2014/10/24

علوش-رمضان-ميري
علوش-رمضان-ميري

 

خاص ـ آفاق سينمائية :

 

 

  ما أصاب الدراما السورية لم يأتِ وليد صدفة أو طفرة وإنما نتيجة تراكمات وأمراض ومشكلات من سنوات خلت ، ولكن ظهرت نتائجه في أفقع صورة ممكنة خلال الأعوام الأخيرة ، فشكّلت الأزمة التي تمر بها سورية الشمّاعة التي علّق عليها كثيرون أخطاءهم واستسهالهم وتردي إنتاجهم وتدهور نصوصهم وإبداعهم ، وظهرت أعمال يندى لها الجبين تسيء للمرأة والمجتمع ككل وتقدم موضوعات سطحية بصورة فجة معتمدة على الملابس والايحاءات والألفاظ التي كانت تعف عنها أعمالنا في السابق  ، ولكن ما جعل الدراما السورية تقاوم هذا الطوفان من التردي الذي حاول غزوها ، أنها دراما أصيلة بنيت على أرض صلبة ودعّمت بأساسات متينة فاستطاعت الصمود ، وإن بخسائر ، في وجه الرياح العاتية التي حاولت استثماراها وحرفها عن مسار صعودها .

 

  إذاً هي تراكمات لم تكن وليدة اليوم من استسهال واسترخاص في الجسد الدرامي أوصلتنا لما نحن عليه اليوم من واقع أصبح فيه أياً كان يمكن أن يصبح منتجاً أو كاتباً أو مخرجاً أو حتى ممثلاً عدا عن الجانب التقني بما يتعلق بالصورة والإضاءة .. فنما الطفيليون واستشروا ليكونوا كالطحالب التي تأكل في جسد يحاول استعادة مكانته ، وإن عبر اجتراح جرعات اسعافية ، في محاولة لخلق فضاءات أخرى تُخرِج الدراما السورية نحو واقع أفضل يعيد إليها ألقها وحضورها القوي ، فتكون كالفرس الذي ما أن يكبو حتى ينهض منتفضاً من جديد متجاوزاً العقبات مهما بلغت صعوبتها . ولكن ما السبل التي يمكن من خلالها النهوض بالدراما لتأخذ دورها من جديد وتحتل مكانتها التي سبق وحافظت عليها لسنوات كثيرة ؟.. سؤال نحاول استقراء الإجابة عليه من خلاله عدد من المبدعين العاملين في حقل الدراما ، وفيما يلي نرصد في هذا الجزء (الجزء الأول) آراء كل من المخرج فهد ميري والكاتب قمر الزمان علوش والفنان زهير رمضان ، والحصيلة نتابعها عبر السطور التالية :

 

ـ المخرج فهد ميري :

 

