2014/06/28

بديع منير صنيج - تشرين

 

 

يبدو أن الدراما السورية من الصناعات التي واظبت على إنتاجاتها رغم جميع الظروف المحيطة بها، فرغم ما يُشاع عن أنها تحتاج في مفاصلها إلى مجاميع كبيرة من الصُّناع على صعيد التمثيل والكوادر الفنية المختلفة من إضاءة وصوت وديكور... إضافة إلى التنقلات الكثيرة التي تتطلبها إلا أن ما أُعلن عنه حتى الآن من أعمال جاهزة للعرض الرمضاني فاقت الثلاثة والعشرين مسلسلاً ضمن مختلف التصنيفات الدرامية بين الاجتماعي والكوميدي والبيئة الشامية وغيرها، ومعظمها صُوِّر في شوارع العاصمة وريفها وضمن حاراتها وبيوتها.

مقاربات كثيرة تمكنت الدراما من تحقيقها لحياة السوريين ونبضهم سواء من خلال البحث في الأسباب التي أدت إلى ما نحن فيه، أو عبر معالجات للواقع، والصعوبات التي يمر بها البشر في سورية في جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية، أو حتى من خلال السخرية والنقد اللاذع لما آلت إليه ظروف الحياة عامةً، وفي أحيان أخرى ابتعدت الدراما عن الواقع وظلت حبيسة حكاياتها الافتراضية أو بأحسن الأحوال رهينة لرغبات الجهات الممولة والقنوات العارضة وما تفرضه من مواضيع وقضايا قد تسيء للدراما السورية والسوريين أكثر بكثير مما تفيدهم.

ملتصقة بالواقع أو بعيدة عنه.

سبعة أعمال اجتماعية سيتضمنها الموسم الرمضاني الحالي أنجزت المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي اثنين منها هما: مسلسل «القربان» تأليف رامي كوسا وإخراج علاء الدين كوكش، و«الحب كله» المؤلف من ست خماسيات لكتّاب ومخرجين مختلفين. تراعي المؤسسة في هذين العملين ملامسة الواقع السوري والشفافية في عكس حياة السوريين إذ إن «القربان» يصوّر - بحسب «كوسا»- الآلية التي يتحوّل فيها البشر إلى قرابين سواء أكان ذلك على مذبح الفقر أم الحب أم الألم... ويضيف السيناريست السوري أن العمل يسير على محورين أساسيين الأول يتناول متلازمة السادية بين الأزواج وانعكاساتها على الأسرة باعتبارها حجر الأساس في المجتمع، وذلك من خلال شخصيتين يؤديهما كل من الفنانين «فايز قزق» و«وفاء موصلي»، أما المحور الثاني فيحكي عن تحكم أصحاب النفوذ بمصائر البشر عبر الشخصية التي يؤديها الفنان «رشيد عساف» ويجسد فيها إنساناً مثقفاً مرهفاً فيما يتعلق بعائلته، لكنه في الوقت ذاته جزار عندما يتعلق الأمر بسلطته وحدودها، كما إن لديه موهبة في اصطياد المواهب وجذبها للعمل معه، الأمر الذي يجعل من الفنان «سامر إسماعيل» أحد العاملين لديه، لكنه نتيجة ذكائه استطاع ألا يكون مذعناً لجبروت تلك السلطة.

المخرج علاء الدين كوكش يرى في النص التصاقاً وطيداً بالواقع السوري معبراً أن ذلك ما شده للتصدي لإخراجه، وفي ذلك يقول: «إنه مكتوب بطريقة صادقة نتلمس من خلالها روح الحارة ببيوتها وناسها، ومنها ننطلق لنتعرف إلى الطرف النقيض من أناس الهامش، وهم أولئك الذين يعيشون في أبراج عاجية». لا يرصد «القربان» - بحسب كوكش- يوميات السوريين في الأزمة، إنما يركز على الأرضية التي نبتت عليها، يقول: «نحن انشغلنا بالأزمة أكثر من تسليط الضوء على ما قبلها، ولذا ما يميز هذا العمل أنه يحكي عن طبيعة المجتمع السوري والمستجدات الطارئة عليه منذ بداية عام 2010 وانتهاء بما قبل الأزمة، بكل التناقضات الصارخة التي يضمها مجتمعنا».

