2012/07/04

هل أخذ الأطفال حقهم في الدراما السورية الموجهة للكبار؟
هل أخذ الأطفال حقهم في الدراما السورية الموجهة للكبار؟


تحقيق : روزالين الجندي  -  البعث ميديا


يرى الكثير من الباحثين في المجال الدرامي أن الدراما العربية للكبار " لم تتخلص من النظرة الثقافية العريقة التي تلون الفكر العربي نحو الطفل " , والتي رسخت النظرة السطحية في التعامل مع الأطفال كلون تزييني يضاف إلى باقة الألوان الفاعلة والمؤثرة في العمل الدرامي العربي , فكيف هو واقع الحال في درامانا المحلية سواء في السينما أو التلفزيون ؟ هل أخذ الأطفال حقهم في هذه الدراما كقدرات ومواهب تؤدي أدواراً رئيسية وبطولة وليس مجرد كومبارس داخل هذه الأعمال المقدمة على مدى تاريخنا الدرامي في مجالاته المختلفة ؟ وهل اختلف نيل هذا الحق ما بين الأمس واليوم ؟ ومن حضر وتألق من الأطفال داخل هذه الدراما , كيف حضر وبأية شروط ؟ ومن المسؤول عن غياب أو حضور الأطفال داخل الدراما المحلية هل هو الكاتب أم المخرج أم شركة الإنتاج ؟

يقول هاني السعدي الكاتب الدرامي والذي كان لبعض أولاده تجربة في التمثيل " في القديم بالكاد كنا نرى طفلاً يقوم بدور درامي طويل ومهم " ويعزو ذلك إلى أن الجهة الإنتاجية تخشى من عدم وجود أطفال موهوبين , وهذا بدوره يصب في خانة الكاتب الذي لا يقدم على كتابة دور ليس هناك ممثل جاهز لأدائه بالإضافة لخشية المخرج من عدم إتقان الدور من قبل الطفل الذي سلعب الدور وهذا بالتالي أدى لتغييب دور الأطفال في الأعمال التلفزيونية والإذاعية .. ولكن منذ حوالي خمسة عشر عاماً بدأ يطفو _كما يقول السعدي _على السطح بعض الأطفال الذين يحملون موهبة التمثيل والحضور من مختلف الأعمار, بعضهم كان يترك بصمة خلفه , وبعضهم كان يمر مرور الكرام ,إما لنقص الموهبة ,أو عدم الاهتمام به جيداً كممثل..

فاليوم يضيف السعدي تغير حضور الطفل في الدراما نتيجة دخولنا عصر الفضائيات والانترنت والانفتاح  على العالم , عصر دخول وقبول التلفزيون في البيت ومتابعة الأهل للأعمال الدرامية محلية كانت أم عربية , وحتى محاكمة الأعمال من قبل الصغار قبل الكبار على جودتها أو سطحيتها , على المفيد منها والضار للمتفرج صغيراً كان أم كبيراً ..

لكن هل هذا الحضور كاف أو فاعل؟. يقول السعدي : " بالعموم أطفالنا في درامانا السورية لم يخطوا بأدوار أساسية إلا فيما ندر ,ولا يحضرني الآن أسماء الأطفال الذين لعبوا أدواراً تركت أثراً واضحاً عند المتفرج مع قلتهم بالطبع .. رغم أن بعض المخرجين لدينا جازفوا بإعطاء بعض الأطفال أدواراً مهمة مثل الفنان حاتم علي الذي أعطى الطفلة التي  قامت بدور ( نارة ) في مسلسله الفصول الأربعة بجزئيه ,و الذي كتبته ريم حنا و دلع الرحبي .. مع أن دور نارة كان إشكالياً ,و يتطلب قدرة في الأداء ,أقول أن حاتم علي جازف بإعطاء الطفلة ربا دور نارة علماً بأنه لم يكن لها سوى تجربة سابقة يتيمة في مسلسل الموت القادم إلى الشرق الذي أخرجه نجدت أنزور و هنا يظهر دور المخرج في إظهار موهبة الأطفال.

ويرى السعدي أنه اليوم لم تعد هناك مشكلة ,بوجود كم كبير من الأطفال الموهوبين على اختلاف أعمارهم , والكرة الآن بملعب الكاتب الذي يسطر أدوار الأطفال بعناية ورعاية , ثم يأتي دور المخرج ليدير دفة موهبة الطفل وحضوره ليتميز بأدائه للدور, منوهاً إلى أننا لا نستطيع أن نهمل دور جهة الإنتاج في إغناء الشخصية صغيرة كانت أم كبيرة وبتأمين كل مايلزمها لأداء الدور كما ينبغي أن يكون ..

