2012/07/04

السينما بعد خمسين عاماً السينما سنة 2000
السينما بعد خمسين عاماً السينما سنة 2000

السينما بعد خمسين عاماً

السينما سنة 2000

بقلم: أنور أحمد


خمسون عاما إنه لعمر طويل في حساب السينما. فإذا عرفنا أن عمرها في مصر لا يجاوز ثلاثة وعشرين عاماً، أدركت أنها بعد خمسين عاماً أخرى تكون قد سلخت أكثر من ضعف عمرها الحالي.

ترى كيف يكون حالها في ذلك الوقت وقد نيفت على السبعين؟

هل نستطيع أن نخترق حجب المستقبل لنستكشف من ورائها لما ستكون عليه؟

إن السينما قد خضعت خلال عمرها الماضي القصير لتطور سريع حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.

والسينما مزيج من الصناعة والفن. وقد كان تطور صناعتها سريعاً شاملاً يشبه الانقلاب. فسمعنا الأفلام الناطقة، ورأينا تجارب الأفلام المجسمة التي تحاول أن تتغلب على طبيعة الصورة العادية، فتجسم المرئيات، كما رأينا الأفلام الطبيعية الملونة. وشمل التطور كذلك موضوعاتها وأهدافها ووسائلها الفنية.

ولما كان المستقبل امتداداً للماضي والحاضر، فلا شك أن هذا التطور سيستمر ويتصل، وإن كنا نعتقد أنه لن يكون بنسبة ما حدث في الماضي، بعد أن تكونت للسينما مقوماتها، ووصلت إلى ما وصلت إليه من الإتقان والقدرة على التعبير عن الحياة. ولا شك أن السينما المصرية ستتأثر بكل تطور وتغيير في السينما العالمية، وستأخذ عنها ما تصل إليه من اختراعات، وتقبس ما تحققه من تحسين في الوسائل الآلية والفنية.

إني لأغمض عينيَ، وأقفز بخاطري خمسين عاماً إلى الأمام، ثم أفتحهما على عالم السينما في مصر فأرى عجباً من العجب!


ما هذه المنشآت الكثيرة المتشابهة التي تتناثر على جانبي الطريق المؤدي إلى الأهرام؟

إنها استوديوهات السينما قد تجمعت في هذه الناحية، تحيط بها المنازل الأنيقة التي أنشأها الكواكب والنجوم ليقيموا بها بعيداً عن زحمة المدينة وضجيجها.

هذه هي مدينة السينما. هذه هي هوليوود الجديدة. هوليوود الشرق!

تعال نتسلل إلى أحد هذه الاستوديوهات لنرى ماذا يصنعون. إنهم يخرجون فيلماً تاريخياً ملوناً وقعت حوادثه في عهد محمد علي الكبير. وهم لا يقتصرون كما ترى على إخراجه ناطقاً بالعربية، بل يعدون منه نسخة بالانجليزية للتوزيع العالمي، فلا يكاد المخرج ينتهي من تسجيل المشهد باللغة العربية حتى يسجله مرة أخرى بالانجليزية بوساطة الممثلين والممثلات أنفسهم.

ولا عجب، فإن هؤلاء الفنانين المصريين مثقفون ثقافة عالية، ويجيدون التحدث بالفرنسية والانجليزية في طلاقة تامة!

وهل ترى هذه الفتاة التي تقوم بالدور الأول في الفيلم؟ أتعرف من هي؟ إنها ابنة وزير سابق، وقد عملت ممثلة بموافقة أبيها الباشا..!

إن الأفكار قد تغيرت وتطورت خلال خمسين عاماً.. إننا في سنة 2000.

وحسبك الآن ما شاهدت في الأستوديو وتعال معي نهبط إلى القاهرة.

انظر...! ما أعظم ما تغير كل شيء في العاصمة! ولكننا نريد أن نقصر جولتنا على دور السينما، فلنبدأ بهذه الدار التي تتلألأ على واجهتها الأنوار الكهربائية معلنة عن فيلم مصري جديد. إن هذه الدار الفخمة، ذات المقاعد الوثيرة، والهواء المكيف، نموذج لكل الدور الأخرى، فقد اختفت دور الدرجة الثانية والثالثة، لأن جمهورها قد اختفى وانقرض.

والآن هيا ندخل الدار لعلك تلاحظ أن الجمهور يدخل بنظام وهدوء، وقد اختفت الأزياء الغربية المتنافرة التي كنت تراها عند عرض فيلم مصري. الكل هنا يرتدي الملابس الإفرنجية، ويجلس في هدوء لا تعكره (قزقزة اللب)، ولا تقطعه الصيحات المنكرة والضحكات المجلجلة.

-         لقد أطفئت الأنوار وبدأ العرض..

هذا فيلم قصير ملون من أفلام الرسوم المتحركة، يقدم شخصيات مصرية وشرقية ومبتكرات محلية، وقد صنعته أيد مصرية!

