2014/05/09

الفنانة القديرة ثراء دبسي
الفنانة القديرة ثراء دبسي

 

مظفر إسماعيل – دار الخليج

 

 

يجمع عدد كبير من الباحثين والنقاد على أن الانطلاقة الحقيقية للدراما السورية جاءت بفضل مجموعة من الأعمال المهمة التي رسمت طريق النجاح لها، وكانت من جملة تلك الأعمال منظومة من الأعمال الحلبية التي تناولت بيئتها المشهورة في العالم العربي وخارجه، وكان من أهم تلك المسلسلات "خان الحرير" و"حمام القيشاني" و"الثريا"، وغيرها من الأعمال التي لا يمكن لأحد تجاهل القيمة الكبيرة التي حملتها في تلك الفترة .

لكن، وفي الأعوام القليلة الماضية، شهدت الدراما السورية تراجعاً حاداً وصفه الكثيرون بالخطر في مجال الأعمال البيئية الحلبية وصلت إلى عمل واحد في الموسم، إلى حد غابت فيه عن الشاشة بشكل شبه نهائي في المواسم الأخيرة، الأمر الذي رآه الكثيرون ظلما كبيراً وإهمالاً غير مبرر لأعمال لطالما كانت تشكل نقطة قوة في مجموعة الأعمال السورية التي قدّمت في كل موسم، ومهما كانت التبريرات التي ثار الحديث فيها عن حول تهميش الأعمال الحلبية، فإن القائمين على الدراما لا يمكنهم التهرّب من المسؤولية حيال الأمر، فإن لم يكونوا مسؤولين عن غيابها، فهم مسؤولون عن عدم إعادتها إلى الواجهة أو التأخير في علاج المشكلة بمعنى أدقّ .

واقع مرير ذلك الذي تمر به دراما البيئة الحلبية على عكس الواقع المزدهر بالكم الذي تعيشه أعمال البيئة الشامية، ويذكر المشاهدون ربما عملاً أو اثنين فقط عرضا منذ سنوات كانا في قائمة آخر أعمال البيئة الحلبية هما "البيوت أسرار" و"كوم الحجر" .

وفي التحقيق التالي نستطلع آراء مجموعة من الممثلين أصحاب الخبرة بهذه النوعية من الأعمال عن واقع الأعمال الحلبية وأسباب غيابها .

المخرج الشهير هيثم حقي رأى أن المستوى الهزيل الذي قدمّته الأعمال الحلبية في السنوات الأخيرة، وابتعادها عن تقديم الأفكار المهمة، أسهماً في تراجعها إلى حد كبير، وأديا إلى قيام المسؤولين عن الإنتاج الدرامي إلى التوجه نحو أعمال أخرى، إلا أنه رأى إهمالها مثيراً للجدل، مشيراً إلى ضرورة العمل على إعادة الألق إليها، لأنها جزءً لا يتجزّأ من الدراما على حد تعبيره، فيقول: "المسؤولون والقائمون على الدراما السورية أهملوا أعمال البيئة الحلبية في الفترة الأخيرة بشكل مثير للجدل، كما أنهم وجّهوا الاهتمام إلى باقي الأنواع على حساب نوع مهم من أنواع الإنتاج الدرامي، وأوجّه العتب الشديد إليهم وأتمنى ألا يتعاملوا مع الدراما الحلبية التي قدّمت الكثير من الأعمال التي لا يزال تأثيرها واضحاً حتى الآن بهذا الشكل السيّئ، فهي تتمتع بمكانة لدى الجميع حالها حال البيئة والمجتمع الحلبي بشكل عام" .

ويضيف حقي: "صحيح أن الأعمال الحلبية ظهرت بمستوى لا يليق في الفترة الأخيرة، وكانت تعتمد على مكانتها فقط دون أن تعتمد على طرح الأفكار المهمة المنتزعة من قلب الواقع الحقيقي، ما أدى إلى إهمال الكثير من المنتجين والكتاب وصرف النظر عنها، إلا أن القائمين على الدراما كان عليهم الاهتمام بها ومعالجة هذا الخطأ الكبير الذي أدى في النهاية إلى تراجعها بهذا الشكل، ورأى أن على الجميع أن يتعاونوا ويعملوا على إعادة الأعمال الحلبية إلى الواجهة، لأنها من أهم الأعمال التي قدمت في الدراما السورية عبر تاريخها الطويل" .

