2014/05/03

مسلسلات سورية .. خارج الحدود
مسلسلات سورية .. خارج الحدود

 

آفاق سينمائية ـ فؤاد مسعد 

 

 

لم يعد خاف على أحد مقدار التحدي الذي عاشته الدراما السورية خلال الأزمة الحالية ، وعلى الرغم من المصاعب كلها والحصار وهجرة عدد من المنتجين وخشية آخرين أن يزجوا بأموالهم في سوق يعج بالمتغيرات والألغام ، إضافة إلى غياب العديد من النجوم الذين يُعرفون (بالنجوم البّياعين) وهم من يتم بيع المسلسل إلى المحطات لمجرد حضور اسمهم في العمل ..

كل تلك الأخطار المحدقة لم تستطع إيقاف عجلة الدراما السورية أو فرملتها ، وهنا لا ندعي أن الأمور سارت على خير ما يرام وأن كل ما تم انتاجه شكّل تحفة فنية لا مثيل لها ، فقد كان هناك الكثير من الهنات هنا وهناك ، ومع بروز عدد محدد من الأعمال الدرامية كأعمال هامة برزت في المقابل أعمال شكلت عبئاً على جسد الدراما السورية لما حملته من سطحية وسذاجة وأحياناً ابتذال ..

ولكن وسط هذا الازدحام صورت في العامين الأخيرين مجموعة من المسلسلات خارج حدود البلد وخاصة في لبنان والإمارات إضافة إلى الأردن والجزائر ومصر ، كما أنه في العام الحالي هناك أعمال صورت خارج سورية وإن جاء عددها أقل نسبة لما تم تصويره في العام الماضي ، وطفت هذه الظاهرة على السطح على الرغم من أن عمليات التصوير لم تتوقف داخل سورية ، وإن لم تكن منتشرة في المدن كلها ، ولكنها كانت تسير على قدم وساق وحاول منجزوها التأقلم مع الوضع الجديد والتصوير وفق آليات وشروط فرضتها طبيعة الأوضاع الحالية ، ولكن أنجِزت أعمالاً هامة داخل البلد في الوقت الذي فضّل فيه آخرون تصوير أعمالهم خارجها .

ـ هوية وانتماء :

تساؤلات كثيرة أحاطت عملية إنتاج أعمال خارج سورية ، وهو الأمر الذي استهجنه البعض ورحب به البعض الآخر وأعتبره مَنفذاً للدراما السورية كي تبقى مستمرة ، وهنا لا بد من الإشارة أنه قبل الأزمة الحالية كانت هناك أعمال سورية (وخاصة التاريخية منها) يصور جزء منها خارج سورية وخاصة في المغرب أو مصر بسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة وأماكن التصوير إضافة إلى شؤون تتعلق بالإنتاج والتسويق ، ولكن هذا الأمر تحوّل مع دخول الأزمة على الخط إلى ظاهرة تستدعي الإشارة إليها ومناقشتها ، حيث انتقل تصوير العمل برمته إلى مكان آخر ، خاصة أن التصوير خارج سورية له أعباؤه حتى على المنتج والممثل والمخرج ، فعلى سبيل المثال هناك أعمال صورت في أحد الأماكن خارج سورية عانى أصحابها من إيجاد مواقع مناسبة للتصوير الخارجي ، وعندما أرادوا الاستعانة بالكومبارس لم يجدوا أشخاصاً مدربين ، لا بل لم يجدوا بداية كومبارس أصلاً . إضافة إلى التكلفة المالية العالية أحياناً لأجور النقل والإقامة والإطعام ..

الأمر الذي لم يكن يُعتبر معضلة في سورية . وبالتالي هناك الكثير من الأسئلة التي رافقت إنتاج أعمال خارج سورية ، ابتداءً من الجدوى منها وليس انتهاءً بالسبب الذي دعا إليها ، والسؤال اليوم : كيف يمكن قراءة اتجاه عدد من المنتجين السوريين إلى أنجاز أعمالهم خارج سورية وفي العديد من الأحيان بالشراكة مع شركات أو محطات عربية أخرى ؟ ولماذا لجأ مخرجون إلى تصوير أعمالهم خارج البلد ؟ كيف يمكن التعامل مع هذه المسلسلات ؟ أهي تنتمي إلى الدراما المحلية ؟ أم هي عابرة للبلدان ؟ لا بل بأية خانة يمكن تصنيف المسلسلات التي صوٍّرت خارج سورية ..

