2012/07/04

«ولد وبنت».. شباب ضائع في فراغ عاطفي
«ولد وبنت».. شباب ضائع في فراغ عاطفي

5حواس - البيان مع التقدم السريع للمجتمعات في مجالات الحياة العملية كافة، تتغير تدريجياً المفاهيم الإنسانية بين الناس، ويزداد إيقاعها سرعة، حتى تكاد المشاعر تفلت من يد الكثيرين، وتحولهم إلى ما يشبه الآلات، ولكن في ظل هذا التطور وتقدم الفكر الإنساني، هل يوجد ما يسمى «تطور المشاعر التلقائية» التي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات؟ فالحب والرومانسية هما أكثر المشاعر التي كرّم الله بها الإنسان دون الحيوان، والتي بدأت تتغير مفاهيمها، وتختلف مفرداتها ومعانيها ضمن موجة التطوير والحداثة، حتى فقدت شكلها، وضاع إحساسها البريء، في ظل عولمة المشاعر والرومانسية. ويمكن أن نرصد مراحل تطورها من خلال اللغة عبر الأدب أو السينما على سبيل المثال. فيلم «ولد وبنت» هو العمل الأول لمعظم طاقم الفيلم، في مقدمتهم المخرج كريم العدل، الذي تخرج في المعهد العالي للسينما حديثاً، ويبدو أن وجوده ضمن طاقم عمل شديد التأثير في السوق السينمائي المصري، وهو «العدل غروب»، أعطاه فرصة كبيرة للانطلاقة الأولى من خلال سيناريو المؤلفة علا عز الدين، وهو أيضًا عملها الروائي الطويل الأول في السينما، وبمصاحبة فريق من الممثلين الهواة للوقوف أمام الكاميرا، وهم أحمد داود، مريم حسن، وآية حميدة. صنف البعض من صُناع الفيلم عملهم الأول هذا على أنه ينتمي للسينما الرومانسية الضائعة بين هذا الجيل الجديد من الشباب؛ حيث إيقاع الحياة السريع، وهموم ومشكلات لا نهاية لها؛ إذاً فكل ما جاء في هذا الفيلم يحمل وجهة نظر صانعية حول مفهوم الرومانسية الحالية في القرن الواحد والعشرين؛ والتي لمسنا تغير مفرداتها عن الرومانسية المعتادة على مسامعنا، حتى إنها تفقدنا الأمل في عودة الرومانسية إلى السينما المصرية. إذا كانت جميعها تحمل هذا الشكل الفني الهزلي في التعبير عن الرومانسية؛ فهل الرومانسية تعني الأنانية في الحب، والتي تمثلت في شخصية البطلة «شهد»؟؛ أم أنها تعني الإذلال في الحب والتي عكسها بقوة مفرطة «سامح» بطل الفيلم؟، أو ربما هذه هي الرومانسية الحديثة للقرن الجديد!. يعيدنا الفيلم عن طريق «الفلاش باك» إلى قصة طفلين يلتقيان مصادفة داخل أحد محال الملابس، ودون أدنى معرفة مسبقة؛ فيتبادلان النظرات غير البريئة لطفلين لم يتجاوز عمرهما السنوات السبع؛ حيث تبدأ المفارقة بين معاملة الأب لابنته، ودلاله المبالغ فيه لها أمام قسوة المربية على الولد الذي تصطحبه في يديها؛ ويفترق الصغيران على أن يجتمعا مرة أخرى في ساحة المدرسة. وتنشأ بينهما علاقة طفولية لا تمت للحب بصلة، وإذا تداركنا تصرفات الشخصيات أثناء مرحلة الطفولة والمراهقة على أن الموضوع بأكمله «لعب عيال» يبحث كل طرف فيه عن شيء مفقود في حياته الأخرى داخل جدران البيت؛ فالبطلة «شهد» ابنة لكاتب وأديب مشهور يتخذ من حبه لابنته مادة في أعماله الأدبية، التي ينعتها بعض النقاد أنها تخاطب حب الجسد والشهوة عند الرجال عنها من أنها تخاطب الحب البريء. ويحاول المخرج أن يبرز للمشاهد العلاقة