من جانبه، رأى الفنان المخضرم عمر حجو أن جميع التبريرات التي سمعها حول غياب هذا النوع من الدراما وقلة أعمالها عارية عن المنطق، محمّلاً المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون مسؤولية تهميش المسلسلات البيئية الحلبية، وأكد ضرورة معالجة المشكلة قبل أن تنعدم تلك الأعمال بشكل نهائي وفق وصفه، حيث قال: "سمعت الكثير من التبريرات عن غياب أعمال البيئة الحلبية، ومعظمها كانت تتحدث عن نقص في النصوص وانصراف الكتاب عن كتابة هذه الأعمال وتوجّههم إلى الأعمال الكوميدية والاجتماعية والبيئية الشامية، لكن برأيي هذه التبريرات مخجلة وتدعو للضحك، فلا يمكنني تصور الدراما السورية التي تتوفر على مجموعة متميزة من الكتاب الذين يكتبون أروع النصوص في شتّى المجالات، غير قادرة على إيجاد ولو نصّ واحد يتحدث عن البيئة الحلبية، لذلك قلت مراراً وتكراراً إن التبريرات التي تتحدث عن شحّ في النصوص كلها بعيدة كل البعد عن المنطق" .

وتابع حجو: "المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني تتحمل مسؤولية كبيرة في هذه المشكلة، وعليها محاربة التهميش الذي تتعرض له دراما البيئة الحلبية، ومن الضروري الإسراع في إيجاد حل يضمن للأعمال الحلبية العودة إلى الظهور إن لم يكن إلى الواجهة، كما يجب العمل على تجنيب الأعمال البيئة الأخرى ما تعرّضت له الأعمال الحلبية، فهي مظلومة، وللأسف الشديد بلغت حداً من الجمود أصبحت فيه عاجزة عن النهوض إلا بعد عمل شاقّ وطويل، وكلما تأخّر القائمون على الدراما في المعالجة، ازداد أمر نهوضها صعوبة" .

بدوره تعجب الفنان المتميز فايز أبو دان من غياب الدراما الحلبية التي تتناول هذا المجتمع الذي يعد منتجاً للنجوم الدراميين وفق قوله، مشيراً إلى أن حلب أم النجوم، وموطناً لعدد كبير من نجوم الصف الأول، كما أبدى استياءه من ظاهرة غياب المنتج الحلبي رغم توفر رؤوس الأموال الكبيرة في حلب، ويقول بهذا الصدد: "أعجب لما حدث فجأة لدراما البيئة الحلبية، فبعد أعوام طويلة كانت فيها هذه الأعمال تتصدّر الدراما لسورية، أصبحت تلك الأعمال شبه معدومة، وأصبح المتابع الذي لطالما عشقها، بالكاد يشاهد عملاً حلبياً جديداً يعرض على الشاشة، والأمر مؤلم بالنسبة لي، وأعتقد أن الأمر كذلك بالنسبة لجميع المتابعين، والعجب يأتي لأننا نتحدث عن حلب التي تعد أماً لعدد كبير من نجوم الدراما السورية الذين توجّهوا إلى العمل في الأعمال الأخرى من اجتماعية وكوميدية وشامية وغيرها" .

ويكمل أبو دان: "حلب تمتلك الكثير من الإمكانات المادية والفنية، والمجتمع الحلبي يعد من أغنى المجتمعات من ناحية الأفكار الدرامية، وبإمكان الكتاب تأليف آلاف المسلسلات التي تتحدث عن المجتمع الحلبي، لكن اهتمام المنتج الحلبي والمستثمرين في هذا المجال بالأعمال الأخرى من شامية واجتماعية وغيرها على حساب الحلبية، ساهم في تراجعها إلى حد كبير" .

أما الفنانة القديرة ثراء دبسي فأعربت عن حزنها الشديد لغياب العمل الحلبي عن الشاشة في الأعوام الماضية، مشيرة إلى أهمية وروعة ما عرض في الماضي من مسلسلات الدراما، وتعجبت من انصراف المنتجين عن هذه النوعية من الأعمال، فتقول: "من المحزن ما يحدث في الفترة الحالية للأعمال الحلبية التي كانت تشكل في الماضي مطلباً جماهيراً، ففي الماضي أنتج عدد كبير من الأعمال التي تناولت الحديث عن البيئة الحلبية العريقة، وكانت كلها تنال متابعة جماهيرية واسعة، لكن في الفترة الأخير غابت أعمال البيئة الحلبية عن الشاشة، وغاب معها البريق والرونق الذي كانت تتركه تلك الأعمال ذات اللهجة الجميلة والمجريات الممتعة وغير ذلك من المقومات التي استندت إليها" .

وتتابع: "انصرف المنتجون والكتاب عن البيئة الحلبية وعن كتابة النصوص وإنتاج الأعمال التي تتناولها، وهو ما شكّل ظلماً كبيراً لها، وهي التي تستحق جزءاً من الاهتمام الذي تحظى به باقي المجتمعات والبيئات كالشامية مثلاً، أتمنى أن يعود المنتجون لطلب النصوص التي تتحدث عن المجتمع، كي تعود هذه الدراما إلى الواجهة من جديد، وتعود معها نكهة البيئة الحلبية إلى الجمهور الكبير الذي يحبّها" .