2014/08/07

«بقعة ضوء»
«بقعة ضوء»

 

علي الحسن – الوطن السورية

 

 

تمضي «بقعة ضوء»؛ السلسلة الأهم في الدراما السورية في طريقها إلى الشاشة الفضية بتواتر وهمة عالية وإصرار على النجاح وقد أصابت قدراً كبيراً منه على امتداد نسخها الماضية وصولاً للنسخة العاشرة في العام الحالي التي نالت حال البلاد في أزمتها والحرب الدائرة فيها الاهتمام الأكبر في اللوحات وهي ترصد تفاعل السوريين مع ما يجري في بلادهم؛

الأثر والتأثر في سطوة حرب أفرزت واقعاً جديداً ومتبايناً في التعاطي وأحدثت هزات كبيرة لجهة التعامل مع واقع فرض نفسه بقوة على كل أشكال التعاطي مع الحياة وسط النزف والجراح والموت والرعب والقتل والقذائف والانفجارات وما نتج وينتج عن ذلك لجهة السلوكيات اليومية لشرائح كبيرة ومختلفة في المجتمع والاحتكاك اليومي مع الظواهر والحكايات التي يعيشها السوريون بتناولات متباينة في حالات اصطدامية حيناً في الأفكار والذهنيات وأشكال التعاطي وتوافقية حيناً آخر وفي حضور لـ«البين بين» وهو يرصد «الضد» والـ«مع».

سقوط وتجاذبات والعلامة الفارقة

ومن هنا تأتي الالتقاطات التي يشتغل عليها فريق «بقعة ضوء» بإدارة المخرج عامر فهد من خلال نصوص لوحات تناوب على كتابتها عدد من الكتّاب أبرزهم حازم سليمان الذي وضع بصمته على نصوص أخرى من حيث المعالجة التي حافظت على إيقاعية العمل وعلى هويته التي كرسها على مدى المواسم السابقة ليظل «بقعة ضوء» العلامة الفارقة لجهة التناول الإبداعي، الذكي والجريء وقد رفع مستوى جرأة الطرح لكنه لم يتجاوز سقف الجرأة التي شهدناها في المواسم الماضية، ذلك أن الظروف التي تعيشها البلاد تجاوزت الطروحات الدرامية في «درامية واقع» أشد وأكثر وجعاً ومرارة، إلا أن «بقعة ضوء» العمل الكوميدي الساخر في طابعة الانتقادي استطاع أيضاً أن يمرر التناولات الدرامية بأسلوب لا تنقصه براعة الطرح أحياناً لجهة الكوميديا السوداء في جرأة تناول وعرض على الشاشات السورية ومن هنا تأتي إحدى ميزات العمل الذي واكب الحالة السورية من الشارع في كل تجاذباتها وتناقضاتها وفجيعيتها مع الحفاظ على سوية إبداعية ودون السقوط في فجاجة طرح أو هشاشة تناول.

مفردات الأزمة ستكون حاضرة في العمل من الشارع بمسمياتها في المعارضة والموالاة والرمادية وفي المغالاة هنا وهناك حيث يتناول العمل الخطف وتجار الأزمة والتفكيرات أو المواقف السياسية غير المباشرة في ردود الفعل التي يأتي عليها أبطال العمل، وتأخذ الجوانب الاجتماعية وهزّاتها أو اتزانها نصيباً وافراً من حوامل ومضامين عدد من اللوحات ودائماً في حضور للنقد والتهكم والسخرية والطرافة والمفارقات التي تعكس حجم ألم ومعاناة.

«أنا شو؟!» والاهتزازات

ووسط كل هذا الحجم الكبيرمن المرارة والتجاذبات تأتي بعض اللوحات لتتصدر حساسية الطرح وتلمس واقع حال من بينها لوحة «أنا شو» التي أدّاها ببراعة النجم باسم ياخور وهو يصب جام غضبه وسخطه على هذا الفريق وهو يعطي دروساً في الشارع للمارة ودائماً حسب اتجاهاتهم وميولهم ليعاود في مطارح أخرى ليتناقض مع طروحات الشخصية التي يؤدي على النقيض تماماً ويسخر ويتهكم من مواقف واتجاهات الفريق الآخر ودائماً في مسك التفكير المغالي ليتساءل في مشهد الختام عن نفسه وذاته ومواقفه «أنا شو؟!» وسط كل هذا الزخم من المواقف والاتجاهات في دلالة على «الضد» الكلي «المزدوج» أو الضياع الكلي إزاء أحداث ولّدت اهتزازات عنفية في النفوس والوجدانات لجهة الإنساني أكثر ما تكون لجهة السياسي.

