2015/04/01

نجيب نصير
نجيب نصير

السفير - فاتن حموي

في حواره مع «السفير»، يعتمر نجيب نصير قبّعة الصراحة. أحد أكثر الكتّاب السوريين شهرةً وتأثيراً في مجال الدراما التلفزيونيّة، يقول إنّه كتب مسلسل «تشيللو» (يجري حالياً تصويره في بيروت بإدارة المخرج سامر برقاوي)، فقط كي لا يشعر بالبطالة. «الفن ليس دائماً مشروع الكاتب، بل هو مشروع الشركة المنتجة والمخرج أيضاً، وهو بالفعل عمل جماعي. الشرارة الأولى هي من الكاتب، وكذلك كانت شرارة «تشيللو» التي انطلقت من فيلم Indecent Proposal (عرض غير لائق؛ 1993 من بطولة روبرت ريدفورد وديمي مور، وإخراج أدريان لين)، مع روح شرقية وضبط درامي للأحداث، وبناءً على فكرة الشركة المنتجة».
برأي صاحب «نساء صغيرات» (1999، باسل الخطيب)، و «الانتظار» (2006، الليث حجو)، و «زمن العار» (2009، رشا شربتجي)، فإنّ العمل في كلّ أنواع الدراما قائم على معادلة العرض والطلب، وذلك أمر راسخ من سنوات طويلة، وليس مستجداً. «تحتاج الدراما إلى مواضيع جديدة تحاكي الواقع، لكنّ صناعتها وفقاً لقوانين الطلب، أمر لا مفرّ منه، خصوصاً مع وجود محطّات عربيّة تلتهم المواضيع التهاماً، وتبثّ مسلسلات على كميّات هائلة من الساعات».

بحسب نصير، فإنّ القصص لا تنضب في جعبة الكاتب المحترف. «مشرقنا مليء بالحكايات والقصص الجديرة بأن تروى، لكن ما هو مطلوب اليوم هو الأعمال العربيّة المشتركة، تحت سقف رقابي، مع بعض البهارات التشويقيّة. فلو كُتب أفضل عمل في العالم ولم يجد مَن يتبناه، لن يرى النور، من هنا لستُ مستاءً، لأنّه فات أوان الاستياء. فمنذ الثمانينيات حين كانت الصناعة الدراميّة في مراحلها الأوّلية، اختبرنا ذلك الاستياء المرافق لمرحلة التأسيس. ولكن جميعنا نعلم أنَّ الوسط يحكم الناس، وتبقى المهارة والجماليات ظاهرة في العمل من خلال الوجدان الإنساني، إلى جانب ثقافة موسوعيّة هي الأساس في خلق حياة على الشاشة». في هذا الإطار، لا يخجل نصير من كتابة الـ «سوب أوبرا»، إذ إنّ الأسلوب كفيل بإظهار احترافيّة الكاتب من عدمها، بحسب تعبيره، مهما كان العمل مصنّفاً في خانة التجاري.
إذاً لم يختر نصير الابتعاد عن الكتابة، بالرغم من إقراره بأنّ مشاريع الأعمال ذات «الرسائل الحقيقيّة للمجتمعات»، غير متوافرة. يقول إنّ الدراما العربية خضعت لشروط المحطّات التي روّضتها كما تشاء. «نأخذ اقتراح نصّ إلى محطّة وإذا أتت الموافقة نكتبه وإلّا يرمى، والأحلام في هذا الإطار ليست ورديّة». يضيف: «مشروعي الدرامي اجتماعي معاصر، ورفضت مراراً كتابة نصوص تاريخيّة وبدويّة، لأنني كنت مكتفياً على الصعيد المادي ومصرّ على مشروعي. وإن وجدت أن مشروعي الاجتماعي لا سوق له، عندها سأكتب رواية ربما. فأنواع التعبير ليست محدودة بنوع أدبي واحد، ولكن كي أكتب رواية عليّ أن أنعزل عن العالم لستّة أشهر على الأقلّ».

كتب نصير أكثر من تسعة مسلسلات بالاشتراك مع زميله حسن سامي يوسف، ولا يزال مصرّاً على الكتابة المشتركة. «في الفنّ البصري، الفرديّة هي نصف الحقيقة، وأفضّل أن يتم العمل بجماعية من خلال التعاون في التصوير والإخراج أيضاً. ولكن كلّ واحد منّا يريد أن يصبح الفارابي، وهذه عقدة تراثية في الشعر عند العرب».
في المقابل، يقول إنّه لا يتدخّل مطلقاً في عمل المخرج. «يُفترض أن تكون لي ثقة كاملة وقناعة بأنّ المخرج يعيد كتابة النصّ مرّة أخرى، ليرتفع به ويقول ما يريده، مع العلم أنّ رضاي عن طريقة تقديم بعض نصوصي متفاوت بالطبع. النصوص التي أحبها لم تُقَدَّم بالصورة التي أريدها، والنصوص التي لا أحبّها نالت شهرة واسعة، ومن المخرجين الذين أضافوا إلى نصي الليث حجو في «الانتظار»، وهشام شربتجي في «أيامنا الحلوة» (2003) و «أسرار المدينة» (2000). شربتجي قادر على تخيّل المقولة الفكرية في الدراما، والليث حجو قادر على إيصال الفكرة والتعبير بصرياً، وعمل المخرج مرهق جداً، ولكن هنالك بعض المخرجين التنابل».

لا يخشى نصير التعب، لكنّه يميل أكثر إلى المتعة. يقول: «أعتقد أنَّ ساعة متعة أفضل من سنتين تعب. اقرأ أحياناً رواية وأقول لماذا أعذّب نفسي لأكتب، هناك اندماج بين القراءة والكتابة واعتقدهما واحداً».
يقول الكاتب السوري إنّ الدراما في بلاده قبل الأزمة كانت متجهة إلى الموت. «لم أعتقد يوماً أن الدراما السوريّة قابلة للحياة، وكتبت هذا الكلام في العام 1990. هي غير صالحة للعيش منذ التأسيس، والآن هي غريقة. هناك حالة ضياع، ومع هذا نجد أمراً مهماً قد حصل، من حيث خلق خبرات بشريّة، تظهر فعاليّاتها حالياً من خلال الدمج الحاصل في الدراما العربيّة، إن على صعيد التمثيل أو التصوير أو أي عمل مرتبط بالدراما».