2014/12/30

خاص بوسطة- محمد الأزن

 

أثناء عرض "لو" تعاطى معه الجمهور بجديّة أكثر من الصحافة

التجارب العربية المشتركة تصب في إطار التنوّع الذي ألزم نفسي به

الرقيب السوري يعمل بناءً على خطوط غير ملموسة

 

بدأ المخرج السوري سامر برقاوي مؤخراً بتصوير مسلسل "تشيللو" بلبنان، من سيناريو نجيب نصير، وإنتاج شركة "الصبّاح"؛ تجربة جديدة يخوضها صاحب "بعد السقوط" تندرج تحت مسمى الإنتاجات العربية المشتركة الرائجة مؤخراً، ويرى بأن الدراما السوريّة طوّرت آلياتها لصالحها مؤخراً، ويعتبر ذلك ميزةً لدرامانا، التي آثر الأبتعاد عنها خلال هذه المرحلة، لأسبابٍ يشرحها في حوارٍ خاص مع "بوسطة".

 

بماذا يختلف "تشيللو" عن "لو"، الذي تم عرضه من إخراجكم خلال الموسم الرمضاني الفائت؟

قلنا في نهاية العمل، إنه سيكون هناك فرضيات كثيرة يمكن طرحها تحت عنوان "لو" ، لكن هذا لا يعني بالضرورة تسمية المسلسل الجديد بالاسم ذاته، فهو يتناول قدريّة جديدة، أسميناها "تشيللو"، وأخذ ذلك معنا وقتاً، حتى اعتمدنا الاسم، كما أنّ حيثيات هذا المشروع مختلفة، إلى جانب تغييرات على مستوى الأبطال، والتي تطلبت وجود كاتب جديد، هو السيناريست المعروف نجيب نصير.

 

وهل "تشيللو" مقتبس عن أعمال عالمية كما هو الحال في "لو"؟

يوجد اقتباس، لكننا متحفظين على ذكره في هذه المرحلة، حتى لا يتحوّل جهدنا من الاشتغال على العمل، إلى الدفاع عن المادّة أو النص كما حدث مع "لو".

 

يقال إن تغيير الكاتب بلال الشحادات، كان بسبب خلافات بينه وبين الشركة المنتجة، وتحميله مسؤولية الانتقادات التي طالت "لو" بنسخته الأولى، ما مدى صحّة هذا الكلام؟

بالأصل كان نص "لو" للكاتبة اللبنانية نادين جابر ومقتبس عن فيلم "Unfaithful"، وعمل بلال الشحادات على معالجته وإعداده، أما مشروع "تشيللو" فيذهب باتجاهٍ ومزاجٍ مختلفين، وهذا ما تطلبّ تغيير الكاتب كما أشرت سابقاً.

 

الأصداء التي حققها "لو"...رغم الانتقادات؛ كانت مرضية بالنسبة لك؟

إلى حدٍ ما، ولمستها على أكثر من مستوى، زملاء المهنة، المقربين، والناس الذين التقيت بهم في الشارع، فبحكم عملي، وإقامتي تنقلت بين أكثر من بلد، خلال فترة عرض العمل، ووجدت أنّه حقق أصداء جيّدة جماهيرياً، في الخليج، والمغرب، ولبنان، والأردن، وسوريا؛ ساهم بتحقيقها، فرص العرض، والتوزيع الجيد.

 

سبق وتوقعت أن يثير هذا العمل حالة من الجدل في المجتمع الشرقي، هل تحقق ما توقعته، سواءً بالمعنى السلبي ، أو الإيجابي؟

نعم، ولكن للأسف لم ألمس ذلك على المستوى النقدي مقارنةً بالجماهيري، حيث أثارت شخصيات العمل الرئيسية، جدلاً لدى المتلقي في تعاطيها، مع الحدث الذي اخترناه، وهو الخيانة الزوجية، (هل أصابت؟ أم لم تصب؟)، وطرحنا القضية رغم حساسيتها، بمنتهى الجديّة، وكانت كل شخصية تبتكر حلولها، بالتعاطي مع هكذا إشكالية، بصورةٍ مختلفةٍ تماماً عن المألوف، وهذا ما حرّض الجدل، وبالنهاية قلنا إن الخيانة ستؤدي حتماً لكارثة، تناولناها، دون تبريرها، وكان الأمر يتطلب مشاهدة العمل كاملاً، لنصل إلى المقولة النهائية، فالمشاهدة المنقوصة، ستؤدي لأحكام مسبقة، وغير موضوعية، ظهرت بوضوح في القراءات الصحفية النقدية المتسرّعة للعمل، أثناء عرضه، ولكن بعد العرض قرأت مواداً نقدية أشمل أشارت لسلبياته، وإيجابيته، درستها جديّاً، لأخذها بعين الاعتبار، خلال تحضيري لـ "تشيللو"، لتقديم الأفضل.