الأزمة إذاً ترخي بظلالها على إنتاجات المؤسسة وذلك يبرز أيضاً من خلال «الحب كله» الذي حققت فيه تنوعاً في الأفكار والرؤى الإخراجية، عبر استكتاب مجموعة من كتاب السيناريو لينتج عن ذلك ست خماسيات هي «ما زالت الحافلة تسير» تأليف ديانا فارس وإخراج غسان جبري، «كلام في الحب» سيناريو عدنان الأزروني وإخراج محمد وقاف، «النداء الأخير للحب» تأليف رانيا بيطار وإخراج سهير سرميني، «استعداداً للرحيل» سيناريو عمر الشيخ وإخراج وسيم السيد، «إيقاع» تأليف آنا عكاش وإخراج زهير قنوع، والخماسية السادسة بعنوان «نصر» سيناريو فادي زيفا وإخراج زياد جريس الريس، وجميعها تدور حول الحب في زمن الحرب، متمثلة الكثير من المشاهد والحوارات التي نتلمسها عند السوريين، مبرزةً إنسانية الإنسان السوري، لاسيما بعد الكثير من حملات التشويه الإعلامية التي طالته، لذا نشاهد في تلك الخماسيات عمق الحب والتضحية، الجمال، والخير، وعطاءات السوريين وتسامحهم فيما بينهم، لتكون مراهنة مؤسسة الإنتاج في الأساس على القرب من الناس والتماس معهم عبر موضوعات يعيشونها بشكل يومي.

الصراع الدائر في سورية يتجسد أيضاً في مسلسل «ما وراء الوجوه» الذي كتبه «فتح الله عمر» وعالجه درامياً المبدع نجيب نصير وحمل توقيع المخرج مروان بركات، إذ إنه يحكي عن أسرتين تبدوان ظاهرياً متحابتين إلا أن الواقع يخفي الكثير من الحقد الذي يؤدي إلى صراع على مستوى عالٍ من الدموية ويترك آثاره السلبية على كلا الأسرتين ومن أبطال العمل بسام كوسا وأيمن زيدان وعبد المنعم عمايري وسلمى المصري وكثر آخرين.

ورغم ما تبديه الدراما الاجتماعية «خواتم» (تأليف عبد المجيد حيدر وإخراج ناجي طعمة) في بدايتها من دفاع عن النساء المعنفات عبر رجل الأعمال الذي ينشئ مع شريكته جمعية خاصة بهن، إلا أن التحول الدرامي يتم من خلال استغلال الفتيات، اللذان قاما بانتشالهن من التشرد وإعادة تأهيلهن، وتعليمهن، ليعملن لمصلحتهما لاحقاً، بمعنى أن هناك استغلالاً أخلاقياً خطراً تتضمنه حدوتة «خواتم» ويوازيها في الخطورة الأخلاقية عمل «صرخة روح» بجزئه الثاني، إذ إنه يمعن في تشويه الأسرة السورية عبر التركيز من خلال ست خماسيات على مجموعة من الخيانات المحرمة وسفاح القربى، وكأن مقدار التشويه الذي حققه الجزء الأول من العمل لم يكن كافياً أو أن شهوة الربح لم تنطفئ لدى صناع هذا العمل عموماً.

كوميديا من العيارين الثقيل والخفيف

الكوميديا تحضر في هذا الموسم من خلال سبعة أعمال وهي تنقسم بين العيار الثقيل من خلال مسلسلي «بقعة ضوء» بجزئه العاشر و«الحقائب» وبين الكوميديا الخفيفة عبر مسلسلات «سوبر فاميلي» «غيوم عائلية» وعمل «السيت كوم» «نيو لوك» وأعمال «بحلم ولا بعلم» و«انس همك» و«زنود الست» بجزئه الثالث. الثقل الكوميدي لبقعة ضوء يتم من خلال تركيزه العالي على الكثير من المواضيع التي يعاني منها المواطن السوري فضلاً عن إعادة الشراكة بين الممثلين «باسم ياخور» و«أيمن رضا» كمؤسسَيْن لهذه السلسلة إضافة إلى المخرج «عامر فهد» الذي أثبت جدارته في إدارة هذا العمل بلوحاته الكثيرة ووفق حساسية عالية في الشكل والمضمون واختيار الممثلين. الأمر ذاته ينطبق على المخرج «الليث حجو» الذي يستمر في شراكته مع «ممدوح حمادة» بعد «ضيعة ضايعة» و«الخربة» بعمل لا ينتمي إلى بيئة معينة بقدر انتمائه إلى الوطن ككل، إذ يروي «الحقائب» عبر مجموعة حلقات منفصلة متصلة قصة عائلة عادية تقطن في سورية اليوم، وبسبب أهوال الحرب يقترح أحد أفراد الأسرة، الهجرة  كحل نهائي. في البداية يقف ضده جميع أفراد الأسرة، ولكنه في نهاية المطاف يتمكن من اقناع الأب والأم، ثم تبدأ مرحلة صراع من أجل إقناع بقية أفراد الأسرة، فهناك الرومانسيون الذين يتمسكون بفكرة البقاء، وهناك أصحاب المصالح الذين لا يمكنهم إلا  البقاء، والمتحمسون للرحيل وللجميع دوافعه وأسبابه، في نهاية المطاف يقتنع الجميع بالهجرة، بعضهم على مضض، وبعضهم عن قناعة. ولكن الأم تضع شرطاً، بأنه لن ترحل إلا إذا هاجر الجميع معها، ولهذا يتجمع الكل من أبناء وبنات وأزواجهم في البيت الكبير الذي يفترض أن ترحل منه العائلة، ويضعون حقائبهم خلف الباب.

