2014/01/22

القربان
القربان

 

وائل العدس – الوطن السورية

 

 

بعد غيابه عامين عن الأضواء، يعود المخرج علاء الدين كوكش إلى الدراما السورية من بوابة مسلسل «القربان» في أول إنتاجات مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، والنص ألفه رامي كوسا في مستهل تجاربه الدرامية. يصفع المسلسل الوحش السّاكن بداخلنا، محاولاً إعادتنا إلى آدميّة كنا قد خسرناها مع بداية عرس الدّم في جنبات الوطن، حكاية التضحيات الّتي بدأها سيّدنا إبراهيم الخليل وصارت سيرةً تقبض على مفاصل التّاريخ وتطوّرات الحي.

 

يؤدي أدوار البطولة: فايز قزق، أمل عرفة، وفاء موصللي، رشيد عساف، بسام لطفي، سامر عمران، ندين تحسين بيك، جهاد سعد، سامر إسماعيل، حسام الشاه، شادي زيدان، علا الباشا، هيا مرعشلي، شادي مقرش, كرم شعراني، هلا يماني، أيمن عبد السلام، يزن السيد... وآخرون.

 

ما قبل الأزمة

 

العمل دراما اجتماعية معاصرة من ثلاثين حلقة تتمحور أحداثه حول القضايا والمشكلات المحلية على اختلاف ألوانها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تتنقل الكاميرا بين مناطق السكن العشوائي والمناطق باذخة الرخاء على حد سواء، كما يركز على موضوع الصراع الطبقي وبيئة العشوائيات وانعكاسات ذلك على المواطن السوري في الفترة السابقة للأزمة، حيث يتّخذ العام 2010 زمناً دراميّاً لأحداثه، وينتهي مع بداية العام التالي.

ويحاول العمل أن يقدم توصيفاً لمجموعة من الأسباب والتصدّعات الداخلية التي أدّت بُعيد تطورها  إلى نشوب الأزمة الدامية في سورية، فيتناول المرحلة التي سبقت انفجار الوضع بأشهر قليلة، ويركز على حال المجتمع السوري في عام 2010 وفيه استعراض للواقع المعيش وتقديم لصور كانت تجري في تلك الفترة وتتنبأ بأن شيئاً ما يحصل قريباً، من دون أن يكون معظم الناس منتبهين  إلى ذلك.

ولا يرصد العمل يوميات الناس في الأزمة، بل يبحث عن الأسباب التي أوصلتهم إليها، كما لا يطرح القيم الثابتة في المجتمع السوري بل يؤكد على المتغيرات التي كانت سبباً فيما نعيشه الآن، ويتناول مفهوم تحوّل الأشخاص  إلى حالة تبعية بفعل الضغوط والإنهاكات التي يعايشونها في واقعهم، وكذلك آلية تحولهم  إلى قرابين تسفك مفاهيمهم على مذبح الفقر والقهر والحب والمال.

ويقود أحداث العمل شخصيتان رئيسيتان هما «هيثم» و«رشيد» اللذان يعتبران نموذجين لرجلين في عقدهما السادس، أحدهما يعمل في تهريب الآثار في حين يعاني الآخر مشكلة نفسية، ونرى تأثيرهما في أحداث العمل على مدار حلقاته الثلاثين.

 

واقع معيش

 

مخرج العمل علاء الدين كوكش أكد في تصريح «للوطن» أن النص شدّه لأنه يعبر عن واقع معيش ومعاصر للمجتمع السوري قبل الأزمة، مشيراً  إلى أن أهمية المسلسل تكمن بتسليط الضوء على هذه الفترة التي كانت أرضاً خصبة لنشوب الأزمة.

وقال إن العمل ممكن أن يشكّل إضاءة ولحظة وعي للناس لينظروا  إلى واقعهم بروية لمعرفة الأسباب التي أدت  إلى ما نحن عليه الآن.

واعتبر كوكش أن الحديث عن عدة مراحل من الأزمة ضروري، مضيفاً إن الغوص الدرامي بأسبابها قبل ثلاثة أعوام، والتعرض لها أثناء الأحداث، وتقديم حلول مستقبلية لها.. كل ذلك يكّمل بعضه، في حين رأى أن الأزمة لا يمكن أن تطرح برؤية واحدة.

هل وجد صعوبة في انتقاء الممثلين على خلفية سفر الكثير من النجوم، أجاب كوكش: نجحنا باستقطاب عدد جيد من النجوم، وخاصة أن الكادر الفني في سورية كبير، وحتى لو غادر بعض الأشخاص فإن عجلة الدراما لا تتوقف وستولد نجوماً جدداً كما فعلت سابقاً.

وعن أهمية الأعمال الاجتماعية، اختتم حديثه بالقول: إنها تحظى بالمتابعة الأكبر على اعتبار أن الناس تحب رؤية نفسها، كما أن العرب يسعون للتعرف على أعماق المجتمع السوري، وبالنهاية فإن الواقع واحد في كل هذه المجتمعات.

 

الاختلاف الأول

 

بدوره قال رامي كوسا لـ«الوطن»: إن العودة إلى ما قبل الأزمة لجهة تشخيصي أسباب هذه الأزمة هي جزء أساسي لا ينفصل عن مكونات الوضع المأساوي الذي نعيشه اليوم، ومحاولة صادقة جداً لصفع الوحش الذي استيقظ داخل السوريين والعودة بالنفوس المشحونة  إلى لحظة الاختلاف الأول، وأضاف: لا أطالب بالعودة  إلى ما قبل هذا الاختلاف، بل أطالب بالعودة  إلى لحظة الاختلاف الأول كي نكون واثقين جميعاً بأننا كنا أمام مفترق باستطاعتنا في لحظة من اللحظات العودة  إلى هذا المفترق وأن نختار طريقاً أفضل من هذا الطريق الشائك والأسود.

