2012/07/04

تجربة البث الأرضية في التلفزيون السوري.. والسعي إلى الحقيقة
تجربة البث الأرضية في التلفزيون السوري.. والسعي إلى الحقيقة

عمر الشيخ - البعث

تطور الإرسال التلفزيوني في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وأصبح بإمكان أي شخص مشاهدة مئات المحطات الفضائية عبر جهاز استقبال بسيط لا يتجاوز حجمه قبضة اليد، موصول بهوائي يمكن تثبيته في أي مكان، ليتجول عبر عشرات البرامج والأعمال التلفزيونية والأفلام السينمائية والوثائقية حول العالم وهو في منزله أو مكان عمله، إذ بدأت معظم القنوات المشهورة تتبلور كتيمة مفضلة لدى الناس وذلك لنوعية و حصرية ما تعرضه على مستوى عربي وعالمي، ولكن الآن في زحام هذا التفوق التقني في البث التلفزيوني الفضائي من أين تأتي أهمية وجود القناة التلفزيونية الأرضية التي تعمل بمعدل من 10 إلى 16 ساعة يومياً؟

في تجربة التلفزيون السورية استمرت القناة الأرضية ببثها لسنوات طويلة وإلى الآن مازالت تحافظ على تماسها المباشر مع الناس، و احتكاكها اليومي مع همومهم، مبتعداً ما أمكن عن تصدير برامج الترفيه ولتدخل إلى تفاصيل الحياة كواحدة من النوافذ التي يطل منها المشاهد على أحوال البلد على مدار الساعة، حيث تبث معظم برامج هذه القناة على الهواء مباشرة لتصل المواطن بالجهات المعنية ولتنقل احتياجات الناس وأخبار المجتمع والصحة والاقتصاد إلى كل الشرائح الاجتماعية  بصيغ مبسطة تعتمد المادة الحية من عامة الناس، فمعظم المواد المرئية التي يتضمنها برنامج (معكم على الهواء) مثلاً هي وقائع حقيقية يعيشها المواطن السوري في مواجهة تقصير الخدمات وغياب متابعات الجهات الرسمية لحقوقه وواجباته، كما يشكل فرصة تفاعلية بين المشاهد والجهات المعنية بمشاكله فالعينات المختارة من الناس هي من لحم ودم  ولا تجيد الخطاب الإعلامي بقدر ما ترغب بعرض مشكلتها ومتطلباتها، تلك الأمور تلفت عناية الجميع وعلى وجه الأخص سكان القطر.

تعتبر الإعلامية سهير سرميني حسب تجربتها الطويلة في إدارة (القناة الأولى) في التلفزيون السوري سابقاً أن القناة الأرضية موجهة للمشاهد المحلي تحديداً، فالجدوى من وجودها هو عرض ما يخص المواطن السوري من هموم وقضايا وأشياء تخصه بشكل مباشر لا يمكن عرضها على قناة فضائية، وفيما يخص منظومة البرامج التي تشدد المحطة الأرضية على العمل بها تقول سرميني: (تعتبر البرامج الخدمية من أهم البرامج التي يبحث عنها الناس، مثل برنامج “نهار جديد” الموجه للمشاهد بكل فرحه وحزنه وقضاياه.. بالإضافة للجوانب التي تخص المرأة والطفل والمجتمع، بالإضافة إلى باقة البرامج التي تربطنا بشكل يومي مع المحافظات وأخبارها، والبرامج الاجتماعية التي تخصنا كسوريين) لذا لا تجد سرميني من ضرورة في البث الفضائي لمحطة وجدت أساساً لخدمة المواطن السوري ضمن بلده. ولكن تلك الإطلالة الطويلة على مشاكل المواطن تجعل من القناة الأرضية حكراً على الناس الذين يودون حلولاً لمشكلاتهم العامة، ولكن ماذا بشأن البرامج الثقافية والفنية والعلمية؟.

لقد شكلت القناة الأولى في التلفزيون السوري مفصلاً رئيساً بحركة الشاشة السورية بوصفها القناة الأم التي أسست أولاً فبقي شغف الناس ببرامجها ومنوعاتها محصوراً ضمنها إلى جانب القناة الأرضية الثانية التي افتتحت فيما بعد، ولكن الآن أصبح وجود فضائية وطنية كفيلاً بنقل المشاهد إلى رؤيا أوسع لصندوق الدنيا ليبحث في أخبارها ومنوعاتها وبرامجها عما يرضيه كمشاهد يمكنه أن يغير عن المحطة الوطنية في أية لحظة في حال لم يتواصل مع ما يعرض، وهنا تختلف الأمزجة حسب كل شخص، إلا أن الحنين المستمر للقناة الأقدم في التلفزيون يبقى مستمراً فيحرك المواطن هوائيه الأرضي ليلتقط تردد المحطة المحلية ويتابع أخبار بلده المباشرة والتي تعنيه أكثر من أي شيء آخر.

يقول المدير الحالي للقناة الأولى في التلفزيون السوري الإعلامي نضال زغبور: (إن أهمية وجود القناة الأرضية مسألة أساسية لها علاقة بالسيادة الوطنية والاستقلال، وفي كل دول العالم هنالك محاولة للحفاظ على القناة الأرضية، لأنه مهما كان هناك تطور تقني عندما يكون هنالك تغيرات مناخية تتوقف هذه الأقنية عن الإرسال و والبث، ويبقى البث الأرضي هو الضامن الوحيد لوصول الصوت الوطني إلى شريحة أكبر من الناس) ويؤكد زغبور أن حاجتنا إلى المحطتين معاً (الأرضية والفضائية) ضرورة حتمية لنوصل صوت ورأي وموقف  سورية للسوريين، في الداخل وللعرب في دول الجوار ومن ثم لكل المشاهدين في الوطن العربي، كما يعتقد أن المحطة الأرضية تمثل في معظم كتلتها الإعلامية الجانب الخدمي، فأنت حتى تكون  قريباً من المواطن يجب أن تكون ضميره وصوته وذلك عبر التلفزيون التفاعلي.. والمحطة الأرضية خير مثال..

إذاً يقع على عاتق المحطات الأرضية حمل ثقيل من برامج الخدمات، ولكن غياب ظهورها على البث الفضائي هو مشكلة أيضاً، فلو وُجد لأظهر للعالم  كيف يتعامل الإعلام المحلي مع مشكلات مواطني البلد، لأن أهمية الإعلام السوري تأتي من تفاعله المستمر مع الناس لتنويرهم معرفياً ولنقل صوتهم ورؤاهم وأحلامهم، فالمحطة الأرضية قد تشكل جزءاً من تلك النافذة التي تسعى للحقيقة.