2016/02/27

دليلك إلى ترشيحات 2016
دليلك إلى ترشيحات 2016

الأخبار - علي وجيه

كأنّه الأمس إذ كنّا نهلل لفوز «بيردمان» (2014) إيناريتو بأربعة أوسكارات، في ختام النسخة 87 من جوائز «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» (تأسّست عام 1927). اليوم، نحن على بعد ساعات من الاحتفال الثامن والثمانين الذي يبدأ في الثالثة والنصف من فجر بعد غدٍ الاثنين 29 شباط (فبراير) بتوقيت بيروت (28 شباط (فبراير) بتوقيت لوس أنجليس، وهو الموعد الرسمي). يوم فريد (سنة كبيسة) يليق بحدث كهذا.
ذاكرة العامل في النقد السينمائي تربط الأحداث بفيلم أو مهرجان أو حتى مقال. تغدو السينما هي الروزنامة والأجندة والراسمة للعلامات الفارقة عبر السنين. في منطقة جحيميّة كهذه، تصير المواعيد الكبرى منفذ هروب لائق. الزمن فيلمي صرف بين أوسكارين أو نسختين من مهرجان برلين.

إذا كان الانفصال عن الواقع يساعد على البقاء بعد يوم القيامة، فليكن حبل النجاة فيلماً أو حتى مشهداً كبيراً. لغايات كهذه وجدت السينما أصلاً. بين الأوسكارين، باتت أسئلة الوجود أكثر إلحاحاً وشراسةً. مفاهيم الهويّة والانتماء وغايات الفرد والكون معلّقة في الهواء.

عواصف التكفير والإبادة والقمع تكاد تطيح ما راكمته حضارة الإنسان منذ نشأتها. صورة واحدة لطفل سوريّ غريق وضعت التجربة البشريّة برمّتها على المحك. السينمائيون يراقبون بحساسية مغايرة. يعملون بدأب لمواكبة كلّ ذلك تجاوزاً وإحالات. هذه بعض تداعيات الختام الفعلي لموسم سينمائي حافل.
منذ فوز «أجنحة» (1927) لوليام أ. ويلمان بالأوسكار الأوّل عام 1929، تمّ منح 2947 تمثالاً ذهبياً حتى اللحظة. المزيد على وشك تشريف الفائزين الجدد عن 24 فئة. هذا العام، يعتلي الكوميدي الأميركي الشهير كريس روك مسرح «دولبي»، لتقديم الاحتفال ثانيةً بعد الدورة 77 عام 2005. تساعده في الترحيب بالرابحين أسماء مثل مورغان فريمان، وكايت بلانشيت، وراسل كرو، وبينيثو ديل تورو، وريس ويذرسبون...
كالعادة، يكشف صاحب أوسكار أفضل ممثل العام الفائت إيدي ريدماين عن الفائزة الجديدة. وبالعكس، تعلن أحدث مالكة لأوسكار أفضل ممثلة جوليان مور اسم «الفارس» الجديد. الأوسكارات التكريميّة من نصيب كل من المخرج سبايك لي والممثلة جينا رولاندز، بينما تُمنح جائزة جان هيرشولت الإنسانية للممثلة والناشطة في حماية الإرث السينمائي ديبي رينولدز. الإنتاج لديفيد هيل ورينالد هادلن، فيما يتولّى الإخراج غلين ويس.
في المنطقة العربيّة، الحدث منقول حصرياً على شبكة OSN المشفّرة للعام الثاني على التوالي.