أتُعتبر مسلسلات سورية أم عندما تصور في مكان آخر تكون قد أخرجت العمل من حاضنته ؟ هل تم اختراق الصناعة الدرامية السورية التي كانت تُدار داخل البلد ويقتات من كل مسلسل فيها مئة عائلة وأكثر بينما عندما تصوره خارجها فلن يكون هناك فرص عمل ؟..

وهل تشكل المسلسلات التي صورت خارج سورية حالة تكاملية مع جسم الدراما السورية ، أم أنها غريبة عنه ؟ خاصة أن الكثير منها ضم عاملين ، فنيين وفنانين ، من البلد المضيف ؟ ثم هل تنعكس تلك الأعمال بشكل عام سلباً أم إيجاباً على الانتاج الدرامي السوري أم تشكل حالة تكاملية معه ؟.

ـ آراء ومواقف :

الكاتب الدرامي أحمد حامد يرى أن الأعمال التي تصور خارج البلد ويكون فيها المخرج والممثلون من سورية ، تبقى الدراما السورية هي الطاغية فيها ، وبالتالي هي (دراما سورية) أينما صورت .

وقال : دائماً المهم الفكرة وما تريد قوله في العمل ، وبالعموم يمكن القول أن من يصور في الخارج قد يكون له مبرر الأزمة وما يجري فيها ، وبرأي أنه ينبغي أن نلتمس أعذاراً للآخرين . ولكن بالنسبة إلي فعندما حاولت العيش خارج سورية لفترة قتلني الحنين فعدت لأعيش فيها بغض النظر عن الظروف .

أما المخرج محمد فردوس أتاسي فيقول : إن كنت تريد أن تقدم عملاً بيئوياً سورياً فإن أي مكان تصور فيه خارج البلد سيكون غير مقنع . فعندما قدمت مسلسل (الوردة الأخيرة) عام 2005 اضطررت للذاهب إلى حلب كي أصوره مما كلف زيادة مالية في الانتاج بسبب الإقامات ، لأن حلب لها خصوصيتها ، ومن غير الممكن القول انك تصور ضمن بيت حلبي في حين أنك تصور في بيت شامي ، فلكل منهما رائحته وخصوصيته ، والسوق الحلبي مختلف عن السوق الشامي .

وبالتالي كيف يمكن أن تُقنع الناس أنك تسير في شوارع الشام في حين أنك تصور عملك في مكان آخر خارجها ؟.. وهنا أذكر مثالاً أن هناك مسلسلات تجري أحداثها في حلب أعيد كتابتها كي تجري أحداثها في دمشق لتصور فيها ، لأن دمشق لها خصوصيتها .

وتؤكد الفنانة رنا كرم أنه طالما أنجزنا العديد من الأعمال في سورية رغم الظروف الصعبة فكان بالإمكان تصوير الأعمال الأخرى داخل البلد ، تقول : أفضل أن يستفيد أولاد بلدي من تصوير الأعمال سواء من خلال اليد العاملة أم إيجار المنزل والمحلات بقصد التصوير ..

كما كنت أتمنى لو أن الانتاج سورياً بحتاً ، لأنه عندما نصور في بيروت على سبيل المثال نُخرج العمل من البصمة والنكهة السورية فالكل يعرف أنها بيروت ولن يقتنع أحد أن مجريات العمل تحدث في دمشق ، وبالتالي إنني لست مع تكريس هذه الظاهرة ، إلا أن مسلسلاً مثل (سنعود بعد قليل) احترم المشاهد وكان من أساس النص فيه جزء في دمشق وجزء في بيروت . إلا أن هناك أعمالاً أخرى أتساءل لماذا تم تصويرها في لبنان أو الأردن أو أبو ظبي ؟ وعندما تقول أنه عمل سوري لماذا لم تصوره في سورية ؟.

وبكلامي هذا لا ألوم هذه الظاهرة ، ولكني أؤيد الدفاع عن وجودنا هنا في سورية بشكل أكبر .