وحول الدور الذي قام به في مجال حضور الأطفال درامياً ككاتب قال السعدي : " تجربتي بدأت عام 1976 بفيلم ليل الرجال الذي قام ببطولته فريد شوقي و ناهد شريف و أخرجه حسن الصيفي و هي تجربتي الأولى و الأخيرة التي لم يكن فيها أطفال لهم أدوار أساسية أو ثانوية .. أما في أعمالي التلفزيونية (مسلسلات ,و تمثيليات) فلا يكاد يخلو عمل منها من طفل أو طفلة لها دور أساسي .. بدءاً من حارة نسيها الزمن ,و أبو البنات ,والعنيد .. إلخ و انتهاء بمسلسل سفر الحجارة , و آخر أيام الحب .. و قد ملكت الجرأة على صياغة أدوار صعبة للأطفال تأثراً بالأعمال الأجنبية التي كان للأطفال فيها أدوار البطولة .. فلم لا يكون طفلنا بطلاً فيها و هو يملك ما يملك الطفل الأجنبي في زمننا المنفتح".

ويعترف السعدي أنه بعد أن اكتشف موهبة ابنتيه روعة وربا .. و اكتشفهما المخرجون الذين عمل معهم , بدأ يكتب لهما أدواراً مفصلة عليهما , فهو كما يقول  أبوهما و أدرى بهما من أي إنسان آخر أكان فناناً أم لا ,كما و يعرف طاقة كل منهما في تجسيدها للدور الذي ستقوم به  وليس لأنهما ابنتاه ,وفي هذا السياق _يضيف السعدي _يعتبرني بعض الأصدقاء من الفنانين  أنني اكتشفت موهبتين ليستا خافيتين على أحد . علماً أن ابنتي عملتا مع كتاب غيري و شهادتي مجروحة عندما أقول أن روعة و ربا لم تخفقا يوماً في أي دور أسند لهما , منذ كانتا في السادسة من عمريهما ..

وفي كتابتي لشخصية الطفل التي تحدد من قبلي  أراعي شئت أم أبيت مقدرة الطفل مهما كان موهوباً على حمل الدور الكبير, لهذا أظل قلقاً إلى أن يعرض العمل على الشاشة ,وأرى إلى أي مدى استطاع الطفل تجسيد دوره ,فإما أن أتنهد ارتياحاً, و إما أن أنفث بأسى و أسف معاً.

كمال مرة: الدراما لم تقدم الطفل كحدث فاعل

أما الكاتب كمال مرة فرأى بخلاف السعدي, أن عمر الدراما السورية لم يتجاوز بضع سنين ، فلا يصح تقسيمها على أساس القديم منها والحديث ، فهي كل لا يتجزأ ، و الذي اختلف فقط هو الانتقال إلى البث الفضائي " ما أراه أن الدراما السورية شأنها شأن الدراما العربية لم تقدم الطفل كحدث فاعل في العمل الدرامي إلا ما ندر ، وأعتقد هنا بأننا نناقش الدراما بشكل عام وليس دراما الأطفال "،

مضيفاً أن شكل الإنتاج الدرامي تغير من بداية الثمانينات ، وخروج الكاميرا من الاستوديو إلى الخارج جعل هناك إمكانية لرصد حركة الناس ,والمجتمع ,والدخول أكثر إلى تفاصيل الحياة اليومية للناس ، لكن للأسف لم يستفد صانع الدراما من هذه المميزات الهامة "..

طبعا هذا الأمر يقول مرة جعل من المستحيل رصد الحياة الاجتماعية دون ظهور الطفل الذي هو جزء لا يتجزأ من كينونة المجتمع ,و لكن ظل هذا الظهور فقيرا ولا يتعدى التزيين باستثناء بعض الأعمال القليلة.مع وجود بعض الأعمال التي اعتمدت بشكل جزئي على الطفل ليكون محورا مهما في الخط الدرامي ، أذكر على سبيل المثال الخط الأحمر لهاني السعدي ,والفصول الأربعة, وباب الحارة ..لكنها خطوط خجولة نوعا ما.