غير أنّ محبّي كلمات النصر الطويلة لن يحصلوا عليها هذه المرّة. الأكاديمية يئست من التزام الرابحين بمهلة الـ 45 ثانية خلف المايكروفون. قوائم الشكر ستمرّ على الشاشة أثناء حصول الفائز على تمثاله. إذاً، لا خطب عصماء بعد اليوم.
ثمانية أفلام تتنافس على أوسكار أفضل فيلم. يلتقي نصفها في رحلة العودة إلى الحياة بعد الفناء أو ما يقاربه: «العائد» لأليخاندرو غونزاليس إيناريتو (12 ترشيحاً)، و«ماكس المجنون: طريق الغضب» لجورج ميلر (10 ترشيحات)، و«المرّيخي» لريدلي سكوت (7 ترشيحات)، و«غرفة» لليني أبراهامسون (4 ترشيحات).
النصف الآخر يضع الفرد أمام خيارات أخلاقيّة صعبة، سواء على المستوى الشخصي أو العام: «سبوتلايت» لتوم ماكارثي (6 ترشيحات)، و«جسر الجواسيس» لستيفن سبيلبرغ (6 ترشيحات)، و«النقص الكبير» لآدم ماكاي (5 ترشيحات)، و«بروكلين» لجون كراولي (3 ترشيحات). مؤشرات التوقع السابقة للأوسكار غير قاطعة.

«النقص الكبير» حقق جائزة «نقابة ممثلي الشاشة». «سبوتلايت» نال جائزة «نقابة المنتجين الأميركية». «العائد» فتك بالـ«بافتا» والـ«غولدن غلوب» وجائزة «نقابة المخرجين الأميركية».
تاريخياً، من يظفر بهذه الأخيرة وقت الحيرة، يعود بالأوسكار إلى بيته. إذاً، تميل الكفّة إلى «العائد» من دون تأكيد حاسم. عموماً، يمكن الاطّلاع على قائمة الترشيحات الكاملة من هنا (http://oscar.go.com/nominees).
في الإخراج، ينحصر الصراع بين المكسيكي إيناريتو عن «العائد»، والأوسترالي جورج ميلر عن «ماكس المجنون: طريق الغضب».

الأوّل يذهب بعيداً في الخيال والمعايير والهوس بالكمال. «شطحة» من الجنون، تعيد الاعتبار إلى «جنر» الويسترن وأنماط الدرجة الثانية B-Movie عموماً. يبجّل السينما التقليدية لتحقيق فيلم من طراز «لورانس العرب» (1962) لديفيد لين في الصناعة، ومن روح تاركوفسكي، وكوروساوا، وإيريش فون ستروهايم، وكوبولا، وهيرتزوغ، وكيمينو، وجيلان في تلك «الشعرية الخشنة» والدأب العجيب. ميلر مذهل في «ماكس المجنون: طريق الغضب». ينفض الغبار عن سلسلته الأثيرة بثورة تقنيّة وأسلوبيّة، لصنع ويسترن هستيري ما بعد حداثوي. يدير مسرح الرعب، مولّفاً اللون والملابس والتكوين والمؤثرات في مغامرة «ماكس» الرابعة.
بالنسبة إلى ممثّلي الأدوار الرئيسية، يبدو أنّه أوان «العائد» ليوناردو دي كابريو. ترشيحه الخامس كممثّل (هناك ترشيح كمنتج عن «ذئب وول ستريت») سيصل إلى نهاية سعيدة أخيراً، بعد الظفر بالـ«بافتا» والـ«غولدن غلوب». النجم الهوليودي مثال على التكيّف الجسدي والنفسي مع متطلبات الدور. تحمّل البرد، ومدّ لسانه تحت المطر. سخّر إصابته بالأنفلونزا لخدمة الشخصية. ابتلع كبد ثور أميركي، رغم أنّه نباتي. درس لغتين أصليتين (باوني وآريكارا)، وتعلّم بعض أساليب الاستشفاء الطبيعي. لا شكّ أنّ «ليو» قدّم أداءً لافتاً و«سباق تحمّل» مدهشاً، ولكن هل «هيو غلاس» أهم أدواره حقاً؟ المؤكّد أنّه كان أكثر توهجاً في كل من «الطيّار» (2004) و«ذئب وول ستريت» (2013) لمارتن سكورسيزي. مثل هذا الأخير، قد يخطف الأوسكار عن شريط لا يعدّ أفضل أعماله. في الفئة نفسها، يبرز برايان كرانستون بأداء خلّاب لشخصية السيناريست الشيوعي «دالتون ترومبو». ممثّل نضج تدريجاً بأدوار صغيرة، ليبهر تلفزيونياً في Breaking Bad، قبل أن يلمع على الشاشة الكبيرة. بطبيعة الحال، سيكون لكرانستون شأن كبير في العناوين التالية.