وهذه جريدة سينمائية مصرية تقدم لنا أهم الأحداث التي وقعت في جميع أنحاء العالم خلال الأسبوع. إن مندوبيها المصورين المنتشرين في أقطار الأرض يوافونها بالأخبار المصورة عند وقوعها!

وهذا هو الفيلم الكبير في نسخته العربية. إنه كما ترى فيلم فرعوني يجلو لنا صفحات من تاريخ مصر القديم، ولكننا لن نشهده حتى النهاية لأننا نريد أن نتم جولتنا في الدور الأخرى.

هل كان حلماً ما رأينا؟


كلا بلا مراء. فلا شك أننا كنا نرى بعين الخيال صوراً لما ستكون عليه السينما في مصر بعد خمسين عاماً. سيكون عندنا استوديوهات قد استكملت كل الوسائل الفنية المستحدثة.

وستختفي إلى الأبد الأفلام التافهة التي لا حظ لها من الفن الرفيع، وسيكون الإنتاج السينمائي نظيفاً يستهدف الفن وحده. ففي ذلك الوقت ظل الأمية قد انحسر عن هذه البلاد، وانتشر التعليم وارتفع مستوى الثقافة، ووجد جيل جديد مثقف، يفهم الآثار الفنية ويتذوقها ويميز بينها. وهكذا يتكون ذوق فني عام رشيد.

ومتى تكون هذا الذوق الفني العام فقد حلت كل المشاكل التي تشكو منها الآن، لأن هذا الجمهور المثقف لن يقبل إلا على العمل الفني الرفيع. وبذلك تصدق الفكرة القائلة بأن المتفرج هو الذي يخلق الممثل ويوجه العمل الفني.

ومن المحقق أنه لن يكون لصناعة السينما في أي بلد أمل في مستقبل زاهر إذا بقيت أفلامها محصورة داخل حدودها، لأنها لا تستطيع بهذا العرض المحلي أن تغطي نفقات الأفلام الكبيرة، أو تحقق الربح المنشود. ولهذا أعتقد أن أفلامنا سنة 2000 ستكون قد شقت طريقها إلى التوزيع العالمي في أوربا وأمريكا، وسنرى الأفلام المصرية وقد صنعت منها نسخ بالانجليزية والفرنسية في الوقت الذي تصنع فيه النسخة العربية، وبوساطة الفنانين المصريين الذين سيراعى في اختيارهم إجادتهم التحدث بهذه اللغات الحية.

وما دامت أفلامنا قد عرفت طريقها إلى دور العرض في أوربا وأمريكا، فلا شك أن هوليوود التي ستبقى دائماً عاصمة السينما في العالم، ستحاول اجتذاب بعضهم للعمل في أفلامها، كعادتها في اجتذاب النابغين من جميع الأجناس، وهكذا سنرى في هوليوود، وفي الأفلام الأمريكية، ممثلين وممثلات مصريين، يحتلون نفس المكانة التي تحتلها الآن (أنجريد برجمان) السويدية، و(شارل بواييه) الفرنسي.

وليس في هذا القول إغراق في الخيال، فإن في مصر نبوغاً لو كشف عنه الحجاب، لأتى بالعجب العجاب. ولكنه نبوغ لا يزال يحجبه العرف وتصرفه التقاليد عن الاشتغال بالتمثيل. ولكن العالم يجري مسرعاً نحو التحرر من هذه الأوهام، وها نحن أولاء نرى ابنة المستر تشرشل تحترف التمثيل، وابنة المستر ترومان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية تشتغل مطربة تطرب الجمهور في المسارح والأندية الليلية. وسنرى في أفلامنا سنة 2000 من الفنانين أولاد الزعماء والوزراء من يفخر به أبوه، ويتحدث العالم بنبوغه في دنيا الفنون.

أما موضوعات الأفلام وقصصها فإنها ستتحرر من كل القيود التي تغلها في هذه الأيام، سنرى أفلاماً عن الثورة الكبرى سنة 1919، وسنشاهد على الستار الفضي سيرة مصطفى كامل وسعد زغلول وغيرهما من عظماء تاريخنا في مصر والشرق. وسيتاح لنا أن نخرج أفلاماً تجري حوادثها في الغابات والأحراش التي تغطي القسم الجنوبي من الدولة المصرية، لأن السودان سيكون جزءاً من دولة وادي النيل.


هذه هي الخطوط الرئيسية للسينما في مصر بعد خمسين عاماً، أما الصورة الكاملة لها فلن يتاح لنا أن نراها. وإنما يراها أولادنا وأحفادنا ومن قدر لهم أن يعيشوا في سنة 2000.

السينما في الغرب


في سنة 2000 تكون السينما قد احتفلت منذ سنين بالعيد الذهبي لمرور مائة سنة على إنشائها. وتكون قد حققت جميع الأماني التي تحاول تحقيقها الآن، وحققت فوقها أماني لم تخطر بعد لأحد على بال!

