2014/02/07

النداء الأخير للحب
النداء الأخير للحب

 

بديع منير صنيج – تشرين

 

 

وسط دمشق بالقرب من «نادي الشرق» انطلق تصوير «النداء الأخير للحب» أولى خماسيات «الحب كله» التي تنتجها المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي بإدارة المخرجة سهير سرميني، لترصد من خلال نص رانيا بيطار كيف اختلف سكان البناء الواحد/الوطن بعد الأزمة؛ فأغلق كل منهم بابه في وجه جاره، وكأن لعنة حلَّت عليهم، فأحالت الحب بينهم كرهاً والتواصل فرقة وتباعداً.

 

تقول السيناريست «بيطار» عن فكرة خماسيتها: «أبو عصام وأبو غيث (عديلان) قبل أن تجمعهما القرابة جمعتهما صداقة طويلة، لكن كل الحب والود والعشرة تبخر فجأةً، فأبو عصام (مع) وأبو غيث (ضد) لمَ هذا مع وذاك ضد لا أحد يعرف؟ ولا ندري كيف استطاع هذان الحرفان (مع وضد) بناء جدار عالٍ من الخلافات واشتد الكره ليأكل كل شيء جميل كان يوماً بينهما». لتضيف الكاتبة بيطار: «جارهم الثالث (أبو حسن) يُتَّهم بعد الأزمة من جيران عُمره بأنه من القرية ومن شريحة اجتماعية مغايرة فيُصدم لكنه يحافظ على طيبة ابن الضيعة في تعامله مع من شاركهم أفراحهم وأتراحهم، أما (أبو ماري) الجار الرابع فنأى بنفسه وابتعد عن جيرانه بعد أن عدّ نفسه من شريحة اجتماعية صغيرة.  أستطيع القول: إن (النداء الأخير للحب) هو آخر نداء ينطلق عادة كتنبيه للمسافرين  قبل إقلاع الطائرة وترك المسافرين في المطار، وهي تأتي رمزاً لحجم الخطر الذي تتعرض له سورية إن لم نسرع للملمة جراحنا ومحبة بعضنا من جديد».

المخرجة سهير سرميني قالت في حديث خاص لـ(تشرين دراما): «إن أكثر ما لفت نظري في نص بيطار هو ارتباطه بالواقع الراهن، فمعايشته درامياً من الممكن أن تؤثر في المشاهدين، ولاسيما أن هذه الخماسية تسلط الضوء على التغيرات التي طرأت على السوريين قبل وبعد الحرب، وتوجه نداء لكل السوريين:«إننا إن لم نعد يداً واحدة وعقلاً واحداً فإننا سنخسر الكثير وبالدرجة الأولى سنخسر أنفسنا ووطننا». تتابع  المخرجة سرميني: «إن قيمة هذا الموضوع تأتي من كونه مفيداً للناس لتوعيتهم بما يحدث في بلدنا، ونحن الآن أحوج ما نكون لنتفق ونعيد النظر بكل خلافاتنا لأننا بالنتيجة نبقى أهلاً وينبغي أن نبقى مع بعضنا».

مختصر وطن

«البناء مختصر للوطن بشكل أو بآخر، بنزاعاته وخلافاته، وفي الوقت ذاته بتكوينه النفسي والروحي» بهذه العبارة اختصر الفنان فائق عرقسوسي الذي يؤدي شخصية «أبو عصام» فكرة «النداء الأخير للحب» ويقول نجم المسرح القومي: «تلامس هذه الخماسية الواقع وتكشف ما كنا عليه وما آلت إليه حالنا، وفيها تأكيد على أن ما حصل كان كارثة على الجميع، وسيصل سكان البناء إلى قناعة بأن الوطن هو الأساس وينبغي أن نستعيد المحبة والألفة والحياة المتناغمة في كل تفاصيلها، فالحرب الدائرة لا تليق ببلدنا، وما يحصل لا يمت لثقافتنا ولا بيئتنا ولا تربيتنا ولا جذورنا بصلة، ولاسيما أن بيوتنا متعانقة وشبابيكنا وياسميننا يعرّش من بيت لبيت، وهذا ما سيجعلنا نتطلع بحميمية ومحبة أكبر لبعضنا بعد أن ندرك حجم خطئنا عندما تفرّقنا».