عند الممثلات، يسير التيار لمصلحة بري لارسون عن «غرفة»، في دور أمّ مغتَصَبة تفعل المستحيل لإنقاذ طفلها. الأسطورة شارلوت رامبلنغ منافس شرس في «45 عاماً» لأندور هاي، بالأداء الأكثر نضجاً وتمكّناً. الممثّلة الأفضل في «برليناله» 2015 تستحق الذهب من وجهة نظرنا.

في الأدوار المساعدة، تبدو الأمور شبه محسومة لكايت وينسلت عن «ستيف جوبز» لداني بويل، ولسلفستر ستالون عن Creed لريان كوغلر. لا يمكن وصف «سلاي» بالممثّل اللامع، لكنّه برهن على أنّه لا يعرف الفشل عندما يتعلّق الأمر بـ«روكي بالبوا». دور الملاكم الشهير يعيده إلى الواجهة مجدداً، بعدما جلب له ترشيحين أوسكاريين منذ أربعين عاماً. كذلك، لا بدّ من الإشادة بكل من مارك رايلانس في «جسر الجواسيس» (الممثّل المسرحي الكبير ابتلع توم هانكس حقيقةً)، وكريستيان بايل في «النقص الكبير»، وروني مارا في «كارول» (أفضل ممثّلة في مهرجان كان الأخير، مناصفةً مع إيمانويل بيركو)، وجنيفر جايسون لي الساحرة في «البغيضون الثمانية».

منافسات الفيلم الأجنبي تحمل اختراقاً تاريخياً للسينما العربيّة. «ذيب» للأردني ناجي أبو نوّار يسابق على التمثال الحلم مع أربعة عناوين: الكولومبي «احتضان الثعبان» لسيرو غيرا، والفرنسي «موستانغ» للمخرجة دنيز غامزي إرغوفن، والمجري «ابن شاؤول» للازلو نيميس، والدنماركي «حرب» لتوبياس لندهولم. «ذيب» أبرز فيلم عربي خلال السنوات الأخيرة. «ويسترن سباغيتي» في صحراء «رم»، أيام الثورة العربيّة الكبرى. أبو نوّار يتلاعب بـ«الجنر» السينمائي، متأثّراً بسينما جون فورد وسام بكنباه، ومقتفياً بعض آثار دافيد لين ليخرج بـ«ويسترن بدوي». ليس خيالاً علمياً: سهرة الغد، قد تشهد تتويج أوّل فيلم عربي بأشهر جائزة على الكوكب.

بدوره، لا يمزح نيميس في «ابن شاؤول» المدجّج بجائزة لجنة التحكيم الكبرى من مهرجان «كان»، و«غولدن غلوب» أفضل فيلم أجنبي. جحيم مقيم على هيئة تحفة عن محرقة أوشفيتز الرهيبة. في «موستانغ»، تبدي إرغوفن حساسيةً عاليةً تجاه واقع المرأة التركيّة، من خلال خمس شقيقات يعشن في الريف.

حضور عربي آخر في الروائي القصير، من خلال «السلام عليكِ يا مريم» للفلسطيني باسل خليل. كوميديا تلعب على الفهم الضيّق للدين، من خلال اجتماع يهود وراهبات مسيحيّات إثر حادث سيّارة. في الوثائقي، تذهب الحظوظ الأكبر لـ«آيمي» لآصف كاباديا. بيوغرافيا مؤثّرة عن ساحرة السول الراحلة آيمي واينهاوس.