2012/07/04

فيلم «سقف دمشق وحكايات الجنة»..دمشق القديمة بين الحكاية الشعبية والمفارقة الراهنة
فيلم «سقف دمشق وحكايات الجنة»..دمشق القديمة بين الحكاية الشعبية والمفارقة الراهنة

زيد قطريب - تشرين

هو فاتحة الأفلام السورية المشاركة في مهرجان Dox Box الذي استضافته دمشق منذ أيام واستمر طيلة أسبوع كامل من العروض العربية

والعالمية في صالتي الكندي والزهراء حيث شاء المنظمون توزيع المشاركة السورية وقوامها ستة أفلام على أيام المهرجان الستة التي انتهت

في العاشر من آذار. الفاتحة السورية المتعثرة كانت بفيلم «سقف دمشق وحكايات الجنة» للمخرجة سؤدد كعدان وفيه إعادة لموضوع استُهلك

كثيراً في العمل السينمائي المحلي وهو دمشق القديمة، مع تعديلات بسيطة في الموضوع أو طبيعة اللقاءات التي أجرتها مع سكان تلك

المنطقة وسوى ذلك من قصص يمكن أن تحكى عن الأبواب التاريخية السبعة للمدينة إضافة إلى مجموعة من هموم عدد من العائلات المدعّمة

بالخرافة الشعبية التي وصفتها المخرجة بأنها تحمل هوية المدينة الحقيقية لأنها مأخوذة من أناس مازالوا يسكنون تلك المنطقة ويعيشون في

بيت العائلة المثقلة جدرانه بصور الآباء والأجداد رغم كل التغيرات التي شهدتها المدينة

الحية الألفية ‏

كان من الغريب أن يتناول الفيلم فكرة سبق أن تناولها العديد من المخرجين السوريين أمثال سمير ذكرى وريمون بطرس فيما يشبه عملية توثيقية

فيها من الإعادة والتكرار الشيء الكثير.. فرغم أن الفيلم يحاول العثور على دمشق في الحكاية الشعبية التي تسردها العائلات مثل قصة «الحيّة

الألفية» التي يمتد عمرها لألف عام والتي يصفونها بالحارسة والحامية للأحفاد على اعتبار أنها تعيش معهم في أحد المنازل القديمة

إلا أن الفحوى الغيبي الذي يكمن وراء تلك الحكايات لم يتمكن من اختصار تاريخ مدينة يمتد تاريخها آلاف السنوات وتوصف من قبل الباحثين بأنها

أقدم مدينة مأهولة في العالم، فمجموعة الحكايات الشعبية التي حاول الفيلم الاستناد إليها للبرهان على أن دمشق مصونة ومحمية من

الأحداث الصعبة والظروف القاسية، لم تكن سوى تأويلات غيبية ترتبط بفترة حديثة العهد نسبياً بالنسبة إلى تلك الأسر مع أن ما يمكن الحديث

عنه في هذا الإطار هو أكثر من أن يحصى في هذه المدينة القديمة التي تحتوي أقدم معبد وثني وأقدم كنيسة وأقدم جامع!. ‏

يسرد الفيلم قصة أحد المنازل التي نجت من القصف إبان الاحتلال الفرنسي لسورية، لنفاجأ بالتحليل الشعبي للعائلة التي تسكن هذا البيت بأنه

محمي بذريعة أنه يقع ضمن مثلث يحتوي عدة أماكن مقدسة في المنطقة، وعلى هذا المنوال يستقبل المشاهد عدة تفسيرات غيبية لأحداث

كبيرة شهدتها المدينة مثل دخول تيمور لنك إليها أو موضوع الكنوز الكبيرة المدفونة في بيوتها القديمة لنكتشف أن تلك القصص التي يحاول الفيلم

تقديمها على أنها شعبية وموغلة لم تكن ذلك تماماً، بل كانت مجرد مقدمة للخاتمة الأهم التي عرضت لموضوع حي الحمراوي في مدينة دمشق

القديمة وقصة الاستملاك في تلك المنطقة ومحاولات السكان وقف هذا المشروع، فتستحضر المخرجة شخصية من الحي معروفة بمتابعتها

لهمومه عبر رفع الكتب والعرائض إلى المسؤولين كي يلغوا هذا المشروع الاستملاكي.. هذه الشخصية تقدمها المخرجة على أنها «دون

كيخوته» دمشق، حيث يبدو صاحبها وكأنه يصارع طواحين الهواء دون جدوى، فلا الاستملاك يلغى ولا الصورة تتضح في تلك المنطقة رغم كمّ

الكتب الكثيرة و»العرائض» التي يرفعها «دون كيخوته» المفترض إلى المسؤولين أملاً منه في المحافظة على الحي الذي ولد فيه وشهد ذاكرته

الطفلية الأولى.. هنا يقع الفيلم بما يشبه النقلة الزمنية والقفزة غير المبررة منطقياً، بين ما بدأه على صعيد الحكاية الشعبية للناس في دمشق

القديمة، وبين إشكالات حي الحمراوي وما يحدق به من استملاك وهي مشكلة راهنة أشبعتها الصحف طيلة سنين طويلة بالكثير من البحث

والأخذ والرد!. ‏

غرافيك ووثيقة ‏

على ضفة أخرى، كان من الغريب أن يلجأ الفيلم للغرافيك في مادته التوثيقية، تلك المحاولة غير الموفقة ظهرت نافرة إلى حد بعيد، خاصة عندما

شاءت المخرجة رسم شكل للأفعى «الألفية» التي يتحدث عنها الناس في تلك المنطقة على شكل خطوط زرقاء تتحرك في باحة المنزل، كما

فعلت الشيء نفسه عندما رسمت شكلاً للمهرة أو الحصان الذي أصيب بضربة عين من الحساد!. تلك الأشكال الغرافيكية كررتها المخرجة في

أكثر من مكان في الفيلم وكأن المتابع يحتاج إلى تلك الشروحات غير الضرورية عملياً والتي انعطفت بالفيلم لتجعله شبيها بأفلام الكرتون خاصة أن

الغرافيك لم يكن متقناً إلى حد الإقناع!. ‏

كان من الواضح أن مشكلة الفيلم السوري الأول في مهرجان Dox Box هو اختيار موضوع قديم بأساليب قديمة هي الأخرى، فعدا عن الشقاق

الواضح بين ما تسميه المخرجة قصصاً شعبية بدأت بها الفيلم، وقصة راهنة أعطتها الزمن الأوفر في النهاية، فإن موضوع دمشق يبدو غنياً وصاحب

خيارات أكبر من التي اقترحتها كعدان في هذا العمل، خاصة أن الموضوع كما أسلفنا سبق تناوله عند العديد من المخرجين السوريين إلى درجة

بات المشاهد يبحث عن المختلف والجديد في هذا الموضوع!. ‏

يشار إلى أن الفيلم نال الجائزة الثانية للفيلم التسجيلي العربي في مهرجان دبي السينمائي 2010 وهو منتج بالتعاون مع دولة قطر، والكاميرا

لكريم غريب أما المونتاج فهو للمخرجة سؤدد كعدان وشذى غريب