الفنان نجاح سفكوني الذي يجسد شخصية (أبو غيث) يرى أن معظم شخصيات الخماسية تمثل الطبقة الوسطى التي تأثرت أكثر من غيرها بالحرب، ليس فقط على صعيد العلاقات الاقتصادية، وإنما على الصعيد النفسي والروحي والإنساني، ويلفت إلى أن: «(النداء الأخير للحب) يتناول موضوعة أساسية وهي أن البعض حاول أن يغامر من أجل الخلاص الفردي، لكن تبين في النتيجة أن ذلك غير وارد على الإطلاق» يعقب الفنان سفكوني: «ما يجري منذ ثلاث سنوات تأثر به الجميع، ومن سافر عاد بخيبة أمل، ومن بقي أصبح مطالباً بأن يعيد النظر بكل شيء ولاسيما على الصعيد الإنساني، لأن الروح تمزقت وتبعثرت، ومن المهم في هذا العمل أن هذه الفقاعة من التغييرات الكبيرة وبعد أول منعطف إنساني ستعيد السوريين ليشعروا ببعضهم بعضاً، فكما أن الحرب فرّقت فإن اللحظة الإنسانية جمعت، وأرى أن هذه الخماسية مكتوبة لهذه الأيام الأخيرة من هذه الحرب، ومن هنا تأتي أهميتها، مع العلم بأن الأحداث الدامية والمدمّرة في حياة الشعوب والبشر، كالتي تعيشها سورية الآن، لا يستطيع أي كاتب في الدنيا أن يقترب منها بنظرة حقيقية وثاقبة، فهي تحتاج فترة من الوقت لتتوضح، بمعنى أنه ينبغي الابتعاد فترة من الزمن لنراها من بعيد، ولاسيما أن الحدث سوري معقد ومركب إقليمياً ودولياً وأحياناً داخليا» ويرى الفنان نجاح أن «على الأدب والفن عموماً في مقاربته لهذه الأزمة أن يبتعد قليلاً ويترك مسافة بينه وبينها ليعيد التقييم من جديد وربما بهامش أكبر، وما ينبغي قوله الآن هو أن سورية أولاً، وعليّ أن أكون سورياً ومتنازلاً عن الكثير من وجهات نظري لما بعد هدوء العاصفة».

وجع الناس

ذاك الابتعاد الفني في مقاربة الأزمة توافق عليه الفنانة نادين الخوري في حال كان العمل يحلل الوضع الراهن بكل تفاصيله ضمن مسلسل طويل، لكن هذه الخماسية ترصد صورة حقيقية لما نعيشه اليوم من دون أن تقدم تقييما وحلاً: «هذا التقاطع مع الواقع وحرارته الآنية عندما تتناوله الدراما فإنه سيترك أثراً كبيراً جداً في المشاهدين ولاسيما أن الخماسية تتكلم عن وجع الناس». وتضيف الخوري موضحة: «ملامح شخصية (أم عصام) التي تنتمي لعائلة وضعها الاجتماعي أقل من المتوسط وهي امرأة حنون وواقعية جداً، ومتماسكة بمعظم حالاتها، لكنها تصل لمرحلة لا تستطيع معها أن تتحمل وضعها نتيجة الضغوطات الاقتصادية والنفسية والاجتماعية... ولاسيما أن محيطها ينسلخ عنها ويعارضها؛هذا الانعكاس الاجتماعي مرصود بشكل جميل من الكاتبة، وأنا أحببت الشخصية لأنها ملوّنة وتتوزع مشاعرها ما بين الزوجة المهمومة على زوجها الطيب وخيباته الكثيرة، والأم بعلاقتها مع ابنها طالب الجامعة وابنتها في الغربة، وكل ذلك ضمن بيتهم المستأجر».

أما الفنانة سلمى المصري فتجسد شخصية (أم غيث) المرأة الخائفة كثيراً مما يجري في سورية ومن رحى الحرب الطاحنة؛ موضحة أنها استمدت أداءها لهذه الشخصية من شخصيات الواقع.. وتقول المصري: «شخصياً أعيش الحالة ذاتها من الخوف، وأبكي دائماً على الأبرياء بعد كل تفجير أو استهداف إرهابي، وأحزن كثيراً لما يحل ببلدنا، لكنني بعد ذلك أتفاءل بأن نبل السوريين لا بد من أن يتغلب على هذه الخلافات فمهما اختلفت الآراء تبقى محبة الوطن وأمنه وأمانه الأساس».