2012/07/04

سينما عبد اللطيف عبد الحميد -2- عبد الطيف هو الدنُ والخمارُ والساقي
سينما عبد اللطيف عبد الحميد -2- عبد الطيف هو الدنُ والخمارُ والساقي


قراءات في السينما السورية -2-

سينما عبد اللطيف عبد الحميد -2-

عبد الطيف هو الدنُ والخمارُ والساقي

خاص بوسطة_ عوض القدرو

ينتهي عبد اللطيف عبد الحميد من "ليالي ابن آوى" ليعود بفيلم آخر هو "رسائل شفهية".. بهذا الفيلم كرس عبد اللطيف عبد الحميد شيئاً جميلاً عفوياً في السينما السورية، وهي السينما التي تشبه تغوص في عوالم الحياة الغير مرئية للجميع عوالم الإنسان العميقة التي تجردت من عبث الحياة وتعيش فقط على فطرة الخالق تلك الفطرة المعجونة بالحب والبساطة التي لا تبالي بتعقيدات الحياة.

هل الذين أنعم الله عليهم بالقُبح والبشاعة ممنوع عليهم الحب..

هي رسالة واحدة ومنها تخرج كل الرسائل منها تخرج كل الآهات وتخرج الأحلام والأوجاع والضحكات المذيلة بشجن حزين..

في "رسائل شفهية".. مرة أخرى يعود عبد اللطيف عبد الحميد مؤلفاً ومخرجاً وممثلاً في بعض المشاهد، يعود إلى الشاشة الفضية التي من خلالها أنشأ جسراً مهماً بينه وبين محبي السينما، فكان هذا الفيلم مختلفاً تماماً عن سابقه في الموضوع، لكنه لم يختلف من حيث البيئة التي خرج منها فيلمه الأول، ومرة أخرى عبد اللطيف عبد الحميد بروحه الساخرة المتغلغلة بتفاصيل بيئته التي تربى وعاش فيها يطرح موضوعاً جميلاً بسيطاً يحمل هموماً عميقة وأحلاماً مشروعة بالحب.. كل شخصيات فيلم "رسائل شفهية" هدفها وحلمها الحب.. حب الرجل للمرأة، الذي يقوم على الكلمة الطيبة وعلى بساطة التعبير دونما اللجوء إلى فلسفة أحاسيس القلب وبثها للآخر كما هي..

في هذا الفيلم يحمل عبد اللطيف فيلمه الثاني في روحه قبل عقله، ويوزع على شخصياته التي يحبها في جميع أفلامه رسائله بطريقة حبه للسينما.. الفنان القدير فايز قزق وجه سينمائي جديد يقدمه عبد الحميد بمنتهى الاحترافية المهنية، من خلال شخصية (إسماعيل) التي ستظل شخصية سينمائية خالدة في السينما السورية والعربية، شخصية لن تتكرر أبداً شخصية تحمل كل بساطة الإنسان بكل شيء.. رجل بشع ذو أنف كبير، يخشى البوح بعواطفه لـ (سلمى) بنت القرية الجميلة، كونها لن ترضى به لكبر أنفه، فيكلف صديقه (غسان) الذي يصغره بكثير بإيصال رسائله العاطفية ولكن بطريقة شفهية.. يقع (غسان) في حب (سلمى)، ويبقى إسماعيل متعلقاً بأخبارها عن طريق صديقه، وتبدأ الأحداث التي تمزج بين الابتسامة والحزن والألم، بطريقة تخلو من كل تعقيدات السينما وتعاليمها.. حركة كاميرا بسيطة سهلة غير معقدةن كوادر سينمائية تعكس جو البيئة، تقدم لك هذا على أنه حدوتة وحكاية، ولكن حكاية مصورة لا تكل ولا تمل عن مشاهدتها مراراً وتكراراً، وفي كل مشاهدة تكتشف شيئاً جديداً هو موجود في حياتنا اليومية، ولكن عبد اللطيف يضعه تحت المجهر بطريقته وأسلوبه، يقدمه بطريقة: "السلام عليكم.. وعليكم السلام"..