كذلك يمكن التوقف عند لوحة «بابا نويل» حيث الاضطرار- الذي بدا مبرراً على ألمه ومرارته- لـ«التلون» الذي يلجأ إليه الكثير خشية الوقوع في ما لا تُحمد عقباه في الحسابات الخاطئة أو المغالية التي يدفع ثمنها ناس عاديون وجدوا أنفسهم في معترك صراع ساده انعدام ثقة في مطارح عدة أو مستجدات آنية تبعاً لظرف ما في لب الأزمة ومن هنا تأتي أفكار مبتكرة على سبيل «الأقنعة» أو قل تحايل يلجأ إليه البعض للنجاة.

أمانات.. مثالية.. وجدار

«بقعة ضوء» يرصد ردود الأفعال النفسية لناس الشارع وهم يعيشون حياتهم اليومية على نحو استنفاري وقلق في حالات من الخوف والرعب، كذلك حالات من الأمل والتفاؤل في تلمس للذهنية السورية في ألقها ووجعها. وقد جاء تنوع كتاب اللوحات ليعكس أيضاً تعدد وتنوع الطروحات ليغطي وجوهاً كثيرة للتعاطي المجتمعي مع الأزمة التي جاء حضورها طاغياً ومخلخلاً لأفكار وما يمكن اعتباره من المسلمات في عقود خلت كـ«اللوحة» التي تصدى لأداء التمثيل فيها النجم فايز قزق وهو يحاول أن يوصي الأجيال الطالعة في «حمل الأمانات» والحديث عن المستقبل الذي تقوده الأجيال لتعكس اللوحة بـ«كوميديا الموقف» سقوط الكثير من «الشعارات» أو «القيم» و«المثاليات» التي بدت هشة ومحطمة أمام جدار الأزمة التي عرّت الكثير من «السائد»، أو المكرس، كذلك فإن التكفير والتطرف نالا جانباً كبيراً من الطروحات تبعاً لحجم سطوتهما على الأرض في ممارسات وفتاوى وأحكام كان لحضوها الطاغي لون الدم والمأساوية في انقلابات في السلوك والتعاطي على مستوى ذهنيات طغت على الممارسات اليومية في عقابات جماعية «للخارجين عن الشرع»!! جراء أفكار مستوردة تلبسها البعض وراح يمارس التكفير ويوزع شهادات حسن السلوك وسوء العقاب، ومن هنا تأتي الطروحات «العلمانية» من جهة و«المتطرفة» من جهة أخرى وآثار هذه وتلك في صراعات و«تخندقات» واحتكاكات يتولد منها مواقف لاتخلو من الطرافة والمفارقات السوداوية.

تألق

على الصعيد التمثيلي فإن «بقعة ضوء» نجح أيضاً في استقطاب عدد من نجوم الدراما السورية الذين سجلوا تألقاً كبيراً منهم: أيمن رضا، باسم ياخور، أمل عرفة، شكران مرتجى، قاسم ملحو، عبدالمنعم عمايري، ديمة قندلفت، علاء قاسم، هبة نور، فايز قزق، روعة ياسين، أندريه سكاف، فادي صبيح، محمد خير الجراح، وآخرون.

رصد ومتابعة

في رصد آراء لمتابعي «بقعة ضوء» فإن عدداً من الشباب المهتم والمواكب أدلى بدلوه:

عبادة: كان يلامس قضايا الأزمة بكل جوانبها ولكن كان هناك تفاوت في مستوى اللوحات واختلف هذا الجزء عن الأجزاء الماضية بالجرأة لأنه تناول الأزمة بعدة أوجه وهذا ما جعله يحظى بمتابعة جماهيرية جيدة إلى حد ما.

هبة: تميز بقعة ضوء لهذا العام عن الأجزاء السابقة بملامسته بشكل أكبر لقضايا الناس السياسية والاجتماعية ولاسيما أن الواقع الذي يعيشه الناس اليوم أصعب وفيه قضايا ملحة يعايشها المواطن السوري وكان من أكثر الأعمال التي عبرت عن الأزمة وانعكاسها على الوضع المعيشي للناس وتعرض من خلال اللوحات للأزمة بأكثر من وجهة نظر.

لوسين: بقعة ضوء حالة إبداع متكررة تميز هذا العام بإظهار جوانب الأزمة بأسلوب ساخر وتناول عدة مشكلات عن الوضع الراهن وعالجها بطريقة الكوميديا السوداء ونجح في إيصال الرسالة إلى المتلقي.

تفاوت

يسجل للعمل أنه حافظ على جماهيريته بعد عدة أجزاء ولم يسقط في الملل والتكرار وتمكن هذا العام في بعض اللوحات من الغوص بجرأة في عمق المعاناة التي يعيشها الناس في ظل الأزمة ورغم تفاوت مستوى اللوحات وتذبذها لكنه بقي العمل الأكثر تعبيراً عن وجع الناس وقد انتقل من الكوميديا في المواسم السابقة إلى الكوميديا السوداء في النسخة الحالية نظراً لحوامل اللوحات وهي ترصد واقع دام.