   كل مرحلة تحمل تحدياتها وظروفها ، واليوم نعيش مرحلة صعبة تشكل مفترق طرق بين (وطن أو لا وطن) ، وبالتالي أمامنا تحديات لنكون موجودين درامياً ونساهم في بناء دراما وطنية ، وأعتقد أن أهم نقاط ارتكاز الدراما تقوم على عاملين أساسيين هما ، الفكر والمال ، فينبغي أن يكون الفكر وطنياً مئة بالمئة ، والوطني هو السعي للمحافظة على المجتمع والهوية السورية وعلى منظومة أخلاقية إنسانية ، ولا بد من أن يرافق هذه المنظومة تمويل وطني ، وهنا لا أقصد التمويل الحكومي ، وإنما يشمل كلامي القطاع الخاص أيضاً الذي يؤمن بالوطن ومقوماته ، لأننا بحاجة إلى دراما تحصن ذاتنا وحبنا وأخلاقنا ومنظومة القيم . ويأتي بعد هاتين الركيزتين أمور تفصيلية أخرى كالجانب التقني والممثلين ، وأرى أنه لدينا خبرات عالية جداً ، ولكن دائماً أشدد على أهمية الفكر المطروح في العمل ، خاصة أنه قد أصبح هناك موضوعات درامية أدت إلى حدوث حالة من الاغتراب بين الموضوع المطروح ومستوى المتلقي والنسيج الاجتماعي السوري الذي أراه يتعرض للتخريش والتجريح ، وقد شاهدنا في الفترة الأخيرة أعمالاً تندرج ضمن هذا التوجه ومنبعها فكر غريب عن المجتمع السورية . لذلك دائماً كنا ندعو لأن يكون هناك منتج لديه هم ووعي وادراك ، فالمنتج السوري الذي يدخل حقل الانتاج الدرامي ليتاجر عليه الذهاب إلى تجارة أخرى ، فالمنتج ينبغي أن يفهم مقومات الحضارة السورية ، ويحافظ عليها عبر ما يقدم من أعمال ويعي أن أولاده وأفراد مجتمعه في خطر على المستوى الاستراتيجي إن لم يفعل ذلك ، فليبتعد عن الربح قليلاً لأننا بحاجة إلى منتج واعٍ ومثقف ومدرك للمرحلة التي تمر بها البلد .

 

ـ الكاتب قمر الزمان علوش

 

   من الصعب وضع الحلول بسهولة لأن التعقيدات والإشكاليات أكبر بكثير وهي مستمرة ، فإن استطعت اليوم تجاوز بعضها فبعد فترة ستعود وتقع في الإشكاليات نفسها أو بشكل آخر من السلبيات لأنه موضوع مرتبط بالمال ، وحيث وجد المال وجد الشيطان ، وبالتالي يخضع الفن مثل أي سوق تجاري آخر للأهواء و للمصالح وللغايات .. فالفن الصافي هنا يتعكر بمجرد وضعه في شبكة البورصة وإخضاعه للعرض والطلب في السوق ، ولا سيما الآن ، فحتى الدراما نفسها ، وبعد يقظة المؤسسات ومراكز الأبحاث لأهميتها وتأثيرها على الناس والمجتمعات ، بات يمكن توظيفها لغايات استراتيجية سياسية تُعنى بمصالح هذه البلدان ، لذلك اختراقها ممكن من خلال المؤسسات الأخرى شأنها في ذلك شأن اختراق الوسائل الاعلامية ووسائل الاتصال الأخرى .

 

  لقد وصلنا إلى أزمة كانت مفجعة بقسوتها واتساعها والصراع الدموي فيها ، ولكن هذا لم يأت من الفراغ ومن عوالم داخلية فقط ، وإنما جاء بتحريض من الخارج إن كان إعلامياً أو ثقافياً أو دينيا ًأو درامياً ، وهنا أتهم بعض الأعمال الدرامية السورية التي كرست الأزمة وقادت إليها ، ولو على سبيل (العواطف) حتى قبل حدوثها . وبالتالي الإبداع البشري الخلاّق دائماً يمكن اختراقه وتوظيفه وتوجيهه لوجهة المصالح الربحية والشخصية ، لذلك ستستمر المشكلات والسلبيات ، وإن تجاوزنا عقبات معينة إلا أنها ستعود بعد فترة وتظهر من جديد ، ونكرر الحديث نفسه عنها . لأن الموضوع غير مرتبط بهيئة أو مؤسسة وإنما هناك مؤسسات قطاع عام وأخرى قطاع خاص وبالتالي التجاذب والتناقض سيستمر بينهما ، أضف إلى ذلك أنه حتى هذه المؤسسات غير منسجمة داخل ذاتها وهي أيضاً تحمل صراعات وتيارات . أضف إلى ذلك كله أنني أرى أن أكبر ضربة قاسية تلقتها الدراما وأخطر ما يواجهها اليوم هو غياب الهاجس والشغف الفني وغياب الرواد الكبار الذين يهمهم ويؤرقهم العمل الفني الجيد المبدع ، فهم غابوا وانحسروا ، إن كان من صنعوا الفورة في التسعينيات أو رجال آخرون حملوا الثقل وفشلوا وسقطوا أمام أعتاب أمزجة الشركات واغراءاتها ، فترى مخرجين مبدعين جداً يقدمون أعمالاً ضدهم أولا ًومن ثم هي ضد تاريخنا وثقافتنا ، ويقدمونها لمجرد الربح وخضوعهم للإغراءات المادية . وبالتالي لن تستطيع انتزاع طغيان وتأثير الرأسمال على الفن .