أما ما يتعلق بـ «نيو لوك» تأليف: حسام جليلاتي وإخراج: وسيم السيد فتتم جميع أحداثه ضمن صالون للحلاقة ويتعرض صاحبه والعاملون فيه إلى مواقف كوميدية مختلفة مع الزبائن ومندوبي المبيعات، في حين أن «سوبر فاميلي» تخلى عن الخلل الأساسي في جزئه الأول المتعلق بكتابة السيناريو من خلال الاعتماد على «أسامة كوكش» الذي نقل الأحداث من طرطوس إلى دمشق، وجعل من العمل حلقات متصلة، محاولاً أن يجعل من «غيوم عائلية» أكثر راهنية وقدرة على الاتصال مع الواقع السوري. بينما يبقى عملي «بحلم ولا بعلم» تأليف: نعيم الحمصي، فادي الحسن، أحمد حجازي، نورهان قصبللي وإخراج: طارق خربوطلي، ومسلسل «انسى همك» تأليف: محمد عبود وإخراج: عمار النحاس، قيد الاختبار لسببين أولهما كونها التجربة الأولى للقائمين على العملين كتابةً وإخراجاً، وثانيهما أن المسلسلين تما بقيم إنتاجية منخفضة ما يضعهما تحت ظروف خاصة لا يمكن الحكم عليها إلا بعد المشاهدة. ليستمر مسلسل «زنود الست» بعرض أهم الطبخات ضمن قالب درامي محققاً نمطاً خاصاً من هذه الصناعة أكثر ما يمكن وصفها هي أنها «دراما المطبخ» وهي من إخراج: تامر إسحق.

دراما الشام

الكوميديا تستمر لتختلط مع دراما البيئة الشامية من خلال مسلسل «رجال الحارة» إخراج «فادي غازي» عبر صيغة تهكمية من مسلسل «باب الحارة» برجالاته وقبضاياته وعكيده الذي لا يقهر، و«خان الدراويش» كتابة: مروان قاووق وإخراج: «سالم سويد» الذي يحول مفردات البيئة الشامية إلى مادة للتندر والسخرية.

أما مسلسلات البيئة الأخرى فهي الجزء السادس من «باب الحارة» الذي يشهد عودة «أبو عصام» كأهم الأحداث إضافة إلى خط درامي جديد حقق شراكة للفنان أيمن زيدان مع هذا العمل الذي تنتجه شركة ميسلون بالتعاون مع مجموعة mbc السعودية. فرع آخر للدراما الشامية تلصق به صفة الشعبية سيكون حاضراً من خلال مسلسل «طوق البنات» تأليف «أحمد حامد» وإخراج محمد زهير رجب وإنتاج شركة «قبنض» الذي يبني أحداثه على قصة حب حدثت بين أحد الضباط الفرنسيين وصبية تاهت عن أهلها فتتبدل حياة ذاك الضابط وتنقلب رأساً على عقب، بمعنى أنه رغم الإطار التاريخي لذلك العمل (بين أواخر العشرينيات وفترة الاستقلال السوري) إلا أنه يخرج عن الإطار التوثيقي الدقيق باتجاه التركيز على الحكاية.

الأمر ذاته ينطبق على مسلسل «الغربال» تأليف: سيف رضا حامد وإخراج: ناجي طعمي إذ تدور أحداثه بصورة أساسية داخل حارات حي الشاغور الدمشقي في العام 1927 ويتناول قصة اجتماعية يحتدم فيها الصراع على السلطة، ما ينتج عنه الكثير من الظلم والضحايا الذين لا ذنب لهم إلا وجودهم ضمن ساحة ذاك الصراع.

لكن العمل الأبرز الذي يمكن تصنيفه ضمن دراما البيئة الشامية ومن الإنصاف أيضاً إدراجه ضمن الدراما التاريخية فهو مسلسل «بواب الريح» لمؤلفه «خلدون قتلان» ومخرجه «المثنى صبح» وإنتاج شركة سما الفن الدولية، ويتحدث العمل عن فتنة عام 1860 التي انتقلت من جبل لبنان إلى دمشق، وما أحدثته من خلخلة في البنية الاجتماعية في الشام. هذا العمل وبحسب الكثير من العاملين فيه أمثال: دريد لحام وعلي كريم وغيرهما له خصوصية لأنه مكتوب بحرفية عالية لا تستغل البيئة كسلعة، بقدر ما تنطلق من روح الشام لترسم دراما لها انعكاساتها على الواقع، وتقارب البيئة بما تعنيه من كونها مرجعية ثقافية ينبغي الولوج إلى أعماقها لرسم ملامح.