2014/06/02

رياض شحرور
رياض شحرور

 

بديع منير صنيج – تشرين

 

 

وجهٌ طافحٌ بالطفولة، طازجٌ وهو في السبعين، بليغٌ حتى في أدق تفاصيله لدرجة أن الكاميرا لا تشبع من ابتسامته ودهشته وعمق صدقه. كثافة في الحضور استطاع من خلالها «رياض شحرور» (1935- 15/5/2014) التأكيد على أن التمثيل للتلفزيون ليس مجرد مهنة تدرّ أموالاً للعاملين فيها بقدر ما هو مسؤولية إبداعية تبدأ من تلقُّف الحالة الدرامية للشخصية مكتوبةً، ثم إعادة تطريزها بأقصى قدر من العناية؛ لتظهر على الشاشة بشكلها الأيقوني متعدد الملامح، والمتلوِّن بحيث لا تملّ من مشاهدته.

 

كان ممثلاً نبيلاً، وجعل هذه الصفة ملاصقة له منذ انطلاقته المسرحية عام 1955 في فرقته التي أنشأها مع مجموعة من أصدقائه وحتى آخر أدواره التلفزيونية مع المخرج علاء الدين كوكش في «أهل الراية»، إذ إنه أكّد دوماً أن هاجسه الفني هو بوصلته التي لا تفتأ تشير إلى مكامن الأداء الناضج، المنبثق من صميم الحياة وحيوية شخوصها، كيف لا وهو من أوائل المسرحيين السوريين في القرن العشرين الذين قدموا مسرح الشارع، واستطاع به أن ينال عداء أصحاب السلطة والنفوذ آنذاك حتى تمت محاربته والتضييق عليه، لكن ذلك لم يزده إلا إصراراً للمتابعة، فانتقل ليقدم أعماله المسرحية ضمن البيوتات الدمشقية، حيث أصبح حينها أستاذاً في فن الأداء للعديد من العمالقة الذين باتت أسماؤهم راسخة في الذاكرة الجمعية للسوريين من أمثال دريد لحام، رفيق سبيعي، ناجي جبر، عبد اللطيف فتحي، وغيرهم.

الفنان «رياض شحرور» التزم بالمسرح التزامه بالحياة، وكان يدرك إدراكاً تاماً أن أبا الفنون لا يتجدد إلا عبر مزيد من الاحتكاك بمتطلبات جمهوره، ولذا كان يصر على الأفكار الجديدة والابتكارات المسرحية التي تتيح له التصاقاً أكثر بالشارع السوري بهمومه وأحلامه، آلامه وآماله، كما كان يُغلِّبْ المسرح ومتطلباته على لقمة عيشه، يقول في إحدى لقاءاته الصحفية: «كان همي إنشاء جيل سوري يعرف أن المسرح نعمة على أي شعب في العالم وليس نقمة، في سبيل ذلك ندفع المال ولو من لقمة عيشنا».

وظل يعرض مسرحياته في بيوت دمشق إلى جانب مشاركاته العديدة ضمن المسرح القومي الذي بات أحد أعضائه البارزين، وبقي كذلك حتى تأسيس التلفزيون عام 1960 وافتتاح دائرة الفنون التي قدم لها العديد من الأعمال المسرحية التي جمعت نخبة من نجوم التمثيل والإخراج حينها وشكلَّت رافداً مهماً للمسرحيات التلفزيونية التي يزخر بها أرشيف التلفزيون.

إلى جانب أعماله المسرحية شارك الراحل «شحرور» ببضعة مسلسلات ترك من خلالها بصمة خاصة مُعشَّقة بفرح الأداء المسرحي وصدقه ما جعلها راسخة في ذاكرة المشاهدين، لعل أبرزها شخصية «أبو وصفي» الشره للطعام والشراب في مسلسل «عيلة خمس نجوم» مع المخرج هشام شربتجي، حيث استثمر شحرور بدانته المحببة لبناء كاريكتر خاص قائم على غريزة الجوع المتواصل، والتفكير المستمر بحشو البطن بالموجود مما لذ وطاب. وربما نجاحه في هذا المسلسل هو ما استدعى شربتجي لإشراكه في «يوميات مدير عام» بجزئه الأول بشخصية «أبو زاهر»؛ الموظف الساعي إلى تقاضي الرشوة من مأكل ومشرب مقابل تيسير أمور المعاملات، تلك العفوية المدهشة وبراءة الوجه وعمق الأداء كلها تجعلك تُصدِّق أن هذه الشخصية حقيقية وموجودة في إحدى مديريات الدولة، ومثلها شخصية «المحافظ» في الدغري إلى جانب ما قدّمه مع أمل عرفة في «دنيا» ومع دريد لحام في «أحلام أبو الهنا» وفي «بقعة ضوء» وغيرها.

رغم كل هذا الحب للحياة وعشق شخوصها، إلا أنه فارقها بهدوء ووحشة، فلم يشاركه زملاؤه وداعه، ونقابة الفنانين التي كان أحد مؤسسيها ووزارة الثقافة التي كان من أوائل أعضاء مسرحها القومي، كانتا أيضاً خجولتين في رثائه، حتى إن الكاميرات التي وقف أمامها مراراً لم تكن هي الأخرى حاضرة، فووري ثرى الشام مُتمماً سيرة رجل نبيل أحب فنّه وضحى لأجله، وما زال في قلبه غصة يرددها في قوله: «هناك خلل ثقافي فني أصابنا في بلدنا، هذا ما جعلني أبتعد».