 

ـ الفنان زهير رمضان :

 

  ينبغي أن يكون هناك أم حنون وأب راعٍ وبمعنى آخر أن يكون هناك مرجعية أو وصي (فمن ليس له كبير ليس له تدبير) ، والمقصود بالكبير هنا المؤسسة النوعية المتخصصة المؤهلة فكرياً وموضوعياً منطقيا ًومادياً وثقافياً والمحصنة بشكل جيد ضد كل الأمراض والآفات ، فترعى هذا المنتج والمولود (دراما سورية) الذي وصل لمرحلة الشباب الآن ، ونخاف عليه لذلك علينا أن ننتبه ونعيد النظر بما يحدث حالياً ، وعندما نعرف الأسباب التي أوصلت الدراما إلى ما هي عليه اليوم نعرف العلاجات واللقاحات ، فالأمر يحتاج إلى رعاية حقيقية من قبل الدولة وألا تعتبر أن هذا المنتج منتجاً فنياً يأتي بالمال فقط ، وإنما هو منتج ثقافي يحصن الشارع السوري ويوجه رسائل للآخر ، فنحن بلد حضارة وتاريخ وثقافة وعلم ، إننا لا نُستهدف ولا نُستباح ولم نكن يوماً غرائزيين في تفكيرنا ولم ندخل إلى قضايا يندى لها الجبين كما تفعل بعض الأعمال من خلال تناولها موضوعات (الخيانة الزوجية ، سفاح القربى ، ..) فهي أمور ومشكلات لم تكن بتاريخنا أو تراثنا . وأرى أنه ينبغي تفويض وزارة الإعلام بالاستحواذ على الدراما المنتجة في سورية كلها لتكون مسؤولة عنها وعن تسويقها وتصديرها ، لا بل أقترح  أن تحتكر كل الانتاج السوري لمدة عام أو عامين أو حتى ثلاثة أعوام (وإن خسرنا في البداية) ، فلا نبيع أي عمل للخارج ولكن بلحظة ننطلق من جديد في عملية توزيع تعتمد على الحقيبة الواحدة للأعمال التي تحتوي مجموعة من المسلسلات كسلة واحدة .

 

   وحول سؤاله عن الأعمال التي تصور خارج سورية وكيفية التعامل معها وفقاً لهذا المبدأ في الاحتكار وآلية التوزيع ، يجب قائلاً : ما يُنتج خارج سورية أعتبره غير سوري (لا لونه لون سوري ولا رائحته سورية ولا هواه هوى سوري) وإنما ينتج بأموال غير سورية وبلباس سوري ، وهنا أشدد على فكرة أن معنى سورية في اللغة القديمة (السيدة) وبالتالي نحن أولاد السيدة التي لا تنجب إلا الشجعان . وبالنسبة إلي فإنني أشعر بالتفاؤل ، وأرى أن فكرنا الثاقب الذي قدم الأبجدية للعالم كله وعلّمه الثقافة والتاريخ والحضارة والقراءة والكتابة من الطبيعي أن يستمر ، فنحن مثل الفينيق ، وهنا لا أنظّر وإنما هي الحتمية التاريخية للشعب السوري ، والذي ينهض ويستمر ويعود يبث الخير والمحبة للبشرية كلها .