2012/07/04
ماهر منصور - السفير
حكاية حب بين أمجد وعزة، تستعيد زمناً رومانسياً جميلاً، كدنا نفتقده في ظل السوداوية والقسوة التي باتت سمة مميزة للدراما السورية خلال الأعوام الأخيرة، تلك هي فضيلة مسلسل «الغفران» للكاتب حسن سامي يوسف. وعند حدود الدعوة للغفران والتسامح، والبحث عن عذر لمن أخطأ معنا، ولا سيما إن كنا نحبه، تنتهي مقولة العمل الرئيسية، لتبقى مقولاته الأخرى أضعف من أن تثبت حضورها.
حكاية الحب التي تقدّم نفسها على نحو ساحر وجاذب في القسم الأول من المسلسل، سرعان ما تمضي نحو خواتيمها بإيقاع بطيء، فيما تخالطها حكايات فرعية تمضي هي الأخرى صوب نهايتها على نحو متعجل أو مرتبك، وإن بلغت نهايتها من دون مبرر درامي مقنع. فشخصية الأستاذ (قيس الشيخ نجيب)، قُدمت بوصفها شخصية لشاب واع وواقعي وصاحب كرامة وكبرياء، لدرجة أنه رفض أن يكون رقماً ثانياً في حياة الفتاة الثرية التي أحبت قبله ممثلاً. إلا أن الأستاذ نفسه ينساق في الوقت ذاته خلف عزة (سلافة معمار) المتزوجة من أمجد (باسل خياط) ليطالبها بقصة حب وارتباط مع تجاوز مسألة الخيانة الزوجية وربما طلاق محتمل، فإذا جاء موقف عزة من هذه العلاقة نتيجة تأزم علاقتها مع أمجد ولحظة ضعف أمام الأستاذ، فأي مبرر درامي لحال هذا الأخير؟
الأمر يزداد غرابة حين تأتي العلاقة العـابرة بين عزة والأستاذ بعد لقاءين أو ثلاثة بينهما فقط، وعلى نحو مغاير لطبيعة شخصيتهما كما قدّمهما المسلسل، وكان من الممكن تجاوز المشكلة، باللعب على عامل الوقت الذي يجمعهما، عبر تقطيع مونتاجي سريع للقاءات تجمعهما، إلا أن ذلك لم يحدث. وتزداد حكاية الأستاذ تناقضاً حين يخرج أخيراً من علاقة حبه لعزة بالزواج من الفتاة الثرية (تاج حيدر) في استجابة للأمر الواقع، لا إحياء لحب قديم اختزنه بقلبه لتلك الفتاة!
في «الغفران» أيضاً تظهر حكاية حب سريعة بين مهندس (شادي مقرش) وأخت أمجد (نجلاء الخمري)، تمـضي وتتشعب فقط لتجد مبرراً درامياً لوجود حكاية أخرى، بطلها المهندس الذي يواجه محاولة فساد في عمله من قبل أحد النافذين في قطاع البناء، وسرعـان ما يدفع ضريبــة عناده في مواجهة الفساد، فيُقتل في ليلة زفافه من قبل رجال هذا النافذ.
لا يمكن بالضبط أن نخمن ما الذي يريد أن يقوله المسلسل من خلال هذه الحكاية، ولو أننا سلمنا برسالة درامية سامية تستهدف الفساد، نسأل انه فيما لو تم إلغاء حكاية الحب بين المهندس وأخت أمجد، فهل كانت ستتأثر حكاية الفساد هذه؟ والعكس صحيح. وبالتسليم بنهاية هذه الحكاية الفجائعية، ألا يتشابه موت المهندس يوم زفافه سواء أكان بحادثة قتل أم عبر حادث سير؟ أليس الأمر سيان قياساً الى الشكل التي مضت فيه الأحداث فيما بعد؟
بمقدار ما تفتقد الشخصيات السابقة مبرراتها المقنعة، تبدو شخصيات أخرى في المسلسل غنية لم تستثمر. الشخصية التي قدمها الفنان رامي حنا مؤهلة لأن تكون جزءاً من حكاية مثيرة (حكاية حب ربما)، تمضي بقوة إلى جانب حكاية أمجد وعزة.
الغريب وسط أحداث المسلسل مشهدان لا نعرف ما مبررهما الدرامي، وتظهر عبرهما أم أمجد مديرة المدرسة، تقف بشموخ في الطابور الصباحي لطلاب مدرستها، بينما يردّد هؤلاء النشيد الوطني.
وبنظرة موجزة، وقياساً الى سحر تفاصيل حكاية الحب بين عزة وأمجد وما يتفرع منها، ربما كان من الأجدى أن يقدم نص «الغفران» في شريط سينمائي، لا في مسلسل تلفزيوني من ثلاثين حلقة.
مع «الغفران» يعود حاتم علي إلى الدراما الإجتماعية، فيقدم رؤاه الإخراجية بحرفة المعلم. فتأتي رؤاه بسيطة وعميقة في آن معاً، ولا سيما لجهة تعامله مع عازف البيانو الذي سرعان ما نكتشف تأثيره في الأحداث، وظهوره الموقت والمتلازم مع حدوث تأزم ما في حكاية أمجد وعزة. ويحسب لحاتم علي مغامرته بترك مساحات كثيرة في العمل دون موسيقى تصويرية، في محاولة ربما للدعوة للإصغاء لموسيقى حكاية الحب الداخلية.