2012/07/04

هل السينارست روائي أم مصور واقع
هل السينارست روائي أم مصور واقع

ملده شويكاني - البعث


ربما كان فن السيناريو من أصعب أنواع الكتابة المرئية، لكن في ظل  فورة الدراما، وكثرة كتّابها،  وجدنا أنفسنا أمام سؤال المعايير التي تحكم السيناريو وكاتبه.. وهل بالضرورة أن يكون السيناريست روائياً.. أم أن لغة السيناريو هي لغة واقعية مغايرة للغة الأدبية؟ وماذا عن العلاقة بينهما سلباً وإيجاباً؟

وعليه، كيف يمكن تحديد مسؤولية فشل العمل الدرامي، فيما يتراشق المخرج والكاتب والمنتج أحياناً التهم فيما بينهم عن أسباب الفشل.

ويبقى السؤال عن ماهية الغواية التي تقود إلى كتابة السيناريو: هل للإغراء المادي، أم للشهرة  والنجومية، أم ماذا؟

في محاولة منّا للإجابة عن الأسئلة، أو إضاءة جوانبها، كانت لنا هذه اللقاءات..


يشبه ما يحدث في الحياة

يرى السينارست عدنان عودة أن كتابة السيناريو فن منفصل عن بقية الفنون الأخرى، فهو خاضع للشرط الإنتاجي، الذي يحوّل هذا السيناريو إلى مادة مصوّرة، وهذا يُخْضِع السيناريو لشروط قناة العرض (التلفزيون). ورغم أن السيناريو وصف أدبي إلا أنه ليس فناً أدبياً، إنه مجموعة من الصور المكتوبة بمعنى أنه لا توجد أية قيمة لتوصيف المشهد (السيناريو) إن لم ينعكس ذلك في الصورة.. وكذلك الأمر بالنسبة للحوار المختلف عن الحوار في الرواية الذي يخضع لمعايير مختلفة.

عالم السيناريو التلفزيوني لا يقبل إلا بالشخصيات والحوارات التي تشبه تماماً ما يحدث في الحياة، وهذا ما لا تلتزم به الرواية، إلا أن هذا لا يعني أن السيناريو لا يتقاطع مع الرواية بعناصر القصة والحبكة والتصعيد والعقدة، ولكن هذا لا يعني أن كتّاب الرواية قادرون على كتابة السيناريو بصورة جيدة، ولا كل الروايات الجيدة كانت سيناريوهات جيدة مثل شيفرة دافنشي، فشتّان ما بين الفيلم السينمائي والرواية.. في النهاية نرى أنفسنا أمام مواجهة قضية دائمة، وهي: إن ما أردتُ أن أقوله كان شيئاً، وما قيل على الشاشة كان شيئاً آخر!.

أما فيما يتعلق بالخلاف بين الكاتب والمخرج، فهذا يعود إلى الطريقة التي تباع بها السيناريوهات لشركات الإنتاج، برأيي تتعامل شركات الإنتاج وفق طريقتين: الأولى يقدم الكاتب مسلسله ثم يبيعه للشركة.. ومن ثم تقوم هذه الشركة بتكليف مخرج بتنفيذ هذا السيناريو، غير آخذة بعين الاعتبار التوافق الفكري والفني ما بين كاتب السيناريو والمخرج، وهذا ما يؤدي بالضرورة إلى أن يقوم المخرج بمجموعة تغييرات على النص، ومن هنا ينتج الخلاف بين الكاتب والمخرج.. والطريقة الثانية تقوم على مبدأ التشاركية بين الكاتب والمخرج بمشروع واحد مشترك إلى شركة إنتاج قبل أن يُكتب السيناريو، فيقدمان ملخصاً عن العمل وبعد الاتفاق مع الشركة يقدم المشروع وهما متفقان فكرياً وفنياً على العمل، هذا يضمن ألا يحدث أيّ خلاف، وبالتالي التغييرات التي تطرأ على السيناريو تحدث خلال فترة التصوير، وتخضع لأوضاع إنتاجية، فمن الطبيعي أن أقوم بتعديلها بالتعاون مع المخرج لضرورة العمل والظرف الإنتاجي، كما حدث في فنجان الدم، وأبواب الغيم.. فأنا لم أختلف مع الليث حجو أو حاتم علي، لأنني مستعد لأي تعديل، ويوجد تعاون فكري وفني. وبرأيي من الضرورة أن يكون كاتب السيناريو حاضراً من حين لآخر في موقع التصوير، لأنه شريك حقيقي في العمل... فيما يتعلق بالمعالج الدرامي، فوجوده يعود إلى عدم خبرة مديري شركات الإنتاج بالثقافة الدرامية وتقنياتها، إذ يشترون النصوص قبل دراستها، فيجدون أنفسهم متورطين بالعمل حين يكلفون المخرج، فيقول لهم: توجد مشاكل كثيرة بالنص، فيضطرون للاستعانة بالمعالج الدرامي لإجراء التعديل المناسب على السيناريو، قدر المستطاع من وجهة نظره.. وتوجد في الساحة الدرامية أسماء تكتب بلغة درامية عالية المستوى مثل (خالد خليفة - فؤاد حميرة - ريم حنا - يمّ مشهدي).. أقلية هم الذين يكتبون بمنطق الشخصيات.