القوية بين شهد ووالدها، والتي تصل إلى حد تشبيهها بعقدة «اليكترا» من شدة التواصل بينهما، والذي يتسبب في وجود فراغ كبير في علاقة «شهد» مع والدتها «سوسن بدر»، وتكون هذه الفجوة أكثر عمقاً بعد وفاة والد «شهد»، والتي تتفاجأ أثناء وجودها داخل قاعة الامتحان بالمراقب يستدرجها خارجها ليصدمها بخبر وفاة والدها. فتختفي بعدها «شهد» من أحداث الفيلم لهروبها من حزنها إلى الدراسة خارج مصر، وتترك سامح دون أن تترك له كلمة أو رسالة؛ وتتزوج أمها، ويسترسل سامح في حياته، وينهي دراسته بمصاحبة صديقتهما المشتركة التي تحبه في الخفاء، وتنبذ أفعال «شهد» المحبطة لحب سامح. أما سامح فهو أيضًا لديه نفور من والدته التي تعمل طبيبة لأمراض النساء، والتي تكرس حياتها ووقتها كاملاً لعملها، وتترك ابنها بين يدي المربية القاسية؛ فيهرب سامح بحثاً عن حنان الأمومة المفقود في حياته. ويلجأ إلى والدة «شهد»؛ ليبقى بجانبها حتى تعود «شهد»، والتي تلقي بالأزهار في وجه سامح بعد غياب سنوات؛ ثم بعد بضع مشاهد تلقي بنفسها بين أحضانه عندما تحتاج لمن يملأ لها فراغ حياتها المبعثرة، وليس حباً فيه.. لم نشعر ولو للحظة واحدة بأن «شهد» تحمل في جوفها أي مشاعر إيجابية تجاه سامح؛ لكنها أشبه بـ «كرة ثلج» باردة متدحرجة من فوق قمة جبل تصدم كل من يعترض طريقها. الأنانية والبرود واللامبالاة من جانب البطلة، والسلبية والغباء من جانب البطل الذي تتواصل عاطفته في الاندفاع نحو الفتاة التي تحبطه دائماً وتحاول الابتعاد عنه، كانت الصفات الأكثر سيطرة على قصة الفيلم، فلم نجد أي موقف يمكن تصنيف الفيلم من خلاله على أنه فيلم رومانسي، سوى أن سامحاً يرسل رسالة غرامية لشهد تحمل أجمل معاني الرومانسية، فترد عليه «طظ فيك». ويقوم بمواعدتها أمام السينما فتتخلى عن الموعد، أو أن يحاول سامح تقبيلها لكنها تستاء منه وتنصرف عنه، ليس خجلاً - فهي لم تبد فتاة خجولة على الإطلاق - بل استنفارًا، وربما اشمئزازًا منه، وتنساق وراء رغباتها بدخول عالم الأزياء الذي يرفضه سامح. فتضرب به وبحديثه عرض الحائط، وتعاود التردد عليه والاحتماء به، وتقبل في الليل الزواج به، وتهرب منه في الصباح، وتصارحه أنها لا تريد الزواج من أحد لكرهها غير المنطقي لعلاقة أبيها مع أمها، ولكرهها أيضاً للاثنين معاً، لكن متى ولماذا كانت تكره أبيها؟... سؤال لم تجب عنه مؤلفة الفيلم نهائياً؛ فهل هذه حدود الرومانسية التي اجتاحت إحساس الشباب من الجيل الجديد - حسب وجهة نظر مؤلفة الفيلم-؟ فكيف يكون الكره إذاً؟. لم يكن خلل السيناريو وحده هو العامل الأساسي في شتات الصورة، ولكن نضيف إليه أداء الممثلين أمام الكاميرا؛ حيث بدا على وجههم الرهبة الكبيرة منها، والتي لم يجففها المخرج بتوجيه وجوه الممثلين مطموسة الانفعال، ولا بمعادلة الإلقاء الذي يخرج من أفواههم، وكأنهم يقرؤون السيناريو على الحضور من خلف الشاشة. اسم الفيلم: ولد وبنت تأليف: علا عز الدين بطولة: أحمد داود، مريم حسن، آية حميدة، سوسن بدر، سامي العدل إخراج: كريم العدل إنتاج: العدل جروب توزيع: الشركة العربية للإنتاج والتوزيع سنة العرض: 2010