وبشكل عام _يضيف مرة _نحن في العالم العربي لم نول أهمية مثل بعض الدول الأوربية في عمل الدراسات الاجتماعية الخاصة بالطفل ، ويجب أن لا ننسى بأن أي بطل درامي في مسلسل ما سواء كان خيرا أم شريرا كان في الأصل طفلا ، فأنا أذكر أن بطلي في مسلسل الحوت بسام كوسا كان يرجع ذكرياته إلي أيام الطفولة التي شعر بها بأن أخاه حسن هو أهم منه في العائلة ومحبوب من قبل والديه  لذلك تأسست شخصيته على الكراهية والعنف..

فالكاتب عليه مراعاة هذا الأمر عند الخوض في شخصيات مركبة لأن الشخصية لا تبدأ مع بداية المسلسل بل لكل شخصية تاريخ يمتد ما قبل المسلسل و هذا ما يجب أن يظهر.

أما من الناحية العملية فالمنتج والمخرج يمتعضان عند وجود طفل في العمل لأن هذا يعني تعب ووقت وإسراف في النقود ، ونحن كسالى نحب إنجاز العمل بسرعة كي يوفر المنتج بعض النقود.

وفي  باب الحارة مثلا قدمتُ شخصية وردة التي أدتها ابنتي ، صحيح أنها لم تكن شخصية مركزية لكنها وظفت لنزاع دوافع شخصية أخرى ,و سبر أغوارها وأقصد هنا شخصية فوزية ، وكذلك شخصية بدر وشخصيات أخرى ... وطبعا هناك مواهب صغيرة مهمة أذكر بنات الكاتب هاني السعدي و كذلك ابن المخرج يوسف رزق..


رانيا بيطار :  لم يخلو عمل لي من وجود الأطفال

الكاتبة رانيا بيطار رأت أن واقعيةالدراما السورية فرضت أان يكون وجود الأطفال ضمن القصة التلفزيونية جزء لايتجرأ فليس هناك بيت لا يوجد فيه طفل, أو اثنين بحضورهما الطاغي لذاالدراما في الوقت الحالي لاقترابها الشديد من الواقعية, دفعت بنا للاهتمامبهذا العنصر الفعال في الحياة الاجتماعية و جعله في قائمة شخصياتنا التينطرحها في أعمالنا..مضيفة: أنه لطالما  كان وجود الأطفال دوراً هاماً فيغالبية الأعمال التلفزيونية و قلما نجد عملاً يخلو من وجودهم .. وقد اتفقت مع زميليها السعدي ومرة على كون الخوض في تفاصيل هذه الشريحة العمرية الهامة متواضع و هامشي رغمأهميته , فهم إما موجودين مجرد ديكور عائلي أو كعنصر هامشي..

وحول المسؤول عن هذا الحضور الخجول للطفل في دراما الكبار تقول بيطار: " حين يقع في يد أي مخرج عمل تلفزيوني فيه عدد من الأطفال يقلق و هذا من حقهلعدم وجود الكادر الطفولي المدرب للتمثيل .. هذا عداك عن عزوف الكتّاب عنتناول قضايا الأطفال رغم أهميتها, ربما لأننا ما زلنا نحب تناول القضاياالكبيرة ,و ننسى أن قضايا الأطفال و معاناتهم و مشاكلهم لا تقل أهمية عنقضايا و معاناة الكبار"

وبخصوص الدور الذي قامت به ككاتبة في هذا المجال قالت :" فيكل أعمالي التلفزيونية بداية من عملي الأول " البيوت أسرار " مروراً" بأشواك ناعمة " فالصندوق الأسود " و أخيراً في عملي الجديد " بنات العيلة" أتناول فيه قضايا الأطفال و لم يخلو يوماً أي عمل من أعمالي في وجودالكادر الطفولي ذي الدور الفعال في قصة مسلسلي,وهذا من أهدافيفالطفل كما ذكرت عنصر مهم في أي عائلة و جزء لا يتجرأ من أي قصة, أو قضيةاجتماعية هامة يمكن أن يطرحها أي كاتب.

