2013/05/29

المرأة فـي الدراما السورية 2012 في السواد الأعظم من الأعمال: مشوهة ومستفزة ولا تحاكي الواقع المعيش!
المرأة فـي الدراما السورية 2012 في السواد الأعظم من الأعمال: مشوهة ومستفزة ولا تحاكي الواقع المعيش!


أوس داوود يعقوب – تشرين

شكلت المرأة مادة خصبة للدراما التلفزيونية العربية عموماً, ويلاحظ المتتبع لحركة إنتاج المسلسلات الدرامية السورية ازدياد الاهتمام بموضوعات المرأة

بعد أن اقتصرت مواضيع المرأة في السابق على المطلقة، والأرملة، والضعيفة المستكينة لزوجها وأسرتها ومجتمعها، ولعل ذلك عائد لتطور دورها في المجتمع ومشاركتها الرجل في كل ميادين العمل.

وقد ناقشت الأعمال الدرامية على تنوعها في الموسم الدرامي (2012م)، مواضيع نسوية أكثر واقعية مما تناولته أعمال درامية تابعناها في المواسم الفائتة، من ذلك مواضيع تناولت قصصاً متعددة عن المرأة المعنفة، والمرأة القاتلة، والسيئة السمعة، والمشردة، والظروف التي أدت بها إلى ذلك.

كما ناقشت بعض الأعمال الدرامية مواضيع جريئة لم نعتد عليها سابقاً، بل إن بعضها كان في الماضي بمنزلة (خط أحمر) في الشاشة الصغيرة، كالخيانة الزوجية من قبل المرأة على سبيل الذكر.

وفي محاولة منا لرصد معالم صورة المرأة في درامانا المحلية المنتجة في الموسم الفائت، نطرح أسئلة عدة منها: إلى أي مدى تعكس هذه الدراما صورة المرأة بشكل يقترب كثيراً من الواقع؟.. وهل تتطابق الصور المقدمة درامياً بما يعكس أطيافاً اجتماعية متنوعة ومختلفة حسب انتمائها الاجتماعي والطبقي, وتحصيلها العلمي والثقافي والمعرفي؟ وهل قدمت هذه الأعمال مشكلات وهموم المرأة وسلطت الضوء عليها؟ وهل صحيح أن صورة المرأة في درامانا - بشكل عام – تقدم صورة نمطية ومتخلفة، وأنه مازالت أمامنا أشواط لتقديم صورة تعكس حقائق الواقع المعيش بجرأة أكبر وتناول أعمق لمشكلات المرأة؟؟

وهل استطاعت المرأة الكاتبة، والمخرجة كذلك، تقديم صورة غير تلك الصور النمطية التي ألفناها منذ سنين طويلة؟. وماذا عن صورة المرأة المقدمة في دراما البيئة الشامية، وهل أنصفت هذه الأعمال جداتنا وأمهاتنا؟.

أسئلة كثيرة تمكن الإجابة على بعضها، ليبقى بعضها الآخر معلقاً بانتظار قراءات أعمق لكل ما قدم من إنتاجات درامية محلية.

أعمال جدلية ببصمات أنثوية..


يذهب البعض إلى أن لانتشار ظاهرة المرأة الكاتبة والمرأة المخرجة في سورية الأثر الكبير في تكريس المرأة في الأعمال الدرامية، حيث تشارك المرأة هنا في عملية إنتاج الأعمال الدرامية على تنوعها, فلدينا الكثير من الممثلات والكاتبات والمخرجات والمنتجات وغيرهن من صنّاع هذه الدراما، وعليه يرى المهتمون في هذا الشأن أن المرأة شريكة في صناعة الصورة، صورة المجتمع، وصورة الرجل، وبالتالي صورة المرأة.

ويرى المهتمون بالأمر أن المخرجات أقدر على تصوير واقع المرأة والإشارة إلى عمق مشكلاتها من المخرج الرجل، وأن الكاتبات اللواتي يشتغلن في حقل الدراما السورية، يتحملن المسؤولية الأولى عما تقدمه المرأة المبدعة في هذا المجال، وذلك من خلال ما تطرحه من مضامين في عملها، وملامستها لواقع المرأة بشكل مباشر، انطلاقاً من كونها أقدر على فهم مشكلات المرأة وخصوصية مشاعرها وأحاسيسها، والبحث في مكنونات علاقتها مع الرجل.

وهناك من يرى أنه من الغرابة بمكان أن بعض الأعمال التي تكتبها المرأة للمرأة هي أعمال منحازة لها ولكن الكثير من هذه الأعمال يلاحظ فيها أنها تدين عقلية المرأة وتبرز سلبيتها لا من باب معالجتها وإنما لاستعراضها بمسحة من الرضا والتسليم!. وإنه لمن المؤسف أن ما تكتبه المرأة عن المرأة - في الغالب - لا يوقظ الوعي، وإنما يعيد اجترار الصور النمطية المكرسة.