لن تكون هناك شاشات لها حدود لعرض الأفلام أمام الجمهور، بل ستكون شاشة العرض دائرية تبدو مشاهدها أمام المتفرج وعن يمينه ويساره فيحس أنه يعيش في حوادثها وبين القائمين بها.

على أن بعض الشركات لن تكتفي بذلك، وستعمد إلى الاستغناء عن دور العرض وشاشاتها، بسحابة بيضاء تنفثها بعض الطائرات في الفضاء، ثم تلقي عليها مشاهد الفيلم بوساطة جهاز خاص من أعلى عمارة قريبة!

وسيأبى المخرجون إلا أن يشارك المتفرج في الإحساسات والمشاعر التي تعتمل في نفوس من يشاهدهم في الفيلم. فإذا كانوا – مثلاً – في زورق تعبث به الريح أو في طائرة تتأرجح في الهواء شعر بكرسيه يهتز تحته ويميل تبعاً لذلك. أو شعر بالحرارة تنبعث منه إلى جسمه، إن كان المشهد الذي يراه لحريق!

وسوف لا يكتفي بتجسيم المناظر ليراها المتفرج كما يراها في الحياة. ولكنه بجانب ذلك سيشم رائحة الشيء الذي يشاهده إذا كانت له رائحة خاصة مثل الأزهار والورود الطبيعية، والعطور، وبخار البحر المشبع باليود، والبارود!.

وستعم السينما اللاسلكية، فيكون في البيوت بجانب أجهزة الراديو والتلفزيون، أجهزة مماثلة لعرض ما شاء أصحاب المنزل أن يشاهدوه في الأفلام التي تعرض وقتئذ في أي مكان. دون أن يكلفهم هذا أكثر من إدارة مفتاح في جهاز السينما.

وستكون هناك مفاتيح أخرى في هذا الجهاز يكفي تحريك أحدها ليتحول الفيلم المعروض الناطق بالانجليزية أو الفرنسية – مثلاً – إلى فيلم ناطق بالعربية!

وستحقق السينما قبل سنة 2000 ما عجز العلماء عن تحقيقه حتى الآن من الاتصال بالمريخ والعديد من الكواكب.. فبوساطة الكشاف التلسكوبي الذي يلحق بآلة التصوير السينمائية، يمكن تصوير ما يجري على سطح  أي كوكب من هذه الكواكب. كما يمكن تسجيل الأصوات التي تصاحب هذه المشاهد المصورة، بوساطة سماعة خاصة تلحق بآلة التصوير أيضاً. وستكون هناك آلات حديثة خاصة تستطيع أن تعرض هذه المشاهد على أي بعد، فتعرضها من الشرق ليراها أهل الغرب، وبالعكس.

وتعرضها على الفضاء الواقع أمام الكوكب الذي جرت فوقه، فيشاهدها أهلوه!

وستكون السينما في مقدمة الوسائل التي تستخدم لمكافحة الجرائم والمؤامرات وما إليها. فإذا جيء إلى المحقق – مثلاً – بأحد المتهمين بارتكاب جريمة قتل أو سرقة، فيكفي أن يجلس المتهم في مكان الجريمة أو يعرض أمامه منظر هذا المكان، ثم يدار في الوقت نفسه جهاز خاص فيسجل على لوحة فيه جميع أنواع التأثير التي تبدو في أعماق نفس المتهم.

ولن تكون هناك حاجة لإقامة الديكورات الهائلة التي تتكلف إقامتها نفقات باهظة، بل سيكتفي برسم صورة بالألوان الطبيعية للمنظر المطلوب ثم تصور بطريقة التجسم، وتعكس بوساطة فوانيس سحرية خاصة على شاشات بيضاء تقام بالاستديو بدلاً من ذلك المنظر، بينما توزع الأضواء بما يعاون على تجسم ما تضمنته الصورة من قطع الأثاث والستائر والتحف وغيرها، فتبدو وكأنها حقيقية؟ وتوفر بجانب النفقات الباهظة لإقامة الديكور، كثيراً من وقت السينمائيين الثمين!

وسوف يستغنى عن الماكياج عند القيام بتمثيل أكثر الأدوار، اكتفاء بتوزيع الأضواء بطريقة خاصة على وجه الممثل أو الممثلة لإزالة أي عيب يخشى ظهوره في صورته. كما أن عدسة آلة التصوير نفسها ستصنع بطريقة تعاون على إخفاء كل ما في الوجه من عيوب.

وأخيراً ستكون هناك هيئة دولية في سنة 2000 لتخليد ذكرى أبطال السينما، وتخصيص مقبرة فخمة (بانثيون) تضم رفات عظمائهم الراحلين. كما سيقام مهرجان دولي للسينما كل سنة يشترك فيه مندوبون عن المشتغلين بها في جميع أنحاء العالم تعرض فيه أحسن أفلام السنة الماضية ويمنح أصحابها جوائز مالية كبيرة.

الهلال 1950