2013/06/21

 وزارة الثقافة ترفض تحويل الآثار إلى «استوديو» مسلسل «العبور» ممنوع من دخول قلعة فقرا
وزارة الثقافة ترفض تحويل الآثار إلى «استوديو» مسلسل «العبور» ممنوع من دخول قلعة فقرا


امين حمادة – السفير

في فيلم «أبي فوق الشجرة» (1969)، أدّى الفنان الراحل عبد الحليم حافظ أغنيته الخالدة «جانا الهوا» تحت أعمدة قلعة بعلبك، وجال مع الممثلة القديرة ناديا لطفي في ربوع لبنان. الفيلم الذي يحمل توقيع المخرج حسين كمال، مأخوذ عن قصة لإحسان عبد القدوس، لم تتضمّن الإشارة إلى لبنان مطلقاً. لكنّ السفر إلى بلاد الأرز أضيف على السيناريو، لدواعٍ تجارية وجماليّة ربما، ترتبط بصورة لبنان الستينيات، حين كان قِبْلة للسياح والفنانين. على الأرجح، لو كان وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال غابي ليون في موقع المسؤولية حينها، لما حطت رحال عبد الحليم في بعلبك، ولما كان حسين كمال صوّر المشاهد التي خلّدتها السينما المصريّة.

فقبل أيّام، رفض غابي ليون السماح للمخرجة السورية عبير اسبر، تصوير بعض مشاهد مسلسل «العبور»، داخل قلعة فقرا. سُمح لإسبر بالتصوير «خارج القلعة فقط»، بموجب تقرير المديرية العامة للآثار رقم 2233. وجاء في تعليل الرفض: «لما كانت الوزارة لا تسمح بإجراء أي تصوير داخل حرم المعالم الأثرية إلا بهدف إعداد تقارير وثائقية عن تلك المعالم، ولما كان المسلسل المنوي تصويره يخرج من الفئة المذكورة أعلاه، فإن «وزارة الثقافة ــ المديرية العامة للآثار» تبدي عدم موافقتها على تصوير مشاهد من المسلسل داخل حرم قلعة كفرذبيان».

يشرح الوزير ليّون لـ«السفير» دوافع ذلك القرار: «المواقع الأثرية في لبنان تعتبر قيمة وطنية كبرى يجب المحافظة على هالتها، ولا تعطى لأعمال تجارية ولو كانت فنية إلا إذا كانت وثائقية حول الموقع، أو تثبت قيمة وطنية، للمحافظة على هذه المواقع، تماماً كالمهرجانات الصيفية». كما يشير إلى «عدم انتقائية القرار»، إذ أنّه رفض السماح لبرنامج «لاقونا عالساحة» الذي تعرضه قناة Otv بالتصوير في موقع أثري، رغم أنه محسوب على الخط السياسي نفسه للمحطّة. لكنّ ليون يستدرك قائلاً إنّ «قرار الرفض أخذ بناءً على تقرير خبراء «المديرية العامة للآثار»، بناءً على تواصلهم مع القيمين على المسلسل». هذا ما تستغربه مخرجة العمل، قائلةً إنّ الوزارة لم تطلب نصّ المشاهد المراد تصويرها في القلعة أساساً.

يشارك في «العبور» عدد من أبرز نجوم الدراما مثل عباس النوري، وسلافة معمار، وبيار داغر، وجهاد سعد... وهو أوّل مسلسل خيال علمي عربي. وتقول المخرجة عبير إسبر إنّ ما سيصوّر من مشاهد في القلعة، «يحوي دلالة على الحضارة الإنسانية القديمة، ويحترم بالكامل المَعلم إنسانياً وثقافياً». وتؤكد إسبر أنّها أبلغت المعنيين استعدادها للموافقة على الشروط التي يرونها مناسبة للتصوير خلال يوم واحد فقط، لكنّ الرفض جاء حازماً.

شرط إثبات العمل «قيمة وطنيّة» الذي يطرحه الوزير غابي ليّون كمعيار للتصوير في معالم أثريّة، يطرح أسئلة عديدة. فمفهوم «القيمة الوطنيّة» يبقى مبهماً، ولا يمكن إخضاع الأعمال الفنيّة له بالمطلق. ومن يحدّد قيمة العمل الوطنيّة أساساً؟ وما الفرق بين التضييق على تصوير أعمال فنيّة، والحماية المبررة للمعالم الأثريّة من التخريب؟ ولماذا لا يتمّ وضع معايير واضحة لاستخدام المعالم الأثريّة كمواقع تصوير؟ الجواب لدى الوزير ليّون بسيط: «بيفلت الملقّ»! مشيراً إلى رفضه «استعمال المعالم الأثرية كاستوديو». لكنّ المواقع الأثرية العربية والعالمية كالأهرام، برج إيفل، قلعة تدمر، البتراء وغيرها، لطالما شكّلت مسرحاً للعديد من الأعمال الدرامية المتنوعة. وفي الوقت الذي تقدم فيه الدول تسهيلات للفنانين، وتبني استوديوهات ومدن إنتاجية من اجل استقطاب تنفيذ وتصوير الأعمال التلفزيونية فيها، يضيع لبنان فرص ثمينة.

أكثر من ثماني مسلسلات سورية صورت هذا العام في لبنان بميزانية تفوق عشرة ملايين دولار، لكنّ معظم منتجيها بدأوا يتململون من العقبات الرسمية. وفي هذا السياق يشير مدير الإنتاج في «العبور» محمد ياسر الجندي إلى ان ما يواجهه في لبنان من صعوبات، لم يواجهه من قبل في أي بلد عربي: «صورت في آثار المغرب ومصر والأردن وسوريا وغيرها، ولم ألاقِ إّلا كلّ الترحيب، عكس ما يحدث هنا». ومن جهتها تستنكر المخرجة اسبر بعض الطلبات الخيالية: «بعض البلديات تطلب مبلغ 15 ألف دولار كمقابل للتصوير الخارجي، لماذا لا أذهب إلى دبي وأصوّر مجاناً؟»

تظهر هذه الأرقام غياب الوعي الحكومي اللبناني للعلاقة العضويّة بين السياحة والثقافة الدراما. على سبيل المثال، تحوّل القصر الذي صوّر فيه مسلسل «نور» التركي، إلى أحد أهمّ المحطّات التي يقصدها السيّاح العرب في تركيا، وتحوّل إلى مكان لعقد زفاف بعض الميسورين منهم. حتى أنّ المستشار الثقافي في الملحقيّة الثقافية التركيّة في الرياض صالح أوزار، أكّد في تصريحات له أنّ تأثير نور ومهند رفع عدد السياح السعوديين الوافدين إلى تركيا من 30 ألف في العام 2007، إلى أكثر من 100 ألف في العام 2008. فلماذا لا يتم الاعتماد على الدراما اللبنانية أو العربية المصورة في لبنان، لدعم القطاع السياحي والثقافي؟