إذاً تبقى الآراء متباينة حول ما إذا كانت المرأة الكاتبة هي الأجدر بعرض قضايا المرأة ومناقشة تفاصيلها من الكاتب الرجل، وما إذا كانت المخرجة أقدر على تصوير واقع المرأة والإشارة إلى عمق مشكلاتها من المخرج الرجل.

تميزت صورة المرأة في هذا الموسم في العديد من أعمال الدراما الاجتماعية المحلية، أو ضمن ما سميناها سابقاً «دراما الحسناوات»، التي تناقش وتعرض قضايا ومشكلات المرأة، أو التي تعتمد في حبكتها وخطوطها الدرامية على مجموعة من الممثلات، تميزت بالكثير من الخروج عن المألوف سواء في الطرح الدرامي (أي المضمون)، أو في الشكل، وأعني هنا الشكل الذي أطلّت به علينا أغلب الممثلات المحليات (من حيث الماكياج واللباس)، والذي غلب عليه ما يمكن عدّه خروجاً عن المألوف أحياناً، وأحياناً أخرى تجاوزاً للخطوط الحمراء، في مسعى من جهة الإنتاج لمحاكاة الدراما التركية، والتي يرى بعض المنتجين أن مواجهتها تتطلب السير في نهجها، حتى وإن كان ذلك النهج مخالفاً لعاداتنا وتقاليدنا

ولقد واجه مسلسل «بنات العيلة» نقداً لاذعاً من قبل النقاد والجمهور على حد سواء، وذلك خلافاً لمسلسل «جلسات نسائية»، رغم أن كلا العملين تميزا بأن من كتب نصهما هما كاتبتان (رانيا بيطار وأمل حنا)، وكذلك من حيث إسناد البطولة المطلقة للنساء.

غير أن مسلسل «بنات العيلة» الذي يعد عملاً أنثوياً بالكامل، فكاتبته رانيا بيطار ومخرجته رشا شربتجي وأدى الشخصيات عدد كبير من فنانات سورية، تناول قضايا المرأة المترفة والمتعلمة وكأن السواد الأعظم من نساء مجتمعاتنا من تلك الشريحة ولا توجد لديهن هموم حقيقية غير الذهاب لعمل جلسات للعناية بالبشرة أو التسوق لشراء ملابس للفت نظر الزوج المشغول عنها وأشد ما يحزنها هو أنها تفتقد التواصل الحميم معه! خيوط مهمة لقضايا تمس عالم المرأة في مجتمع ذكوري لم تقبض عليها كاتبة العمل بجدية لأنها استغرقت في حالة الفضفضة النسائية وعرض عدة مشكلات صغيرة من دون ربطها بسياق عام هو الذي يفسرها ويضعها في إطارها الأعم.

ولقد بدا جلياً أن اختيار شريحة نسائية من طبقة معينة لم يكن أنموذجاً يعبر عن نساء هذه الطبقة بل يمكن أن يوجد في طبقة من النساء أقل تعليما وتفتحا. الرجل هو الطرف الثاني للعلاقة المأزومة قدم كنمط أو شخصية ذات بعد واحد، فهو إما شاب دونجوان أو عاشق ولهان أو زوج جاف أو أخ متسلط.

وكما احتل «بنات العيلة»، صدارة الأعمال التي تناولت بشكل مباشر قضايا المرأة، كذلك هو حال مسلسل «صبايا 4»، الذي كتبت نصه نور الشيشكلي التي أكدت - في أكثر من مناسبة – أن هذا العمل لا يمثلها لأن المخرج أخذ به بعيداً عن النص الذي كتبته على الورق.

إن أكثر ما شاب أعمال ما أطلقنا عليه سابقاً «دراما الحسناوات»، تأثر سلباً بالدراما التركية التي سلبت عقول المشاهدين العرب بتقديمها عالماً جميلاً أشبه بتصفح مجلة موضة وديكور، ولقد كان واضحاً في العملين الذين جمعا عدداً من جميلات الشاشة السورية، تلك الأزياء الأنيقة والبيوت الجميلة وأسلوب الحياة المرفه، مع تجاهل تام لما تعانيه الفتيات و النساء العربيات من مشكلات التحرش والفقر والجهل والتمييز ضدها وظلم العادات والتقاليد لها، الأمر الذي جعل من العملين مجرد استنساخ مشوه لدراما غريبة عنا، لا تحاكي واقعنا.

معالجات تجاوزت الخطوط الحمراء ..

أثار مسلسل «أرواح عارية» جدلاً واسعاً نتيجة ما طرحه بجرأة ردة فعل المرأة تجاه قضايا ومواقف تتعرض فيها لظلم المجتمع الذي يجبرها على تصرّفات خارجة عن إرادتها، وحدد مفاهيم جديدة للطلاق والخيانة وطموحات المرأة التي تتجاوز عتبة بيتها وعائلتها إلى الحياة العامة.

