2014/02/06

زياد الرحباني
زياد الرحباني

 

طارق مصطفى – تشرين

 

 

زياد الرحباني صاحب «سألوني الناس» و«نطرونا» و«أبو علي» عن عمر لا يتجاوز العشرين عاماً بالحد الأقصى.. والخريف ينتظر البيانو ليلوّن «ورق أيلول» عن كلمات للشاعر الغائب جوزيف حرب، مع أن «حرب» هو صاحب «أسوارة العروس»!.

 

زياد الرحباني.. الساكسفون المذبوح على فولاذ البزق... الراثي «زهر البيلسان» واللاملتفت إليه أنه باق في البال.. الفاهم لتحولات هوية الصوت الموسيقي وللشطارة والعبقرية في حقن هذا التحول بالروح القلقة؛ ليبقى دم الموسيقا النقي سيالاً مسفوكاً للسؤال عبر معارج موسيقية عقلية تُنضح ذاكرةً للمستقبل.. زياد الرحباني المسرحي الاستثنائي.. نازع الضحكة الدمعة من أنياب الحرب الأهلية... زياد الرحباني.. مع الإصرار على الكنية.. كي لا يصبح «زياد» كما يروق لبعض زبائن اليسار الكرتوني أن يسموه، وكأنهم شركاؤه في موسيقاه وإرثه... وحتى غربته! فعلى الأغلب الموهبة غربة، لعل الأزمة السورية كانت هي الموضة الجديدة ولن تكون الأخيرة من موضات الاستعراض أو بالأحرى استخراج طحلب الظن من كهوف النيات الأمريكية الفاسدة.. النقيض ونقيض النقيض ستجده في الخطاب ذاته؛ وعند الشخص ذاته.. الحديث يطول هنا، ولعله باستعراض خفيف لصفحات «الفيس بوك» سيصل القارئ العزيز إلى ما أريد قوله؛ لكن ما يلفت النظر هو انقضاض ما يسمى (ثوار اليسار الفيسبوكي) على زياد الرحباني بعد لقاءٍ أجراه مؤخراً على قناة «الميادين» فعبر لقاء جمعه مع الأستاذ سامي كليب حكى نجل السيدة فيروز بكل صراحة ووضوح كعادته.

ما يلفت النظر بنسبة مثيرة للانتباه والغثيان في آن؛ أن الأغلبية من المتهجمين على صاحب «نزل السرور» والسيدة فيروز، كانوا ممن يعدون أنفسهم من عشاقه، وأكثرهم تميزاً في المجتمع حسب رأيهم، فلطالما صنفوا من مريدي الرحباني، ومنهم من كان يقلّد «زياد» في جلساته ومزاجه وصوته، فأمسى ثقيل الدم.. غليظ الحس.. يعاني أزمة نمو، فلا يعرف الضحك من القلب؛ ولا الحب الصادق؛ ولا الثقافة الفعلية؛ على اعتبار أن مفردة «مثقف» نحتت في اللغة العربية نسبةً من نصل الرمح المصقول جيداً؛ ببساطة لأنه ليس (زياد)... الموهوب فحسب؛ بل هذا ما تجب تسميته «المرحلة الابتدائية في العاطفة».. والسؤال هنا: ما الذي كان يُنتظَر من زياد الرحباني ليقوله على «الميادين»؟ هل كان يجب أن يشتم المقاومة ليأخذ استحقاقاً أمام جماهير «الالكترونية الثورية الجديدة» تلك الحشود التي دفعها عُصابها الذهني وفراغها الإيديولوجي للتنظير لمصلحة «جبهة النصرة» الإرهابية.!

حقاً لو محصّنا قليلا بالنظر إلى تاريخ لبنان، أوليسَ السيد حسن نصر الله والسيدة فيروز من القامات الشامخة التي قدمها هذا البلد الحبيب إلى العالم؟

لعله كان من الأفضل لزياد الرحباني ألا يُدخل نفسه ويقحم روحه الذكية في سجالات كهذه، من باب أن الفنان يشير إلى الظلمة والنور؛ وليس من مهمته أن يجد حلولاً سياسية، وإنما يعبّر عن رأيه من خلال مقولته الفنية ومشروعاته الإنسانية الإبداعية، لكن من الذي فوَّضَ نفسه ليعد أن ليس لدى صاحب «أبو علي» مشروع سياسي؟ فهل كانت مسرحياته فقط للتسلية؟.. أم كانت تحمل المضمون السياسي الوطني الذي لا يختلف عن موقفه الآن؟ وهل يجب على طفل الروح الموسيقي ألا ينزعج ولا يتكلم؟.. وكيف لمخترع الأسلوب الموسيقي، ولنازع الابتسامة من فكيّ الدهر ألا يرى؟ أو ليست الموسيقا رؤية ؟..و الإبداع رؤية؟

ومن منَّا بمنأى عن السياسة، وتحديداً بعد الحدث السوري؟ أجل لا يمكن القول إثر ما حصل ويحصل في المنطقة، من خطر على الرونق والوطن، وإثر الأطوار والآراء الغريبة والمفرطة في كل الاتجاهات، إلا الجملة الآتية: «وطني... معرفتي فيك إجِت عَ زعل».. للأسف.!