ترك الشخصيات حرة

ويؤكد الكاتب مازن طه بأن السيناريو موهبة قبل كل شيء، ثم تأتي الأمور التقنية الفنية وربط الخطوط الدرامية، وهذه التقنية من السهل تعلمها، المهم توافر القدرة لدى الكاتب على التواصل مع الناس والتقاط الفكرة، ودراسة كل شخصية، وإيجاد الحوار المناسب لها.. وأرى أن كتّاب السيناريو الآن يكتبون بمنطق واحد،  وأقلية هم الذين يكتبون بمنطق الشخصيات، وفق مستواها البيئي والاقتصادي والاجتماعي، موهبة كاتب السيناريو أن يترك الشخصيات حرة تتكلم عن ذاتها وهواجسها ومشكلاتها، السيناريو فن بحدّ ذاته. وليس بالضرورة أن يكون الروائي قادراً على كتابة السيناريو ويملك القدرة، فالرواية شيء والسيناريو شيء آخر، وبالتالي لغة الرواية تختلف كثيراً عن لغة السيناريو، لأن لغة السيناريو لغة تجمع ما بين اللغة الأدبية ولغة الصورة، والقرب من الواقعية بعيداً عن الوصف. وبرأيي ليست أية رواية تصلح لأن تكون عملاً درامياً، فهناك روايات كثيرة تفقد الكثير من قيمتها عند تحويلها إلى عمل درامي، وهناك روايات السيناريو يضيف إليها تفاصيل مهمة تزيد من انتشارها، على سبيل الذكر، رواية «ذهب مع الريح» أجمل بكثير من الفيلم السينمائي، رغم أنه من كلاسيكيات السينما العالمية، وكذلك رواية «أحدب نوتردام» لم تنقل الأجواء السردية لعوالم الرواية. فيما يتعلق بالخلاف بين الكاتب والمخرج من الصعب ضبط هذه المسألة إلا بتوافر روح التعاون، فمن المستحيل ألا يتدخل المخرج بسيناريو مؤلف من 1200 صفحة، لأنه يملك رؤية إخراجية وذهنية خاصة، ومن حقه أن يتدخل بالنص، لكن دون أن يلغي الكاتب كما يحدث، وضمن حدود موافقة الكاتب والخط  الفكري له، ما يحدث أن المخرج يؤلف عوضاً عن الكاتب، الموضوع هو اتفاق بين المخرج والكاتب على تعديلات معينة كإلغاء مشاهد أو حذف شخصيات أو إضافة محاور جديدة، وأنا مع إضافة أية اقتراحات تغني العمل التلفزيوني، شريطة التعاون وعدم إلغاء الكاتب، كما حدث معي. أما اعتماد شركات الإنتاج على المعالج الدرامي فهذا يعود إلى جودة النصوص، إذ توجد نصوص جيدة لاتحتاج إلى معالج، أما إذا كان النص دون المستوى المطلوب فلا بد من الاستعانة بالمعالج الدرامي لرفع سوية النص الدرامية، لكن أيضاً بموافقة الكاتب ووضعه بصورة التغييرات.. وما نلاحظه الآن أن كثيرين يطرقون عالم كتابة السيناريوهات وهم بعيدون عن الطقس الدرامي، ربما للإغراء المادي أو الشهرة السريعة، فربما يوجد كاتب يقدم فكرة لوحة يصبح مشهوراً أكثر من كاتب روائي، وهذا سبب مباشر لرداءة النصوص، وكأن مهنة كتابة السيناريو أصبحت مهنة من ليست له مهنة.!. في المقابل هناك أسماء  قوية في عالم السيناريو قدمت الكثير من الإبداعات مثل: حسن سامي يوسف، نجيب نصير، فؤاد حميرة، هاني السعدي وريم حنا.

