2012/07/04
(سانا)
تشكل الأفلام القصيرة في سوريا بالدرجة الأولى مهرباً للسينمائيين من انتظار رعاية وإنتاج أفلامهم الروائية الطويلة، على اعتبار أن الإنتاج السينمائي شبه مقتصر على القطاع العام الذي يقدم عدة أفلام سنوياً ولا يتسع لجميع التجارب وبالتالي فإن السينما القصيرة بتكاليفها المحدودة والتي من الممكن أن تقوم على جهود ذاتية من المخرج نفسه تشكل مجالاً جديداً للإبداع يتبدى عاماً بعد عام وينبئ بمواهب سينمائية هامة.
وعند القول إن السينما القصيرة هي مهرب فان ذلك يحد من كونها فناً قائماً بذاته يمكن العمل ضمنه كحرفة مختصة معزولة عن السينما الطويلة، فالموهبة السينمائية في السينما القصيرة بإمكانها النضوج ومواكبة الحركة السينمائية العالمية من خلال الفيلم القصير إلا أن اتجاه الكثيرين من الشباب نحو السينما الروائية وهروبهم مما أنتجوه من أفلام قصيرة يدلنا على أنهم يتجهون نحو خوض مجال السينما الروائية باعتبارها الأكثر حضوراً.
ومن ميزات الأفلام القصيرة في سوريا أن اغلبها تعتريه مشكلات فنية أو يقع في شرك منهجية البرامج التلفزيونية أو على الأقل هذا ما يصل من خلال السينما القصيرة التي يتم عرضها جماهيرياً وهذا يعود إلى عدم حرفية القائمين على هذه الأفلام لعدم دراستهم للسينما بشكل عام نتيجة عدم توفر هذا التخصص في سوريا ومن جانب آخر لأن هذه التجارب هي في أغلبها تجارب شابة قائمة على ما ينفقه الشباب من ممتلكاتهم الخاصة لإنتاج أفلامهم بأنفسهم.
ونتيجة لبروز ظاهرة الفيلم القصير في سوريا أصبح لهذا الفيلم مكان ومسابقة في مهرجان دمشق السينمائي الدولي وهو ما أدى بالدرجة الأولى إلى تعميم هذه التجربة وعرضها جماهيرياً من خلال عروض سينمائية مخصصة للأفلام القصيرة أدت إلى اطلاع جمهور المهرجان على هذه التجارب وتحسين نوعيتها بالتراكم كي لا تبقى حبيسة ذواكر كومبيوترات مخرجيها.
ويرى المخرج السينمائي أيهم ديب أن هناك خلطاً في ما يخص صناعة الفيلم، مرده في الأساس عدم نضج الوسط الذي يتداول هذه الصناعة إنتاجا أو استهلاكا.
ويقول ديب في معرض تناوله للفرق بين السينما القصيرة والروائية الطويلة إن جمهور الاولى غير جمهور الثانية، شيرا إلى أن "محدودية الانتاج قد تحمل ايجابيات وسلبيات في نفس الوقت فهي قد تخلق أشكال مختلفة عن تلك التي انتجها العالم الأكثر عراقة والسبب هو أن الفجوة بين الادراك النظري والادراك العضوي الذي تراكمه الخبرة قد يسهم في إنتاج طفرات في الأسلوب أو الوظيفة، وإن نقص الانتاج يؤدي الى تخلفنا عما اختبرته الشعوب وراكمته".
ويشير ديب إلى أن الفيلم ليس له زمن محدد وما تم تحديده هو نتيجة خيارات اقتصادية "فالفيلم الطويل اتفق على أن يكون فيلم له محددات تجارية، و"ان كانت الأفلام الطويلة تختلف عن بعضها في مادتها وجمهورها ومضمونها حيث يوجد فيلم وثائقي طويل وفيلم فني طويل، لهذا لا يضير أن ننتبه الى أن الفيلم القصير يستمد حريته أحيانا من خلال تفلته من السوق التجارية وإن كانت معظم الدعايات التجارية هي نفسها ضمن أشكال الفيلم القصير".
ويضيف ديب "لا أدري شيئا عن الدوافع الفنية والنفسية للجمهور السوري.. لا أعرف معنى عبارات من قبيل 'مضطر للعمل في الأفلام القصيرة لآخذ فرصتي في فيلم طويل'.. 'ليس لدي تمويل لفيلم طويل'.. طبعا يمكن توصيف الحال السوري وفق هذه الأدبيات بالقول ان السوري يرى الفيلم الطويل باعتباره بلوغا فنيا وأحد العوائق التي تؤخر سن البلوغ هي اقتصاديات هذه الصناعة. . هذا توصيف واقعي ولكنه يوصف ليس مشكلة أو خللا في النتاج بل وفي العقلية".
ويرى المخرج أن الجمهور يستهلك ما يريد ويعيد علاقته وتموضعه مع شرط النتاج والتداول أي بمقاعد أو بدون بصالات أو بدون بثلاثي الأبعاد أو بدون "يجب أن نفهم ونعترف بالجمهور وليس فقط بالمنتجين والعاملين في الصناعة".
ويضيف "مشكلة الفيلم القصير في سوريا هي الملل والنفاق الاجتماعي والمهني بأشكال الفيلم القصير مثل الفيديو كليب الغنائي مثلاً، لكننا هنا نتحدث عن غياب أشكال من الفيلم القصير وغياب جمهوره والنقاد القادرين على إدراك المشكلة لإيجاد حل لها".
وحول تجربة الأفلام القصيرة في سوريا يقول المخرج غضفان غنوم "إن الأفلام القصيرة مظلومة فهي ليست أكثر من بطاقة مرور باتجاه الفيلم الطويل منوهاً إلى ضرورة الاهتمام بالفيلم القصير مثل الفيلم الطويل بتنظيم مهرجانات خاصة به".
ونادى غنوم بأن تكون للفيلم القصير عملية ترويج كفيلم متكامل "لا أن يقدم كفكرة بسيطة كونه سيمر مرورا في تجربة المخرج فلا داعي أن يكرس له كل وقته".
ويقول مدير المؤسسة العامة للسينما بسوريا محمد الأحمد إن من أولويات المؤسسة في الفترة الحالية "مواكبة هذا النضوج الشاب والإبداعات الفردية وفق إمكانيات مؤسسة السينما وسيتم إضافة جائزة جديدة على جوائز مهرجان دمشق السينمائي الدولي وهي جائزة سيناريوهات الأفلام القصيرة للهواة حيث ستكون هناك لجنة لانتقاء عشرة أو خمسة عشر موضوعاً وسيتم تشكيل لجنة لها من ضيوف مهرجان السينما لانتقاء ثلاثة سيناريوهات يقوم المهرجان بدعمها وإنتاجها".
ويرى الأحمد أن هذه الإجراءات التي تقوم بها المؤسسة ترسخ دعم السينمائيين الشباب الذين لم يدرسوا سينما ولكنهم يمتلكون مشاريع هامة ويضطرون أحياناً لبيع أشيائهم الخاصة من أجل إنتاج مشروعهم السينمائي و"هي أفلام لو تم وضع ميزانية لها كان من الممكن من خلالها كسب مواهب وإنتاجات هامة".