2016/01/16

نادين نسيب نجيم من العمل
نادين نسيب نجيم من العمل

الأخبار - وسام كنعان

في تسعينيات القرن الماضي، قدّمت النجمة السورية أمل عرفة دوراً استثنائياً توقف عنده كل من شاهد مسلسل «خان الحرير» لـهيثم حقي. لعبت عرفة يومها دور «فضة» الغجرية السمراء صاحبة الجسد الممشوق، والصوت الجوهري العذب، التي كانت ترقص في خيام أهلها للسائقين والعابرين، مقابل ما كانت تسميّه «حقّ العيش».

ولأن ظروفاً قاهرة جعلت محسن ابن مدينة حلب (فراس ابراهيم) يلجأ إلى خيام الغجر، فقد نشأ بينهما حب عاصف وسط رفض قاطع من المجتمع الضيق والمحافظ كونه يحظر على الغجرية أن ترتبط بغير ابن جلدتها. كان ذلك الدور بمثابة ثورة في عالم الدراما. وبالفعل تحول المسلسل إلى إحدى الكلاسيكيات، ولعب دور الوثيقة التلفزيونية الهامة التي تؤرشف بلغة الدراما تاريخ سوريا وتشعّب مجتمعاتها زمن الوحدة مع مصر.

لكن مهلاً، ما الذي يجعلنا نستعيد هذا المسلسل القديم الآن؟ السبب ببساطة هو حالة الاستنساخ الحاصلة في دراما هذه الأيّام عما كنا نشاهده في الدراما السورية.بعدما سمعنا عن «عكّاش» في مسلسل «خاتون» المقتبس حتى باسمه عن «عكّاش» الذي جسده جمال سليمان في مسلسل «الثريا» لهيثم حقي (الأخبار 22/10/2015)، ها نحن نشاهد اليوم مسلسل «سمرا» (تأليف كلوديا مارشيليان وإخراج رشا شربتجي) في محاكاة وتشابه واضحين مع شخصية «فضة» وهي ليست سوى خطّ واحد في مسلسل سوري قديم.

على أي حال، يمتطي المسلسل العربي المشترك صهوة «مكتومي القيد» في لبنان ليقدم حكايته المركّبة وفق شروط المحطات في دراما عربية مشتركة. و«مكتومو القيد» هم «لبنانيون بالاسم. يعيشون بلا هوية. وذنبهم أنّهم ولدوا من أبوين لبنانيين أهملا عن جهل وقلة معرفة أو خلاف زوجي إصدار هويات لأوﻻدهم» بحسب تعريف بعض التحقيقات الصحافية التي أجريت عنهم.

أما في مسلسل «سمرا»، فسنكون مع الغجر الذين يسكنون المخيمات على أطراف بيروت، ويعيشون من أعمال غير قانونية، بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه عليهم الدولة، كونهم لا يحملون أوراقاً ثبوتية، فهذا يمنعهم من التعلّم والعمل وكل الحقوق التي يتمتع بها المواطن اللبناني. في المخيّم، تعيش سمرا (نادين نسيب نجيم) الفتاة الحسناء التي ترقص في الأفراح، وفي شوارع بيروت بحثاً عن المال.

لكن في مطلع المسلسل، نتابع تساقط أطفال المخيّم واحداً تلو الآخر بعدما ضربهم فيروس بسبب المياه الملوّثة. ومن بين هؤلاء شقيقا سمرا، ولن يصل الأطباء المتطوعون بعد إبلاغهم من قبل وزارة الصحة بالوضع حتى تكون شقيقة سمرا قد فارقت الحياة. نتابع مشهد حمل الطفلة الميتة بين يدي شقيقتها وهي تلوم الأطباء، وقد كان على وشك أن يتحوّل إلى أيقونة درامية تعكس واقع الطبقات المسحوقة في المخيمات، لو نفّذ بعمق وبراعة تمثيليين أكبر.
على أي حال، يقع الطبيب المصري (أحمد فهمي) في عشق الفتاة الغجرية، رغم أنه متزوّج، لكن زوجته لا تنجب الأطفال، وتبدأ حكاية الحب، رامية وراء ظهرها الشماعة التي علّقت عليها وانطلقت بسببها، وهي حياة المخيم ومشاكله. أو على الأقل، تهمّش قصة الحب واقع «مكتومي القيد»، إذ نرى هؤلاء يتجاوزون حزنهم، ويعبرون فوق جثث موتاهم، ليستمروا في حياتهم «غير الشرعية».