وإذا كان هذا رأي بعض كتاب الدراما فماذا يقول المخرجون؟

يقول المخرج فراس دهني أن تواجد الأطفال كعناصر فاعلة في الدراما السورية كان منذ بداياتها إلا أن الأدوار التي كانت تسند لهم حينذاك , أدوار بسيطة مكملة ولم تكن أساسية , اليوم نرى تواجداً حقيقياً للطفل في درامانا السورية ونضجاً أكبر في النظرة إلى دوره وفاعليته ..منوهاً إلى أن النظرة إلى الطفل قد تغيرت وتطورت , مع تغير النظرة إلى الدراما عموماً والاهتمام المتزايد بها وبدورها وكذلك الاهتمام المتزايد بتفاصيل ما تقدمه هذه الدراما.

وحول مقدار حظوة الأطفال داخل هذه الدراما بأدوار رئيسية قال دهني : " لا يمكن إنكار ما قدمته الدراما السورية من نماذج متميزة في مجال بطولات الأطفال ولا يكاد مسلسل سوري يخلو من أدوار أساسية أبطالها أطفال ,وهذا تطور طبيعي فالطفل جزء أساسي من بنية المجتمع.

مضيفاً أنه لا توجد مشكلة حقيقية في هذا الشأن " ونحن نبالغ إذ نريد أن نقحم الأطفال في جميع المسلسلات والموضوعات، بمعنى آخر حين يكون الطفل لاعب درامي أساسي فتواجده أساسي ولكننا نهضم الأطفال حقهم حين نقحمهم (كزينة مشهد). وقبل أن نقول من المذنب في ندرة البطولات الموجهة للطفل نقول أن العمل مع الطفل مرهق وشاق ومكلف هذا بالإضافة إلى الجهد والإرهاق الكبيرين الذين يكمنان خلف إنجاز الأعمال الدرامية وهذا فوق طاقة الطفل ".

وحول الدور الذي قام به في هذا المجال قال دهني : "منذ سني دراستي في ألمانيا كان الطفل حاضراً في أفلامي وكان فيلم السنة الدراسية الثالثة من بطولة الأطفال وموجهاً لهم, وكذلك كان أول عمل طويل وقعته في سورية تعليمياً موجها للطفل العربي وفي معظم الأفلام والمسلسلات التي أنجزتها لاحقاً ,كان الطفل لاعب درامي أساسي (فجر آخر- الفارس الأزرق- تمرد الأخلاق..- وفي الوثائقي: التحدي وغيره..)

كل ذلك بالإضافة إلى مشاركتي الفاعلة في مؤسسة بري جونيس العالمية المتخصصة بالإعلام والدراما الموجهة للطفل والتي نلت شرف تمثيلها في الوطن العربي منذ عام 2006. ."  هذه المؤسسة يضيف دهني :تضع في أولوياتها تطوير النظرة إلى الأعمال التلفزيونية والسينمائية الموجهة للطفل حول العالم وتطوير احترام متزايد للطفل وسوية الأعمال الموجهة إليه. ففي منطقتنا العربية نخلط بشكل فظ حتى اليوم ما بين "العمل الموجه للطفل" و "العمل الذي يتحدث عن الطفل". فهناك عمل موجه للطفل أي أنه يحاكيه بلغة مشتركة واحترام ,وهناك عمل يتحدث عن هموم الطفل ومشاكله وهذا العمل غالباً ما يكون موجهاً للأهل والاختصاصيين والتربويين وليس للأطفال أنفسهم. وفي هذا الشأن أمثلة يومية كثيرة نعيشها في وسائل إعلامنا.

وحول خصوصية تجربة العمل مع الطفل يقول دهني : " هناك خصوصية حقيقية في العمل مع الطفل وفي اختيار الأدوار والفعل الدرامي الموكل إليه، إذ يجب أن يتناسب مع عمره ولسانه وقوة محاكمته واستيعابه ضمن نسيج درامي متآلف ومنطقي ومتناسب ".

ولا ننسى الخصوصية التي تنبع من فيزيولوجية الطفل نفسه وقوة احتماله فهناك على المستوى العالمي نقاش دائر منذ سنوات حول اعتبار مشاركة الطفل في الأعمال الدرامية هو بمثابة "تشغيل أطفال" يتعارض مع حقوق الطفل ويعاقب عليه القانون..!! وفي الحقيقة ما زلنا عربياً يقول دهني : " بعيدي التفكير عن حقوق الطفل حتى في الأعمال اموجهة لهم (للمثال: نعمل مع الطفل السوري والعربي عموماً حوالي 12 ساعة قد تزيد أو تنقص، بينما حرم العمل في أوربا مع الطفل لأكثر من أربعة ساعات يومياً من لحظة مغادرة منزله وحتى العودة إليه!!!) "

