة شبكة علاقات محكمة القيد ،يصل من خلالها إلى الأشخاص المستفيدين من مناصبهم ،ومع مرور الوقت خسر إنسانيته ليستيقظ الوحش الكامن بأعماقه الذي يفترس كل من يقف في وجهه ،يساعده صديقه فراس الذي بدا منفذاً لأوامره فقط ،وفي منحى آخر مضت كاميرا شربتجي من الفساد الإداري في المؤسسات والقصر العدلي إلى مطارح إنسانية لاتخلو من أجواء رومانسية تُشرّح العلاقات الوجدانية والمشاعر الشفافة و تظهر الإخاء الديني بين المسلمين عائلة (مسعود )والمسيحيين عائلة فراس في حيّ واحد،وبينهم أشخاص تائهون حائرون باحثون عن الخلاص من عوالمهم إلى عوالم أخرى، مسوغين أخطاءهم بارتكاب أخطاء أكبر،فنرى لينا (ديمة قندلفت )تتخلى عن حبيبها فراس أمام صعوبات الحياة فتتزوج وتسافر إلى أمريكا وسرعان ماتعود بعدما تكتشف أنه تزوجها لتنجب له طفلاً فقط ،وتعمل على إعادة أوتار الحب القديم وهي متزوجة ،وفي المقابل تفشل ليلى(أمل عرفة) في إعادة ثقة مسعود بها رغم استمرارالعلاقة بينهما بعد الطلاق فتحاول البحث عن بديل، أما ميساء(ديمة الجندي ) فتترك مشاعرها تقودها إلى مكان آخر بعدما سئمت من جدران بيتها الباردة وزوجها الذي لايتوافق مع مساحات أحلامها ،في حين يطلب المجتمع من حنان شقيقة فراس (شكران مرتجى )أن تقدم تنازلات وأن تملك منزلاً كي تحصل على فرصة زواج .وهنا يضعنا العمل إزاء تناقضات بين مفاهيم الأخلاق والقيم وبين تيار الفساد المتشعب تثير تساؤلات عميقة من خلال الجمل المقتضبة التي يرددها الأبطال كقول مسعود" نحن أبناء الفساد "ومعاقبة (أبو زهير )فايز قزق والد فراس لهما برفضه قبول تكاليف علاجه منهما، ووضعهما دائماً موضع المساءلة فيدافع فراس عن نفسه :"نحن لسنا أنبياء ومن حقنا أن نخطئ "وتقف إلى جانبه والدته( سلمى المصري )بعدما تكتشف أن قطار العمر مضى وتاهت مع زوجها بمقولات الشرف والأمانة فتقول له"ابتعد عن فراس ومسعود ولا تعاقبهما وكأنهما هما اللذان أضاعا فلسطين " وكما نرى دمج العمل بين الفساد الإداري والاجتماعي في زمن غدا فيه البحث عن الأفضل هو المطلوب دون أية معايير .كلّ هذه المحاور اشتبكت وتصاعدت أمام كاميرا شربتجي ،فنجح بإظهار ملامح أبطاله وإحساسهم المفعم بطاقات مشحونة بانفعالات كثيفة معتمداً على أداء الممثلين المتقن وتنوع البيئات الزمانية والمكانية وتلون أنماط الشخصيات وانتمائهم إلى شرائح مختلفة، ومن خلال المفتاح خاض شربتجي بجرأة مفاصل المجتمع ومكامن الأسرار عبْر تطور مفرداته الإخراجية التي تُظهر قراءته الثانية للنصّ وتسجل نجاحاً جديداً لشيخ المخرجين .