الروائي أقدر على كتابة السيناريو

بينما يجد الكاتب هاني السعدي تميز السيناريو من خلال جودة النص والطرح الجديد الذي يتبناه، وبرأيي  الروائي أقدر على كتابة السيناريو من الكاتب العادي، لأنه يمتلك روح الخيال، والقدرة على البحث عن التفاصيل. كتابة السيناريو بحاجة إلى موهبة أكثر من دراسة تمكّنه من إيجاد الخيال النابض لطرح الأفكار الجديدة القريبة من الواقع.

أما فيما يتعلق بتحويل الرواية إلى عمل تلفزيوني، فلا تصلح أية رواية لذلك، لأن الرواية لها بناء خاص، وعلى سبيل الذكر رواية «ذاكرة الجسد»، أنا أرفع القبعة -كما يقولون- لريم حنا، التي استطاعت أن تحوّل هذه الرواية الصعبة إلى عمل درامي، بغض النظر إن كان جماهيرياً أم لا، فهذا العمل بالذات كان موجهاً للمثقفين، وأضافت بعض المحاور، وأدخلت شخصيات جديدة ليصلح العمل لأن يُعرض بثلاثين حلقة.

أما بشأن الخلاف بين الكاتب والمخرج، فلا يوجد ضابط يحكمه، إلا إذا وضعت حقوق لكتّاب السيناريو، ما يحدث في بلدنا أن المنتج يشتري العمل، ثم يأتي المخرج فيوقع العقد، ويؤكد أنه سيلتزم بالنص، وحينما يبدأ التصوير يفعل ما يشاء بالنص. وبرأيي تلجأ شركات الإنتاج إلى إحالة النص إلى المعالج الدرامي لرفع سوية النص الدرامية، لاسيما إذا كان كاتب العمل مبتدئاً. وفي الساحة الدرامية حالياً عدد من الكتاب الذين يكتبون بنَفس جيد، أعجبني مثلاً على سبيل الذكر سامر رضوان في «لعنة الطين»، ومحمد العاص في «وراء الشمس»، ورانيا بيطار في «الصندوق الأسود»، ومحمد أوسو في «بكرا أحلى»، وهي أول تجربة له في كتابة السيناريو، ولاقت صدىً واسعاً لدى المشاهدين، مما يؤكد أن كتابة السيناريو موهبة.

لغة الحياة

وتذهب ريم حنا في رؤيتها بأن السيناريو يقارب الرواية، فالرواية تحكمها بنية النص، والسيناريو تحكمه البنية المحكية، وتصاعد الحدث، والحكاية التي هي مجموعة الأفكار التي تُقدم بشكل غير مباشر، والإيقاع الدرامي الذي يتضمن مجموعة خطوط، إضافة إلى الجانب البصري.. لغة السيناريو لغة الحياة، لغة كل شخصية وفق منطقها وأوضاعها الحياتية وبيئتها، إنها ليست لغة واحدة، هي لغات متعددة أقرب إلى عوالمنا المعاشة، وفي الحوار لابد من وجود صياغات أدبية، ولو كانت بالعامية، لجمالية الحوار، فما المانع أن نبتعد عن الكلام المنقول وعن الشارع والمتداول فيه، وأن نقدم مستويات متعددة للحوار، فأنا مع لغة محكية شريطة تجميلها.

فنحن نرسم اللغة بالمشهد الدرامي، كما نرسم المشهدية البصرية، أما تحول الرواية إلى عمل تلفزيوني، فهذا يتطلب جهداً كبيراً لتفعيل الحدث إلى صراع درامي ومشاهد بصرية، فيضطر الكاتب إلى إضافة أحداث جديدة، وإدخال شخصيات جديدة، وفرضيات قائمة على الأحداث، تتوافق مع منطق الرواية وهويتها.