إياد نحاس: الصدفة هي التي تحكم؟

أما المخرج إياد نحاس فقد اتفق مع الكثير ممن سبق إلى أن الصدفة هي التي تحكم حضور الأطفال داخل دراما الكبار محيلاً ذلك إلى أن الأطفال يتم إنتقاؤهم في غالب الأحيان من أبناء بعض القائمين على العمل الدرامي ( ابن مدير الانتاج , ابنة المصور الخ ), دون أن يكون هناك ما له علاقة باختبار يجرى لمجموعة من الأطفال أو تدريب لهم , فالأطفال لا يتم اختيارهم بشكل صحيح ويبقون كتزيين واكسسوار  داخل العمل ليس أكثر , منوهاً إلى أن أهالي الأطفال الموهوبين يتحملون جزءاً من المسؤولية ,في عدم السعي لتنمية مواهب هؤلاء الأطفال , والذي يثبت ذلك أنه بمجرد أن يظهر طفل موهوب في عمل معين  حتى يتهافت عليه المخرجون أو الكاتب الذين يفصلون أدواراً لهذا الطفل ..

المشكلة كما يقول نحاس "أن اختيار الأطفال يبقى ضمن إطار ترشيحات بعض  العاملين في العمل من مدير انتاج وفنيين وكثيراً ماتكون هذه الترشيحات غير مبنية على أسس صحيحة كأن يكون أن أخت فلان طلبت منه أن يأخذ ابنها لكي تتفاخر بأنه ظهر في التلفزيون " وأنا من خلال تجربتي يضيف نحاس أحاول كثيراً الاشتغال على الطفل لكي لا يظهر كمن يقرأ دوره أمام الكاميرا , من هنا فأنا أرى أن حضور الأطفال داخل الدراما لن يتفعل مالم يبدأ الاهتمام به بطريقة مختلفة عبر وجود جهات مهمتها البحث عن هذه المواهب " ..

الطفل في سينما الكبار؟؟

يقول المخرج ريمون الذي سبق له وأن عمل مع الأطفال في أفلامه كفيلم الترحال إن التوجه العام باتجاه موضوع الأطفال في الدراما يبدأ من الكتاب , كتاب السيناريو سواء الذين يكتبون للتلفزيون أو السينما , ومن ثم يأتي دور المخرج الذي يختار العمل , بعدها يأتي دور الطفل ومدى حضوره الحياتي والدرامي في هذا العمل ,سواء كان تلفزيوني أو سينمائي إن كان حضور يليق به إن كان في المدرسة أو الشغل أو غيره أو هو مجرد كومبارس ..

ويرى بطرس أن حضور الأطفال في الأعمال السينمائية السورية كان حضوراً هاماً , حيث أطهرت السينما المقدمة الطفل في أدوار حقيقية مهمة, كانت تستند في معظمها إلى استشارات تخصصية بخصوص الطفل ردود أفعاله وغيرها ..وهذا ما فعلته في فلمي الترحال الذي كان للأطفال فيه أربعة أدوار رئيسية و30 طفل في أدوار أخرى , اخترتهم بعد استطلاع قمت به في مدارس متفرقة في دمشق وحماه , لأطلع عن قرب على هؤلاء الأطفال كيف يفكرون ,  كيف يتحدثون ويمشون , من منهم يقارب الشخصية المرسومة على الورق , ومن ثم أتيت بهم وأجريت لهم بروفات تمهيدية مع الفنانين الذين ستقاطعون معهم في مشاهد لكي يعتادو عليهم كسمر سامي وجمال سليمان اللذان كانا يمثلان في هذا الفيلم والدا الأطفال الأربعة , أي لم يعد من يقف أمامهم جمال سليمان أو سمر سامي بل ماما وبابا , ورغم أن ساعات التصوير طويلة ومرهقة إلا أن الأطفال أحبو هذه التجربة وأدوا أدوارهم بالشكل المطلوب لقد كنت أمثل لهم الدور قبل وأطلب منهم أداؤه أي كيف يجب أن يتحدث الطفل , كيف يجب أن يمشي ..الخ فالتعامل مع الطفل يحتاج لطريقة مختلفة عن الممثل الكبير , على كل ما أريد قوله أنني حين أضع دوراً في أحد أفلامي لطفل "يكون دور فاعل وليس كومبارس "هكذا فعلت في الطحالب وغيرها من أفلامي ..

