2014/05/17

برنامج "شكلك مش غريب"
برنامج "شكلك مش غريب"

 

مارلين سلوم – دار الخليج

 

 

نريد أن نخرج من هذا الإطار الضيق والتصنيف الذي يحب البعض السير في خندقه حتى وإن كان الأمر يتعلق ببرنامج . فهناك أشخاص يتركون اللب ويتمسكون بالقشور، يتركون البرنامج وكل ما فيه ويسألونك: هو مصري أو خليجي أو لبناني أو . .؟

البرامج اليوم أصبحت تحمل الهوية العربية، والبرنامج الواحد تشاهده على شاشة لبنانية مثلاً، ثم تكتشف أن قنوات مصرية وخليجية تعرضه بنفس التوقيت، إذاً الإنتاج لمن؟

مقدم البرنامج لا ينتمي إلى جنسية المنتج، وإذا تولى التقديم ثنائيّ فهما من هنا ومن هناك، حتى أن بعض المذيعين أصبح يدمن السفر بين القارات، ليتمكن من تصوير كم حلقة من برنامجه المصري، ويعود إلى برنامجه الثاني في بيروت، تماماً كما هي حال الممثلين الذين يتنقلون في الطائرة من أجل اللحاق بأدوارهم ومسلسلاتهم بين دبي ومصر وبيروت .

وحدهم الضيوف، اعتدنا على وجودهم المشترك منذ سنوات، ومن الطبيعي أن يكونوا من كل الجنسيات العربية، وأن تستقبلهم كل القنوات .

المهم أن يتوقف المشاهد عن تصنيف البرامج وفق الهوية، ولنتوقف عند المضمون . واليوم يستوقفنا مجدداً مضمون برنامج "شكلك مش غريب" على "ام بي سي 4"، الذي يبدو جيداً في جوانب، و"غريباً" في جوانب أخرى . طبعاً الفكرة ليست جديدة وهي مقتبسة عن برنامج أجنبي، كما أن "إم بي سي" نفسها قدمت سابقاً برنامج "بحلم بيك" الذي ظهر فيه النجوم وهم يتواءمون مع نجوم آخرين وفق نفس موهبتهم وهي الغناء، وكان تلفزيون "دبي" سبقها في تقديم برنامج من نفس النوعية وهو "زي النجوم"، مع الفارق أن المتنافسين في تقليد النجوم كانوا من الهواة، أما في "شكلك مش غريب" فالمطلوب من بعض النجوم اقتباس الشخصيات المشهورة وتقديمها بما يتطابق معها شكلاً وروحاً .

من أهم ما يقدمه لنا البرنامج، هو الكشف عن القدرات الفنية التي يمكن أن يصل إليها كل من هؤلاء النجوم المشاركين: عبد المنعم عمايري، باسمة، ديمة قندلفت، ميس حمدان، تامر عبد المنعم، وائل منصور، خالد الشاعر، وجينيفر جراوت . وفي كل حلقة، يتبين أن البعض قدم أقصى ما لديه بلا تميز حقيقي، بينما آخرون يتألقون بأشكال مختلفة ويفجرون طاقات في داخلهم تستحق التقدير .

عبد المنعم عمايري أدهش المشاهدين بتقمصه جورج وسوف، ثم فريد الأطرش، وكأننا نكتشفه من جديد . فعمايري ليس ممثلاً فقط وإنما هو أستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية، لكنه لم يسبق له الغناء ولا تقليد الآخرين . لذا يمكن القول إن البرنامج أفاده لأنه قدم له مجموعة أدوار تظهر جوانب من موهبته ستبقى خفية عن العيون طالما أنه يجسد أدواراً لشخصيات عادية في الدراما . والكلمة التي تنطبق على العمايري أنه يلبس الشخصية من رأسه حتى أخمص قدميه، لا يقلدها ولا يقلل من حجمها ولا يزايد عليها، وكأنه يعيشها جسداً وروحاً، وهنا قمة الموهبة والفن .

المغنية باسمة تتفوق على نفسها لأنها لم تمثل يوماً، ولم تحاول تقليد غيرها، فإذا بها تطل على الخشبة "صباح" بإشراقتها ودلعها وأدائها، ثم تبدو إديت بياف بكل تفاصيلها ولكنتها . فضلاً عن الآخرين الذين ينجحون مرة ويخفقون مرة، ولعل أكثرهم "احترافاً" لمهنة تقليد الشخصيات هما ميس حمدان وتامر عبد المنعم، لذا يتوقع منهما المشاهد أن يتفوقا ويقدما ما لم يره منهما سابقاً، أي أن يتقدما في موهبتهما إلى حدود التوحد مع الشخصية بإتقان وعدم التوقف عند "التقليد المستنسخ" الذي يجنح نحو الأداء الكاريكاتوري .

الديكور والإخراج والعملية التدريبية والمتابعة تخدم البرنامج وتقدمه بصورة جميلة، خصوصاً أن المخرج طوني قهوجي يبرع في "البرامج الاستعراضية" واللوحات الفنية الضخمة، وهذا ملعبه .

أما من يراهم المشاهد "خارج ملعبهم" فهم أعضاء لجنة التحكيم: حكيم وهيفاء وهبي و(المخرج) محمد سامي، والسبب ليس مرهوناً بالشخصيات بحد ذاتها، وإنما بمدى قدرتها على الحكم على هؤلاء الموهوبين المحترفين الذين يمرون أمام الشاشة بأداء عال جداً، بينما يأتي تعليق أعضاء التحكيم ضعيفاً وخالياً من أي تعبير فني وتحليل وتقييم حقيقي يليق بقدرات هؤلاء النجوم وما يقدمونه . والمفترض أن تتألف اللجنة وإن لم يكن الهدف من البرنامج تخريج دفعات جديدة من المواهب الفنية، وإنما هدفه الدعم المادي لمؤسسات خيرية، من خلال تبرع الفائز في كل حلقة بالمبلغ المالي لمؤسسة يختارها، إلا أنه من الضروري أن تتألف اللجنة من خبراء في التمثيل والغناء وحتى الإخراج، لترتقي إلى مستوى المواهب الموجودة وتتفوق عليهم في قدرتها على التقييم والحكم بعبارات "فنية" بعيدة عن المشاعر الفطرية التي يعبر عنها هؤلاء الأعضاء . ضروري أن تكون أكثر احترافاً من المتنافسين أمامها، كي يشعر المشاهد بشيء من المصداقية، ولا يحس بأنه أمام برنامج "مدرسة المواهب" للأطفال والذي كان الجميع يفوز فيه والكل يصفق . فهل نقطة ضعف البرنامج مرهونة بحاجة القناة إلى تسويقه من خلال أسماء معينة يعتقدون أنها ستجذب الجمهور؟ لو تخلوا عن التركيز على "الفنان الذي يبيع" وراهنوا على مواهب النجوم المتنافسين وزادوا عليهم بعضاً من المحترفين "الحرفيين" لتحقق الهدف أيضاً وبنجاح وتقدير أعلى .