2015/10/03

من عرض الافتتاح
من عرض الافتتاح

الأخبار - علي وجيه

خبرت سلاف فواخرجي (1977) السينما جيّداً، خلال سنوات التمثيل بين سوريا ومصر. منذ «الترحال» (1997) لريمون بطرس و«نسيم الروح» (1997) لـعبد اللطيف عبد الحميد، عملت مع أسماء وازنة. «حليم» (2006) لشريف عرفة و«ليلة البيبي دول» (2008) لعادل أديب، مكّناها من الوقوف إلى جانب كبار مثل أحمد زكي ومحمود عبد العزيز.

بعدها، عادت للعمل مع ريمون بطرس في «حسيبة» (2008)، وباسل الخطيب في «مريم» (2012) و«الأم» (2014)، وجود سعيد في «بانتظار الخريف» (2015)... اليوم، تقرّر فواخرجي الانتقال إلى خلف الكاميرا. في باكورتها الإخراجية «رسائل الكرز» (2015، 72 د ـ إنتاج «شغف»)، تقترح خلاصات فنيّة وذاتية وقضايا كبيرة، من خلال سيناريو كتبته بنفسها عن قصّة لنضال قوشحة. كما في فيلموغرافيا محمد ملص وغسان شميط، يحضر الجولان السوري المحتل كحاضن ومناخ ومرجعية. حكاية الحب الطويلة بين «علاء» (محمود نصر) و«سما» (دانا مارديني)، تنهل من كرز الأرض، لترتجّ وتتقلّب مع سفر الأول إلى دمشق لدراسة الحقوق، والاحتلال الإسرائيلي الذي غيّر كل شيء. بقي الحب كما الأرض، وإن لم يعد قادراً على الوفاء بوعود الأيام الخوالي.

الشخصية معنى ممتزج بالتراب. يجمعهما العمر والألم والدم والمآل. الحبيب ولد يوم رحيل الاحتلال الفرنسي، لأب مناضل (ناصر مرقبي) وأم صبور (جيانا عيد). «عطا الله الحيفاوي» (غسان مسعود) هو الفلسطيني الحالم بأن يصبح «عائد إلى حيفا»، وإلا فليدفن تحت شجرة الكرز التي زرعها «أبو علاء» احتفاءً بقدوم الابن. الشخص/ الرمز يرسّخ وحدة الكيان بين الجولان وفلسطين. غسان كنفاني حاضر أيضاً من خلال شعر كمال ناصر «ولدت أحمل جثماني على كتفي». القيادي الفلسطيني الذي اغتاله الإسرائيليون، ودفن إلى جوار كنفاني نفسه. كذلك الأمر بالنسبة لعائلة علاء. تزرع فيه الأم: ««إذا بابا ما حب فلسطين، أنت ما فيك تحب سوريا».
تزاوج فواخرجي بين الحب والانتماء. تراقص الطبيعة بعدستها، كما في أفلام شاركت فيها كممثّلة. الكرز حبر لخط رسائل العشق. دم يجرح الأسلاك الشائكة ليسيل في مواجهة الصبار. ثنائيات الكرز عناقيد تتدلّى من أشجار البحث عن الذات/ الحبيب. عناصر البيئة الجولانية كائنات حيّة، متورّطة في الـ «ميزانسين» (ديكور زياد قات، وأزياء ظلال الجابي) موجودات البيت أرواح تحوم في المكان. وحشية الاحتلال تقاطع أعراس الصيف، مخلّفة ضحايا ينظرون مباشرةً في العيون. الشريط يلوم على الصمت والتخاذل، و«احتراف الحزن والانتظار». فواخرجي تعتني كثيراً بالتفاصيل. تقترح تقطيعاً مستوحى من بنية الحوار، وتوزّع الكتل. لا تمزح في التجريب البصري، والتحايل على الجغرافيا والمشاهد المكلفة. لا تستعمل لهجة المنطقة نفسها، لنقل حوارات شفافة في بعض المشاهد، متكلفة، فائضة عن الحاجة في أخرى. شريط الصوت يحتفل بالفولكلور السوري وفيروز وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم، ويستعيد خطاب الرئيس الراحل حافظ الأسد إثر تحرير القنيطرة، لإثارة الوجدان، ونكئ الذاكرة الجمعية.
سلاف فواخرجي تكتشف ذاتها مجدداً في «رسائل الكرز». تنال جائزة أحمد الحضري للعمل الأول مناصفةً مع العراقي رعد مشتت عن «صمت الراعي» ضمن «مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط 2015». يؤخذ على الشريط وقوعه، أحياناً، في شرك التلقين وشخوص النمط، على حساب أفراد من لحم ودم. هذا ما تجاوزته السينمات العربيّة الجديدة في التصدّي للقضايا الكبرى.