"رسائل شفهية" أو "فيلم المليون مشاهد" استمر عرضه في صالات السينما السورية على مدى عام كامل تقريباً، والغالبية العظمى من الذين حضروا هذا الفيلم لم يكتفوا بمشاهدته مرة واحدة فقط.. شخصياً، أحمل ذكريات جميلة من أيام عرض هذا الفيلم في صالة الكندي في دمشق، حيث كان الفنان فايز قزق يواظب بشكل يومي على حضور الفيلم ولكن المفارقة الكوميدية كانت عند خروج 400 شخص من صالة الكندي، دون أن ينتبه أحد أو يعرف أن فايز قزق هو (إسماعيل)، طبعاً ما عدا القليل من أصدقائه أو رواد المسرح، كون الفنان فايز قزق ممثل مسرحي أساساً، فكان الناس يخرجون ولا يعرفون أن (إسماعيل) هو ذلك الشاب الملتحي الذي يقف في بهو صالة الكندي فرحاً بما حققه هذا الفيلم من حضور جماهيري غير مسبوق في السينما السورية، ومن أجمل المفارقات التي هي فعلاً من صميم روح عبد اللطيف عبد الحميد، أنه وعند انتهاء المشهد الأخير في الفيلم من المفترض أن تظهر كلمة النهاية على الشاشة.. لكن عبد اللطيف ظل محافظاً على ابتسامة الجمهور حين مغادرته مقاعد الصالة، عندما ظهرت على الشاشة كلمة: "تصميم الأنف: د. أحمد معلا".. التصميم الذي صنع بصمة مازالت موجودة حتى هذا اليوم.. فكان الجمهور يطلق ضحكة أخيرة ولكن ليست آخرة..

بطاقة الفيلم:

"رسائل شفهية"

سيناريو وإخراج: عبد اللطيف عبد الحميد.

تمثيل: فايز قزق، رنا جمول، زهير رمضان، أسعد فضة، نهال الخطيب، رامي رمضان، نهاد عاصي.

مدير التصوير: عبده حمزه.

إنتاج وتوزيع: المؤسسة العامة للسينما 1991.

الجوائز: الجائزة البرونزية في مهرجان فالنسيا لدول المتوسط (إسبانيا).. جائزة الجمهور الشاب وجائزة إتحاد النوادي السينمائية الأوروبية وجائزة النقاد (مجلة الأوبزر فاتور) في مونبليه (فرنسا)، والعديد من الجوائز.

يوسف شاهين في مدخل مبنى المؤسسة العامة للسينما تقع عيناه على بوستر (أفيش) أحد الأفلام السورية المعلقة على جدران المؤسسة فيقول: «آه هو ده.. أنا عاوز أشوف الفيلم ده».. كان الفيلم هو "صعود المطر" ثالث أفلام عبد اللطيف عبد الحميد..

1995 أفضل إنجاز سينمائي عربي وجائزة النقاد في مهرجان قرطاج السينمائي وجائزة أفضل ممثل وتصوير وموسيقى في مهرجان دمشق السينمائي ذهبت لفيلم "صعود المطر"

"صعود المطر".. ينفضّ الجمهور قليلاً ويبقى عبد اللطيف..

بحركة 360 درجة، يتحول عبد اللطيف عبد الحميد من خلال هذا الفيلم إلى شكل آخر تماماً، للوهلة الأولى كان بعيداً عن أسلوبه في فيلمَيه الأول والثاني، لكن بالتفاصيل كانت الروح هي نفسها التي صنعت "ليالي ابن آوى" و"رسائل شفهية".. "صعود المطر" كان الجانب الأخر من عبد اللطيف، هذا الجانب الذي لا يعرفه الكثيرون عن عبد الحميد.. الجانب الذي يحتفظ به الفنان أو المبدع لنفسه دونما الإفصاح عنه إلا من خلال بعض تصرفاته أو أحلامه الغير مُعلنة والغير مرئية للآخرين..

