2018/02/25

محمد سمير طحان – صحيفة تشرين

لجأ العديد من كتاب الدراما إلى إدخال لهجات عدة مناطق سورية إلى أعمالهم منذ بدايات الدراما المحلية مع انطلاقة التلفزيون بداية الستينيات ضمن سياقات درامية مبررة لوجود أصحاب هذه اللهجات داخل المشهد العام للأعمال الدرامية، مع التركيز على اللهجة الدمشقية كحامل لهذه الدراما لكون أغلب الأعمال كانت تتركز في دمشق كمكان للحدث الدرامي، لتأتي بعدها موجة الأعمال البدوية التي أظهرت هذه اللهجة وكرستها في نمط درامي منفرد صار له جمهوره داخل سورية وخارجها.

وفي فترة التسعينيات ظهرت أعمال الدراما الحلبية التي بدأت تقدم بيئة الشهباء بكل ما فيها من خصوصية، ومنها لهجة أهلها الخاصة التي ألفها الجمهور و تفاعل معها وأحبها، ليكون خيار صناع الدراما فيما بعد اللجوء لما اصطلح على تسميته اللهجة البيضاء في أغلب الأعمال التي تنتمي لمنطقة جغرافية محددة بعد إزالة اللكنات والكلمات ذات الخصوصية المكانية، ما أنتج أعمالاً درامية غريبة عن مكان الحدث الذي من المفترض أن تنتمي اليه، فمثلاً عندما كنا نشاهد البيئة الساحلية لم نكن نسمع لهجة أهلها والشيء ذاته في البيئة الفراتية وغيرها من المناطق السورية التي كانت جاذبة بصرياً للمخرجين كي يتعاطوا معها، إلا أن من تصدوا لهذه المشاريع تخوفوا من طرح لهجات هذه المناطق راضخين لتعليمات الجهات المنتجة لصعوبة تسويقها في الخارج و ذلك تمشياً مع متطلبات السوق التجارية و التوزيع للدراما.

ولأن التعاطي مع اللهجات السورية في الدراما تطلب قدراً من الشجاعة من قبل أصحاب المشاريع الدرامية الحقيقية ظهرت تجارب إبداعية في منتصف التسعينات مع مسلسل يوميات مدير عام عبر عدة كاركترات درامية قدمها الفنان المبدع أيمن زيدان بكثير من الاتقان كما كانت للفنانة الاستثنائية أمل عرفة تجربة ناجحة مع شخصية دنيا بلهجتها القلمونية الجميلة عبر جزأين من مسلسل دنيا، وتجرأ بعدهما المخرج الليث حجو، وطرح هذا الموضوع عبر أعمال كاملة تنتمي لبيئات محددة ونجح في رهانه على إمكانية تسويق أي لهجة سورية ضمن سياقها المكاني والدرامي وذلك في أعماله الكوميدية ضيعة ضايعة بجزأيه والخربة، حيث سبقتهما تجربته الغنية في بقعة ضوء وعلى المكشوف.

إلا أن هذه الجرأة التي أكسبت رهانات أصحاب المشاريع الفنية خذلت في الوقت ذاته أنصاف المواهب ممن استسهلوا التعاطي مع اللهجات من خلال حشرها في أعمالهم الهزيلة في كل مكوناتها من دون مبررات درامية وبشكل هش وغير محكم لأهداف عدة منها الاستفادة من نجاحات أعمال أخرى حققت الجماهيرية الواسعة إلى جانب السعي لاختلاق حالة كوميدية تبعث على الضحك و تكون محببة للجمهور فكانت النتيجة تهريجاً مسفاً ومسيئاً لهذه اللهجات ولأهلها من خلال تأديتها ممن لا يجيدون نطقها ويمزجونها بكثير من المبالغة في لحن الكلام فسقطوا و سقطت أعمالهم التي لا يرغب أحد في استذكارها.

لا شك في أن التنبه لمسألة التمكن من استخدام اللهجات ولأسباب مبررة درامياً هو أحد أسباب نجاح أي عمل درامي يقتحم عالم البيئة، ومن هنا نرى كوارث في كل عام مع أعمال البيئة الشامية التي صارت مشاعاً لكل من هب و دب ليقدمها وفق نمطية مغلوطة ولا تمت بصلة لحقيقة هذه البيئة مع استسهال كبير في التعاطي مع اللهجة والإصرار غير المبرر على عدم وجود مدقق للهجة ضمن فريق عمل هذه المسلسلات التي تسيء للدراما و للجمهور.

الأخبار اليوم تتواتر عن إعداد وتصوير عدة أعمال تنتمي لبيئات متعددة لذا وجب علينا التنبيه لخطورة التعاطي مع هذا النمط الدرامي الذي يتطلب الكثير من الحرص والإتقان في الإعداد والتنفيذ كي لا تكون هذه الأعمال كغيرها من قائمة طويلة ضمت أعمالاً لا تشبه البيئات التي أرادت الانتماء إليها ولنا مع كل تجربة من هذا النوع وقفة وكلام.