 

طالما أننا نتحدث في إطار الانتقادات؛ أحد الأسئلة الكبيرة المطروحة مؤخراً، لماذا التركيز على تناول "الخيانة" في الأعمال العربية، وكأنه يتم التسويق لها، أو تبريرها؟، وهذا لا ينطبق على مسلسل "لو" بالذات، بل على عدة أعمال عرضت خلال الموسم الرمضاني الفائت... ما قولك في ذلك؟

بالنسبة لي، لا يختزل كل الهم الاجتماعي بمسلسل واحد يتم تقديمه، وحينما أختار إشكالية معيّنة، ليس من الممكن إلغاء إمكانية تناولها عبر مشاريع موازية، كل ما في الأمر أننا رأينا في قضيّة "الخيانة الزوجية"، مادّة جذّابة، يمكن معالجتها درامياً، بطريقة مبتكرة وجديدة، وربمّا الذي سلّط الضوء بشكل أكبر على عليها، كونها

المادة الأساسية للعمل، ولكن بالمقابل يوجد الكثير من الأعمال الاجتماعية المعاصرة، تناولتها من بين عدّة قضايا طرحتها، وهذا الفرق برأيي، لا أكثر.

 

ولكن يبدو أن هناك نوع من الإلحاح في المحطّات العربية، على تقديم هكذا مسلسلات؛ إلى أي مدى يبدو الانطباع حقيقياً؟

أبداً... لم يسبق لي أن خضعت لتكليفٍ مشابه للذي ذكرت، سواءً من محطّة، أو جهة منتجة، ولكن ربمّا علينا التفريق بين تناول قضية اجتماعية كـ "الخيانة"، وما يطالب به بعض المنتجين الضيقي الأفق، كإبراز العناصر النسائية، في أعمالهم، وتقديمهن كعامل جذب، يركزون عليه، بصرف النظر عن قضيّة العمل الرئيسية، نحن لم نفصّل مسلسلاً على مقاس (س) أو (عين) من الممثلات الجميلات، وركبنّا قصص على ذلك من (حب، وخيانة، وخيبات أمل)، بل بنينا عملاً يتناول إشكالية، واستكملنا الاشتغال عليه، بتوفير العناصر الضرورية التي يتطلبها.

 

منذ الـ 2010، وأنت تخوض غمار الإنتاجات العربية المشتركة، ما الذي يغريك بالاستمرار في هذه التجربة، على حساب الأعمال السوريّة الخالصة؟

الانفتاح على مجتمعات جديدة، وتناول قضايا مختلفة على المستوى الفكري، والتعاطي مع ممثلين جدد من كل الوطن العربي، وإمكانية تقديم بحث بصري مختلف، كل تلك العوامل حفزّتني بصورةٍ أساسية لهذا النوع من التجارب، وكل ذلك يصب في إطار التنويع الذي ألزم نفسي به، وأعتقد أنّه ميزة لتجربتي عموماً، وللدراما السورية بشكل خاص، كآلية صناعة طوّعت نفسها مؤخراً لصالح الدراما العربية، ونجحت بتقديمها على اختلاف أنواعها، وبأفضل حالاتها.

 

هناك مَن يقول بأنكم تفقدون خصوصيتكم كصنّاع دراما سورية لصالح الأعمال العربية، فموجة الإنتاجات المشتركة، باتت تعتمد بشكل واضح على الفنانين، والفنيين السوريين (كحِرَفيين لا أكثر)، أما الموضوعات، أو حتى طريقة أداء الممثلين، فهي أبعد ما يكون عن روحية درامانا التي طالما تميّزت بالتصاقها بالواقع، كيف تقبلون القيام بهذا الدور (الحرفي)، فقط؟

لا شك أنّ أحد أهم مزايا الدراما السوريّة بالخط العريض، كونها مرآة للواقع السوري، وقادرة على مواجهة مشاكله بجرأة، لكن الإغراق بالواقعية، يحد برأيي من أفقها، وإمكانية اقتحامها لمجالات مختلفة تماماً، سبق لها اختبارها بنجاح عبر أعمال الفانتازيا، والأعمال البدوية على سبيل المثال، وبالتالي أعتبر تقديم الإنتاجات المشتركة، التي تتعاطى مع القيم الإنسانية بمفهومها العالمي؛ ميزة مضافة لدراما يسجل لها قدرتها على كسر حدودها، وتقديم تجارب، تخترق ما رسمناه من قوالب

مسبقة لها، وحرصنا على حمايتها لفترة، إذ لا يمكننا المراهنة دائماً على تقديم الواقعية، وكأنها سلاحنا الوحيد لهذه الصناعة لكي تحافظ على تفوقها، وتتوجه لجميع المجتمعات العربية، وتحضر على شاشاتهم... في النهاية الفضاء مفتوح، ولا يمكن حدّه بنوع معيّن... هذه ميزة، وليست علّة.