أما الضوابط التي تحدّ من الخلاف بين المخرج والكاتب، فبرأيي أن العقد شريعة المتعاقدين، العقد يحدد حقوق وشروط كل طرف. في الواقع لم يحدث خلاف بيني وبين أحد المخرجين الذين تعاملتُ معهم، لكن أودُ أن أنوّه إلى أن الخلاف يكون بالمخيلة والرؤية، فمن المستحيل أن تتطابق مخيلة الكاتب مع رؤية المخرج، وهذا شيء عادي، والتعاون بينهما أفضل طريق لتحقيق النجاح ولمصلحة العمل. أما بشأن المعالج الدرامي الذي يُعتَمد من قبل شركات الإنتاج، فمن خلال ثقافتي أعرف أن في بعض الدول تتوزع الأدوار، الفكرة لكاتب، والحوار لكاتب، والسيناريو لكاتب، أما في بلدنا كاتب السيناريو يقوم بالعمل ككل!.. وربما تلجأ شركات الإنتاج للمعالج الدرامي لرفع سوية النص، إذا كان لا يتمتع بسوية فنية عالية، لكنه لا يستطيع أن يغير من الحوار، ومن روح النص وإعادة الصياغة، برأيي تنحصر مهمة المعالج بضبط المشاهد الدرامية، وأي تغيير بالنص يتم بمعرفة الكاتب وبموافقته.

دراما الغرب

وتفارق السينارست نور شيشكلي بالقول: ربما يكون رأيي مختلفاً عن رأي غيري من كتّاب السيناريو، ليس بالضرورة أن يكون كاتب السيناريو روائياً أو متمرساً بفنون الكتابة، المهم أن يمتلك الكثير من الصور التي لم يستمدها من الكتب، ولا من أقاصيص الجوار والأهل، لأنه ليس مؤرخاً، وإنما يستمدها من ثقافته الخاصة، ومن الاطلاع على دراما الآخرين، وتحديداً دراما الغرب، فمن الضروري أن نطلع على دراما العالم المحيط بنا.. لقد أصبحت لدينا صور مكررة ومملة، على سبيل الذكر المرأة الغاضبة تكسر المرآة، والخلاف بين زوجين يؤدي إلى صفعة قوية من الزوج على وجه الزوجة، والمرأة التي يموت زوجها تفكر بالانتحار،أو تستسلم لمرض نفسي، وبعض طلاب المدارس يدخنون بالخفاء، بالتأكيد الناس لا يفكرون بطريقة واحدة، وكل شخصية تفكر وفق منطقها، أين الصور الواقعية؟أين الرسائل التي يريد الكاتب أن يبثها للآخرين؟ أين الحكاية؟ أين الربط بين الخطوط الدرامية....أما فيما يتعلق بتحويل الرواية إلى سيناريو تلفزيوني، فأراه مشروعاً فاشلاً، لأن السيناريو قصة مكتوبة بالعامية، فيه خطوط وأحداث وعدة شخصيات... التلفزيون أكبر من الرواية، وليس بالضرورة أن يكتب الروائي السيناريو، ربما أحلام مستغانمي ذاتها لا تعرف أن تحوّل روايتها إلى سيناريو. أما فيما يتعلق بالخلاف بين المخرج والكاتب فيعود إلى القدرة التخييلية لدى الكاتب الذي يتخيل شخوصه وهو يكتب.

وبرأيي ليس مطلوباً من المخرج أن يكون منفذاً فقط.... لماذا يقولون إذاً رؤية إخراجية؟ لماذا تكريم المخرج أكبر من تكريم الكاتب؟..

لأنه حوّل الورق إلى شخصيات تتحرك، والأحداث إلى مشاهد بصرية.. الخلاف يقع حينما يغيّر المخرج تغييراً جذرياً يطال مصائر الشخصيات، على سبيل الذكر ما حدث في مسلسل الصندوق الأسود لرانيا بيطار، إذ غيّر المخرج في نهاية السيدة قدرية، مما دفع الكاتبة لأن تعترض، لابد من وجود صيغة تعاون مشتركة. أما فكرة وجود المعالج الدرامي فأنا ضد وجوده لأنه غريب عن النص، عن أفكاري، عن حواراتي، عن شخصياتي، عن روحي.. وباعتقادي لا يقبل أي كاتب بوجوده وتعديلاته، لأن ذلك يُحدث اختلافاً بالنسق الدرامي.. وأنا معجبة جداً بكتابة نجيب نصير، وببساطة مازن طه وبصوره التي يقدمها.