بشار ابراهيم:السينما منحت البطولة لأطفال موهوبين

وفي ذات المحور أي المتعلق بالسينما السورية رأى بشار ابراهيم الناقد السينمائي أن التوجه للطفل ووضعه في واجهة الأحداث وموقع البطولة الحقيقية بدأ في السينما السورية مطلع السبعينات من خلال أفلام كفيلم اليازرلي لقيس الزبيدي ، حيث يلج الطفل قبل الأوان عالم الكبار فيعايشهم، ويسمع أحاديثهم، ويتعرف إلى عالمهم بمفرداته المتنوعة ,سنرى الطفل -يضيف ابراهيم - وهو يعقد صداقاته مع الكبار.. ما يلفت النظر "حسن انتقاء واختيار وإدارة الأطفال الذين بدوا بحالة فنية جيدة أمام كاميرا يقيناً أنهم لم يجربوا التعامل أو حتى التعرف إليها من قبل"..

أما البطولة الحقيقية للطفل يقول ابراهيم :" يتولاها ديب في «أحلام المدينة» لمحمد ملص، ديب الطفل الذي يأخذ المساحة القصوى من الفيلم، فعلاً وحركة وحضوراً، هو الطفل الذي يجد أن الحياة تلزمه بالعمل، وهو الراغب في أن يحيا حياته الطفلية.. ينخرط  ديب في حياة الكبار ويتعلَّم ويعرف كل تفاصيل حياتهم  ,ويبقى أن المشاهد سيرى الفيلم من خلال عيني هذا الطفل وحركته وانفعالاته...

نموذج آخر وأكثر تمايزاً يقدمه عبد اللطيف عبد الحميد للطفل في «رسائل شفهية»؛ ذاك الطفل الذي يرتبط بعلاقة صداقة مع شاب أكبر منه سناً «إسماعيل» ويعمل لدى هذا الصديق «مرسول حب» فهو يحمل الرسائل الشفهية من إسماعيل المتيم بالحب، إلى حبيبته الدائمة الصد له. المثير أن هذا الطفل ايمثل شخصية غنية ومتنوعة.

في «الترحال» لريمون بطرس يأخذ الأطفال مكانة الصدارة بل إنهم يكادون خوض منافسة في الحضور حتى مع أبطال الفيلم، وأكاد أقول إنهم الأبطال الحقيقيون في الفيلم، إذ أن الأب «أبو فهد/ جمال سليمان» سيمضي الكثير من وقت الفيلم غائباً أو مغيباً، هارباً أو مطارداً، في حين سيتولى الأطفال «عمر وريم بطرس ومازن قادري» أدواراً تتجاوز أعمارهم.

ويدور فيلم «قمران وزيتونة» لعبد اللطيف عبد الحميد حول الأطفال تماماً، بل إن كافة الممثلين بدوا في أدوار ثانوية قياساً لأدوار الأطفال أنفسهم. الأم، الأب، المعلم، يقومون بملء الفراغات فيما بين حضور الأطفال، وبالاعتقاد أن الأم وحدها امتلكت المساحة، ولو المحدودة، للتعبير عن ذاتها، بينما انفلت الأطفال ينهضون بالفيلم كاملاً، في أداء بديع حقاً، يستحقون والمخرج كل الثناء عليه..

وملخص القول برأي ابراهيم  أن الطفل قد احتل موقعاً متميزاً في السينما السورية على عدة مستويات، أهمها ما تناولته السينما من خلال شخصية الطفل، إضافة إلى منح البطولة الفنية لأطفال مبدعين حقيقة، أبدعوا أيَّما إبداع، خصوصاً باسل الأبيض، رامي رمضان، مازن القادري، عمر بطرس، ريم بطرس، رنيم فضة..

أخيراً:

ومن خلال قراءتنا لواقع حضور الأطفال في أعمال الكبار نجد أن هذا الطفل قد اختلف حضوره ما بين الحضور التزييني والهامشي وما بين الحضور الفاعل وإن قلت نسبته لاعتبارات كثيرة تتعلق بطبيعة وظروف الصناعة الدرامية داخل سورية إلا أن حضور الأطفال في السينما ما يزال هو الأقوى من خلال أعمال عديدة ما تزال حية في الذاكرة ..