في "صعود المطر" يجد عبد اللطيف ذلك الخيط الرفيع الذي يربط كل شرائح المجتمع من خلال ابتهال وحلم وواقع.. عندما صعد عبد اللطيف عبد الحميد المسرح ليقدم فيلمه "صعود المطر" في عرضه الأول في مهرجان دمشق السينمائي التاسع، قال عن هذا الفيلم الحقيقة التي أراد إيصالها إلى جمهوره: «إن أكثر ما يؤلمني أن أقدم فيلماً تافهاً.. ولكن هذا الفيلم ينبع من روحي..»، هذا الفيلم هو صميم روح عبد اللطيف الفنان، وشخصيات هذا الفيلم مركبة بطريقة عجيبة وعميقة، والسؤال الذي يطرحه عبد اللطيف بشكل علني وصريح من خلال فيلم "صعود المطر" هو: «لماذا نريد قتل الحب الذي يعيش فينا وهو سبب مهم لكي نعيش؟»، في هذا الفيلم يكشف عبد الحميد جوانب مهمة من معاناة المبدع.. والسؤال الذي يطرحه: «هل ينفع الجانب الإبداعي بضمان الحدود الدنيا من حياة كريمة؟».

في "صعود المطر" كان واضحاً بشكل جلي نضوج عبد اللطيف عبد الحميد فنياً ومهنياً، ومن يذكر الفيلم تماماً يستطيع أن يدرك ذلك من خلال المشهد الرائع في الفيلم، وهو مشهد الرقصة التي يؤديها (صباح)، تيسير إدريس، تحت المطر.. الشيء الملفت للنظر أن غالبية مشاهد الفيلم الخارجية كانت ليلية، وربما كان لهذا الأمر علاقة برمزية ورسالة الفيلم.. الموسيقى التصويرية للفيلم والتي أبدع فيها د. علي الكفري جاءت لتكون مكملة لرسالة الحب الواضحة في الفيلم.. وما زلت أذكر شيئاً مهما ربما لا يعرفه الكثيرون.. عندما شاهد المخرج العالمي الراحل يوسف شاهين الفيلم في صالة الرقابة في مستودع الأفلام التابع للمؤسسة العامة للسينما في شارع الفردوس بدمشق، وعند انتهاء عرض الفيلم، دخلتُ إلى صالة الرقابة ووجدت غيوماً قد تشكلت من دخان سجائر يوسف شاهين، ونظرت إلى منفضة السجائر وجدتها مليئة عن آخرها، ويوسف يستند إلى كرسيه ويدخن ويفكر.. سألته يومها: «شو رأيك أستاذ يوسف بالفيلم؟». فرد علي بلهجته المصريةن دون خجل من كلما نابية قد ترد فيها، قال لي: «إيه الفيلم ده.. ده فيلم ابن كلب.. فيلم تحفة.. فيلم جميل جداً..»، طبعاً قد يتساءل البعض عن وجود يوسف شاهين في سورية في ذلك الوقت.. كان وجود يوسف شاهين في سورية هو لبدء تصوير بعض من مشاهد فيلم "المصير".

بطاقة الفيلم:


"صعود المطر"

سيناريو وإخراج: عبد اللطيف عبد الحميد.

تمثيل: تيسير إدريس، ناجي جبر، عدنان بركات، أمل عرفة، عابد فهد، رنا جمول، أمل عرفة، مهند قطيش، ريم علي، شكران مرتجى، بسام كوسا، مي سكاف.

مدير التصوير: جورج لطفي الخوري.

موسيقي تصويرية: د. علي الكفري.

إنتاج وتوزيع: المؤسسة العامة للسينما 1995.