ولقد قلب هذا العمل المقاييس وخرج عن المفهوم التقليدي للشخصيات، وعالج قضيّة تعد خطاً أحمر وهي الخيانة الزوجية، خصوصاً عندما تقوم بها المرأة.

ورغم أن الحبكة الدرامية للكاتب فادي قوشقجي وطريقة رسمه للشخصية، إضافة إلى الطريقة التي أدار بها المخرج الليث حجو ممثليه، والأداء المميز للكثير من الممثلين والممثلات، وأخص بالذكر (سلافة معمار، وعبد المنعم عمايري، والوجه الصاعد دانا مارديني)، أقول رغم كل هذه العوامل الجاذبة للمشاهدين إلا أن الصورة التي قدمت فيها الشخصية المحورية في العمل «ربى» (سلافة معمار)، قد استفزت شريحة واسعة من الجمهور الذي لم يعتد مثل هذا الطرح في بنية العلاقة الزوجية، طرح يقدم (المرأة الخائنة) على أنها (امرأة ضحية)، ويبرر للمرأة التي تفتقد لمشاعر الحب والعاطفة مع زوجها بحثها عن مثل هذه المشاعر لدى رجل آخر غير زوجها، وهذا مرفوض جملة وتفصيلاً في مجتمع متمسك بأخلاقه وقيمه وتقاليده.

تشويه درامي لتاريخ المرأة الدمشقية ..


تتبوأ أعمال «البيئة الشامية» مركز الصدارة في حركة الإنتاج الدرامي المحلي، وتحظى بمتابعة جماهيرية سورية وعربية واسعة.. وقد أطلت «دراما البيئة الشامية» لموسم 2012م بخمسة أعمال تمثلت في «الأمّيمي»، و«زمن البرغوت»، و«طاحون الشر»، و«لعنة قسم» و«حارة الطنابر».

ويرصد المتابع أن مجمل هذه الأعمال لم تختلف فيها الصور النمطية التي ألفناها في هذه النوعية من الأعمال التي حقّقت منذ عقود خلت، أي منذ بدايات ما يمكن عدّه «دراما بيئة شامية»، سواء مسلسل «أبو كامل»، أو مسلسل «أيام شامية»، وما تلاها من أعمال تنتمي إلى هذه النوعية من الدراما المحلية

فالمرأة في السواد الأعظم من هذه الأعمال تظهر مغلوبة على أمرها،

ومظلومة، وحقوقها منتهكة، وثرثارة، وما إلى ذلك من الصفات السلبية، التي تكرس صورة سلبية جداً للمرأة الدمشقية ودورها في الحياة عبر إظهارها امرأة منكسرة، أو«جاهلة»، أو«خانعة» للرجل (الأب أو الأخ أو الزوج).

مع الإشارة إلى أن بعض هذه الأعمال قدمت لنا نماذج تحتفظ بها الذاكرة الجمعية عن نساء لعبن أدواراً مغايرة عن مجمل ما يقدم، من ذلك – مثلاً – شخصية (أم جوزيف) في الجزأين الأخيرين من خماسية المسلسل الشهير «باب الحارة»، والتي لعبت دورها فنانتنا القديرة السيدة منى واصف.

غير أن تقديم مثل هذه الشخصيات بقيّ محدوداً للغاية لتبقى الصورة النمطية السلبية هي السائدة والأعم، من دون أي اكتراث من قبل صنّاع الدراما المحلية، وكأن تقديم مثل هذه الصورة بات من المسلمات.

والمحزن في الأمر أن الأصوات المطالبة بتغيير الصورة النمطية تكاد لا تسمع، وذلك عائد – حسب رأينا – لأن تلك الأصوات لم ترفع صوتها عالياً، وإنما اكتفت بالحديث عن هذا الموضوع الجوهري بصوت يكاد لا يسمع.

كذلك لأن الأمر عائد أيضاً للكاتبات والمخرجات والممثلات السوريات من المشاركات في مثل هذه الأعمال كتابة وإخراجاً وأداء.

كما تثير «دراما البيئة الشامية» الكثير من الجدل فيما يتعلق بمحتوى المضمون بالدرجة الأولى، وقد عدّ البعض أنّ هذه الأعمال لا تعكس واقع البيئة في هذا المجتمع وهذه المدينة، بل الكثير منها يشوّه تاريخنا الحقيقي والغني فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ويقدم المجتمع الشامي على أنه كان متخلفاً ومتزمتاً، والحقيقة أن من يعرف دمشق في مطالع القرن العشرين، يحدثنا عما شهدته من ازدهار ونهضة ثقافية وفكرية لعبت فيها المرأة دوراً بارزاً، عندها ندرك مدى الظلم الذي لحق بالمجتمع الشامي وكذلك بالمرأة الدمشقية.