2012/07/04

“صراع العمالقة” الأول هزم التقنيات
“صراع العمالقة” الأول هزم التقنيات

الخليج ليس صعباً على الإطلاق تجاوز مستوى فيلم “صراع العمالقة” كما أخرجه سنة 1981 البريطاني دزموند ديفيز، فالسيناريو في ذلك الفيلم حواري في كل مشهد ولم يكن يحتوي على خدعة سينمائية، والمعالجة تترنّح بسبب تمثيل لا جهد فيه، والتطور الحدثي مسطّح بحيث أن ما يشد المرء الى الفيلم هو براعة مصمم ومنفّذ الدمى المتحركة راي هاريهاوزن . الفيلم من دون تلك الدمى المستخدمة بطريقة “ستوب-موشن أنيماشن” لا يساوي شيئاً .   كل ما تحتاجه “هوليوود” لتحقيق فيلم أفضل منه هو سيناريو متكامل وتنفيذ إخراجي جيّد يؤمّن الدراما الناتجة عن المواقف الشخصية ويمزج مكنوناتها بالحكاية الفانتازية التي تتخذ من أساطير اليونان الأولى منطلقاً لها . هذا ليس كثيراً، لكنه غير موجود في إعادة الصنع التي أقدم عليها المخرج لويس لتريير، ذاك الذي قدّم فيلماً متوسط النجاح والقيمة بعنوان “العملاق العجيب” قبل ثلاث سنوات .   لكن شركة مترو غولدوين ماير، صاحبة حقوق النسخة السابقة، قررت أنها بامكانيات اليوم التقنية تستطيع إنجاز فيلم أفضل . وكان من الممكن لها أن تفعل لولا أن السيناريو المكتوب هو أكثر تعقيداً مما يستطيع المشروع أن يستوعبه من حيث عدم اكتفائه بالعودة الى الأساطير اليونانية وصراع الإلهات فيها، بل محاولة الانتقال بالخدع والمعالجة الى مفاهيم العصر الحاضر وبذلك القضاء على القيمة الميثالوجية والتاريخية الماثلة في الأصل .   إنها قصّة بيرسيوس (سام وورثنغتون، بطل “أفاتار” هنا في تشخيص ذي نبرة واحدة طيلة الوقت) الشاب الذي يعيش في كنف صيّاد طيّب (بيت بوستلوايت) وزوجته الأكثر طيبة (إليزابث مكغوفرن) غير مدرك أن والده الحقيقي، زيوس (ليام نيسون) لا يزال على قيد الحياة . حين تقوم الإلهة بقتل الصيّاد، يقرر بيرسيوس الانتقام مصطفّاً الى جانب الآدميين في حرب تبدو غير متوازنة بين الآلهات ووحوشها ومخلوقاتها الخرافية، وبين الناس العاديين علماً بأن بيرسيوس، في الأساس، هو نصف آلهة ونصف بشر . خلال حملته لإنقاذ مدينة أرغو من الدمار على ايدي أعدائها يتولّى إنقاذ الفتاة الجميلة التي تحمل اسماً يشبه أسماء الشركات التجارية: أندروميديا (وتقوم بدورها الجديدة أليكسا دافالوس) .   الميثالوجيا الإغريقية ثرية وغنية بالمواقف الأخلاقية والفكرة العميقة هنا تحتوي على العديد منها: هنا مثلاً نجد أن والد بيرسيوس الحقيقي اعتدى على امرأة أنجبته، وأن الصياد وزوجته وجداه طفلاً صغيراً طافياً على سطح الماء فتبنّياه . ثم أن البشر فجأة ما قرروا عدم تنفيذ أوامر الإلهات مما أثار غضبها فقررت إطلاق وحوشها على مدن الإنسان لتدميرها وتعليم البشر درساً لن ينسوه . طريقة تنفيذ الفيلم، تلك الغارقة في محاولات تبسيط كل شيء محكي وتعقيد كل شيء بصري، تجعل الفيلم يبدو كما لو كان مجتزأ من أفلام وشخصيات أخرى: البطل ذو النصفين المتصارعين يبدو قادماً من الشخصية التي لعبها وسلي سنايبس في سلسلة “بلايد”، لكنه كان هناك نصف بشر ونصف مصاص دماء . مفارقة الصياد والزوجة اللذين وجدا الطفل في سلّة مأخوذة من قصّة سيدنا يوسف، والنصف الثاني منها مأخوذ من مطلع فيلم سوبرمان حين يجد المزارعين الطيّبين (غلن فورد وفيليس تاكستر) الطفل الخارق الخ . . أما ما له علاقة بالفيلم الأصلي فهو الخط الأصلي من الحكاية الذي إذا لم تكن شاهدته من قبل في نسخة 1981 فإنه لن يعني الكثير ولن يكون -من فرط هزله- حافزاً لمشاهدة الأصل ولو من باب المقارنة . الفيلم بحاجة الى رحلة، والرحلة قوامها بطل الفيلم ومجموعة من المحاربين الشجعان الذين سيقفون معه ضد الوحوش المختلفة . المشكلة هنا ذات رؤوس متعددة (تماماً كأحد الوحوش التي نراها) وأحد تلك الرؤوس أن جميع المحاربين متشابهون تحت قناع من الشعر الطويل وأنهم لا يفعلون سوى الحديث هنا والقتال هناك وبالطبع ليس هناك من هو أفضل متحدّثاً ومقاتلاً من بطل الفيلم .   وحوش الفيلم السابق تنتمي الى عصر ما قبل “الديجيتال” حين كان المصمم يصنع دمية من طين ثم يحرّكها بمقدار سنتمتر او أقل ليلتقط صورة ثم يحرّكها مجدداً ليلتقط صورة أخرى وبعد أشهر يصبح لديه فيلم متحرك لها . إذا ما شاهدت ذلك الفيلم ستكتشف أنه بمقارنة الأدوات والأساليب، فإن وحوش راي هاريهاوزن أفضل من وحوش عصر الديجيتال .