يضيف كوسا: بالتاريخ أن تتناول راهناً دموياً بصناعة درامية أو منتجاً ثقافياً أياً كان لا تكون رابحاً، فإن تتناول الأزمة براهنها المأساوي المؤرق الغارق بعرس الدم فهذا يعني أنك سوف تنحاز  إلى طرف على حساب طرف آخر مهما كنت صادقاً في التناول، هناك من يرى أن الحقيقة بيضاء وهناك من يرى أن الحقيقة سوداء، واصطفافك الرمادي يعني أنك تراوح في المكان.

من خلال الأحداث التي قدمها، هل قام كوسا بزيارة ميدانية لمجتمعات السكن العشوائي حتى أستقي منها مشاهده؟ يجيب: أنا أساساً ابن مدينة حمص وهي مدينة صغيرة مؤلفة من 10 أو 12 حياً، في حمص المدينة أنا كنت طوّافاً جداً، عاشرت والتقيت وقابلت وصادفت نماذج بشرية كثيرة، من السخف بمكان أن تتناول مجتمع العشوائيات في دراما وأنت تعيش في أبراج عاجية، يجب عليك أن تنزل وتخوض بين هؤلاء الفقراء ويجب عليك أن تكون جزءاً منهم في لحظة من اللحظات، وأن تكون إنساناً على مستوى الوجع حتى تتمكن من التصدي لهذا النوع من الدراما بصورة تلامس الناس، وبالنهاية الجمهور حكم صعب جداً وسوف يلفظ هذه الدراما إذا كانت لا تشابهه، وسوف يتبرأ منك وينفر من صنيعك بالمجمل إذا كان هذا الصنيع بعيداً عن الواقع المعيش لهذا الجمهور.

وعن رسالته في هذا العمل، أكد أنها محاولة للعودة للحظة الاختلاف الأول في سبيل إحياء الإنسان الموجوع والمجروح في داخل كل سوري، ولحظة لتقييم الذات ولنقف مع الحال المأساوي الذي وصلنا إليه اليوم ونتمنى بنهاية العمل أن أكون قدمت خطاباً درامياً جداً وليس خطاباً سياسياً.

وختم حديثه «للوطن» بالقول: أتمنى أن أوفق في تقديم خطاب درامي يلامس جميع السوريين لجهة بناء سورية أفضل بعيدة عن دوامات الدم التي يغرق بها الوطن حالياً.

 

شخصيات العمل

 

تجسد أمل عرفة شخصية «يارا» وهي مهندسة ملتزمة، تعمل في مكتب مُحارب من رجل نافذ، لكنها تحافظ على خطها السوي في مهنتها، كما تعاني في المحور الاجتماعي من الموروث الاجتماعي الفاسد وتتعرض لفضيحة أخلاقية كبيرة في حارتها عندما يقوم شاب بنشر صور إباحية لها تمت فبركتها على جدران الحارة.

وتطل وفاء موصلي عبر شخصية «رغدة» التي تذوق الأمرّين من تسلط زوجها المتشدد دينياً، إضافة  إلى معاناتها من ولدها المختل عقلياً.

وتلعب ندين تحسين بيك شخصية «ندين» السورية النمطية التي تمثل الإسلام الشامي، بما فيه من بساطة وانفتاح على المعتقدات المختلفة واحتضان لثقافة الحوار وقبول الآخر شريكاً في المواطنة والانتماء.

أما فايز قزق فيقدّم دور «هيثم» الرجل الفقير الذي يعيش مجموعة من الانكسارات والصراعات، ويعاني من حالة نفسية معينة ويسعى للتضييق على ابنته المراهقة فيما يتعلق بدوامها المدرسي وملابسها، كما يعمل في مشغل للرخام لكنه يضطر لترك عمله بسبب أخطائه المتكررة.

بدوره يؤدي رشيد عساف شخصية «سالم» وهو رجل أعمال لديه طفل مقعد يحبه ويخاف عليه لتخاله ذا القلب الحنون والمرهف لنكتشف فيما بعد أنه من أهم شركاء الفساد في البلد.

ويظهر حسام الشاه بشخصية «نضال» نموذجاً للشباب العاطل عن العمل، واحدٌ من قرابين البطالة، تحكم حياته قاعدة «من راقب النّاس.. بيتسلّى كتير»، فيصرف أغلب وقته في مراقبة أهل الحارة والتعليق على مسلكيّاتهم واصطياد ما يظن أنها أخطاء يرتكبونها متجاوزين تعاليم دينهم ودساتيره.

ويجسد سامر عمران شخصية «عمر» السجين السابق والإنسان المثقف القريب من الناس، يشعر أن هناك أفكاراً كان جيله يتبناها حرّكها لديه الجيل الشاب، لكنه يكتشف فيما بعد أنه كجيل كان ميالاً للنظري أكثر من ميله  إلى إدراك الحياة، لذا يسعى لرؤية المجتمع من وجهة نظر أشمل.

ويطل عبد الناصر المرقبي بدور «تامر» ذلك الشاب المملوء بالطموح والأمل، والذي لم تمنحه الحياة ترف اختيار نوع عمله الذي تخصص به، فبعد حصوله على شهادة المعهد المتوسط تأخذه الظروف  إلى أن يتوظف كعامل تنظيفات، لكنه لن يستسلم لواقعه فعندما تسنح له فرصة التغيير لن يتردد في خيارات لم يكن قد وضعها في حسبانه.

شخصية «منار» يقدمها شادي مقرش، وهي شخصيّة نزيهةٌ قدّيسةٌ لا بدّ من إعادة إحيائها في مجتمعنا المنهك.