 

لكن معظم التجارب المشتركة خلال السنوات الأخيرة، لم تكن بوارد الاستفادة من تميّز الدراما السوريّة لطرح قضايا عربية، فالمواضيع التي تطرحها تلك الأعمال تواجه انتقادات عموماً، لجهة ابتعادها عن هموم مجتمعاتنا، والاتهامات بترويجها لقيم غريبة عنه؟

القيم الإنسانية واحدة، وحينما تقوم بإعداد مسلسل حقق حضوراً في مجتمعات قد تكون قريبة من مجتمعاتنا (المجتمعات اللاتينية) مع بعض الاختلافات، فإن نجاح ما تقدّمه أو فشله، ليس سببه الموضوعات التي تتناولها، وإنما مرهون بحرصك على تقديمها بشكل جيد، وتوفير العناصر اللازمة لذلك، فأن تخرج من شرط الواقعية السوريّة فقط، ليس جواز سفر لتحقيق النجاح في أي عمل عربي مشترك ، فكل مشروع يجب تقديمه ضمن شروط تضمن نجاحه.

 

بعيداً عن التغريب في الإنتاجات العربية المشتركة، ثمّة مشكلة متنامية تعاني منها الأعمال السورية، من شأنها تقليص هامش الجرأة التي ميزّتها لسنوات، وهي (الرقابة)، وكنت فعلياً اوّل ضحايا رقابة ما بعد الأزمة، بما تعرّض له مسلسلك "فوق السقف" 2011 وإيقاف عرضه خلال شهر رمضان وقتها، ماذا تقول للرقيب السوري اليوم؟

"الله يعينه"؛ لأنه أساساً يعمل بناءً على خطوط، ليست ملموسة، أو واضحة المعالم، وفي ظل الظرف الذي نعيشه، وهو متحوّل جداً، تصبح هذه الخطوط هلاميةً أكثر، وتجعل الرقيب وصانع العمل بحالة خوف على حدٍ سواء، والمخيف أكثر أن تدير هذه الدراما ظهرها لقضايانا الملحّة، حتى تأمن السلامة، أتمنى (لو) استمرت الأعمال السورية بوضع يدها على الوجع، والأمنية الحقيقية هي (لو) لم نعشه بالأصل، لنجد من الضروري الحديث عنه، في الوقت الذي قدمنا به أعمالاً كثيرة سابقاً، حاولت التنبيه، والتحذير مما يمكن حدوثه، تلك الأعمال حقيقةً أنظر إليها بحسرة، فلم تكن غايتها التسلية فحسب، بقدر محاولتها التحريك باتجاه البحث عن الحلول، كل ذلك يحيلينا لـ (لو)... (لو) بحثنا عن حلول لما نبهنّا إليه ، لكان ذلك أفضل بكثير من التفكير بحلول لمقص الرقيب، فيما إذا أردننا تناول الكارثة التي وصلنا إليها.

وأخشى ما أخشاه أن يأخذنا الابتعاد بشكل حاد جداً عن ملامسة الواقع، إلى مكان سطحي، بعيد عن الحقيقة، ومقارب أحياناً للابتذال... وهذا ما يقلقني أكثر من مقص الرقابة.

 

ختاماً... و"بصراحة" هل كانت تلك التجربة "فوق السقف" السبب الحقيقي بابتعادك عن الدراما السورية مؤخراً؟

دائماً هناك جدل مع زملاء المهنة، حول مدى قدرتنا على تقديم أعمال نكون راضين عنها، في وقتٍ لا نتملك فيه رؤية واضحة لما يجري، تتيح لنا التوثيق، والبحث، والمعالجة، تجربة "فوق السقف" كانت جزءاً من هذا الجدل، والتي اصطدمت بعوائق عديدة، منها أن الزمن، والحدث كانا يسبقانا بشكل مرعب، فهناك أفكار تناولناها في هذا المشروع، تساءلنا بعد تقديمها (وين كنّا؟... ووين صرنا؟)، كل ذلك جعلني ابتعد، حتى استجمع عناصر القوّة، والجرأة، لكي أتمكن من التعبير عن الحالة، وأكون عند حسن ظن الجمهور، لكنني لست جاهزاً لذلك حالياً، ولا أمتلك الأسلحة الفنية التي تجعلني أقدّم عملاً عمّا يحدث، أبدو قادراً عن الدفاع عنه بالمطلق، وسط هذا الظرف المتحول والصعب جداً.