هكذا، نلاحق مصير فتاة تدور على طالبي الجنس على طريقة «الديلفيري» وعمليات تهريب على أشدّها، ومشاهد محدودة جداً لأطفال مشرّدين. هذا الواقع المرير الذي يعتبر تكثيفه بمثابة القبض على روح تلك المناطق العشوائية وأهلها المنكوبين، تراجع حضوره بسرعة قصوى وبات المرور عليه من باب «البريستيج» بغية التفرّغ لقصة «الريّس سيف» (طوني عيسى) ورغبته في الزواج من ابنة عمه سمرا ولو بالإكراه، في حين طار قلب الفتاة، وحط عند حبيبها المصري الذي وقعت في غرامه وبادلها الغرام ذاته من النظرة الأولى.

 

الضعف الواضح في المبررات الدرامية ينطلق بدءاً من فرضية عدم تمكّن الطبيب المصري ــ رغم مهنته وإطلاعه وثرائه الفاحش ــ من تجاوز مسألة الإنجاب، وسط ثورة العلم المتزايدة على هذا الصعيد. ويستمر عندما نرى هجيناً سوريا لبنانياً في المخيم من دون أدنى مبرر لوجود شخصيتين سوريتين هما: راوية البصّارة (منى واصف) وصبحية المجنونة (سمر سامي). ثم يصل النص إلى إقحام كليشيهات أقصى ما تحلم به هو استجداء عطف الجمهور عندما نشاهد سمرا تعطي الطبيب المصري 20 ألف ليرة لبنانية وتطلب منه التبرّع بها لأي طفلة سورية في المخيمات!
ولا نعرف أيضاً أين حصل الغجر في هذا المسلسل على الابتسامات الهوليوودية ناصعة البياض، وأين أجريت لغالبيتهم عمليات التجميل المكلفة، ومن أين يحصلون على النقود حتى يستخدموا أفضل أنواع الماكياج والأزياء المزركشة التي أنعشت ذاكرتنا عن المسلسلات المكسيكية المدبلجة مثل «كساندرا» وغيره.
رغم كلّ ما سبق، ما زال المسلسل قادراً على أن يمسك بالمشاهد ويقدم له جرعة تسلية ومتعة يدعمها الجمال والأداء اللافتان لنادين نجيم وتدريبها الواضح على الرقص وجهدها في تقديم شخصية حقيقية، إضافة إلى حالة الـ show التي نشاهدها بفضل براعة المخرجة رشا شربتجي في صناعة مشهديتها مستفيدة من عناصر الحكاية، والصورة والغرافيك المتقنين لإياد شهاب أحمد.

إلى جانب ذلك، نتابع «كركترا» مذهلاً تتقمص شخصيته سمر سامي لسيدة درويشة فقدت إدراكها، بسبب الظروف الصعبة التي عايشتها. اقتراح تمثيلي طارئ لم يسبق أن شاهدناه في الدراما في مثل هذه الشخصيات، إلى جانب براعة منى واصف في خلق مفردات خاصة لشخصية البصّارة وثبات عينيها اللتين تعبّران عن رؤيتها الثاقبة في قراءة المستقبل ومعرفة الطالع والحظ.

بعد عرض سبع حلقات من مسلسل «سمرا»، يمكن القول بأنه مادة تلفزيونية مسليّة تشبه إلى حد بعيد كليباً مبهراً لمغنية لا تملك صوتاً جميلاً، بقدر ما تملك جاذبية في الشكل والقوام الممشوق. هكذا، يمكن الاستمرار في تأمّلها ببهجة حتى نهاية الكليب من دون أن نشعر للحظة واحدة بأنها أطربتنا بصوتها!.