2012/07/04

كنفاني والعلي ودرويش..3 أيقونات في السيـنما الفلسطينية والعربية
كنفاني والعلي ودرويش..3 أيقونات في السيـنما الفلسطينية والعربية


أوس داوود يعقوب – تشرين


تعود علاقة الفن السابع بالأدب، إلى بدايات ظهور السينما. ومثلما وقع الأوائل من السينمائيين أسرى إغراء الأدب، فإن الذين تعاميجد الباحث عن عين غسان السينمائية، بصفائها وحساسيتها، حاضرة في رواياته المكتملة وغير المكتملة. وهذا ما يؤكده المخرج العراقي، قيس الزبيدي، بقوله: «نستطيع أن نؤكد أن أدب غسان كنفاني (رواياته) ليس أدباً خالصاً وإنما أدبٌ فيه كثير من السينما، فيه سينما أكثر بكثير من كثير من الأفلام».

ووفقاً لـ (الزبيدي) فإن حصيلة السينما في اعتماد روايات (غسان)، هي حتى الآن، أربعة أفلام روائية عن ثلاث روايات، هي على التوالي كالتالي: «رجال في الشمس (فيلم «المخدوعون»)، و«ما تبقى لكم (فيلم «السكين»)، و«عائد إلى حيفا» (فيلمان السوري: «عائد إلى حيفا» والإيراني: «المتبقي»). أما بالنسبة للفيلم القصير المقتبس من أدبه، فهناك الفيلم الروائي القصير «زهرة البرقوق» عن رواية «برقوق نيسان»، والتمثيلية التلفزيونية «وصية أم سعد» عن رواية «أم سعد»، و«البرتقال الحزين» عن قصة «أرض البرتقال الحزين».

ويشير (الزبيدي) إلى أن التباساً انتشر في أدبيات السينما عموماً، حيث اعتقد أن الفيلم السوري الأول (رجال تحت الشمس» مأخوذ عن رواية كنفاني (رجال في الشمس» غير أن سيناريو هذا الفيلم، الذي يتضمن ثلاث قصص عن المقاومة الفلسطينية، كتبت قصصه الثلاث مباشرة للسينما، وحمل الفيلم عنواناً مشابهاً تقريباً لعنوان رواية كنفاني.

ويذكر الناقد السينمائي بشار إبراهيم أن«(غسان) لم يشتغل في السينما.. بل لم يرَ أيَّاً من الأفلام التي صيغت عن رواياته، وذلك على الرغم من أنه وقّع عقدي تحويل روايتين له، على الأقل، هما رواية «ما تبقى لكم» (1966م)، و«رجال في الشمس» (1963م)، إلى فيلمين روائيين طويلين، هما على التوالي فيلم «السكين» لخالد حماده (1971م)، و«المخدوعون» لتوفيق صالح (1972م)... وقد مضى غسان كنفاني شهيداً، وترك خلفه فيلمين أُعدَّا عن روايتين له، لم يشاهد الفيلمين، ولا اهتم بمتابعة العمل فيهما.. وإذا كان الفيلمان حَققا مستويين متفاوتين من البراعة، فإن السينما التي لم يبدُ أن غسان قد اهتم بها في حياته، شاءت الاهتمام به بطريقتها الخاصة، واقتفاء أثره في أفلام تتالت طيلة ثلاثين سنة مضت على رحيله..».

وفي العام 1995م، قام المخرج الإيراني (سيف الله داد) بالعمل على رواية «عائد إلى حيفا» مرة أخرى ليقدِّم فيلمه «المتبقي».. مستعيناً بطاقم من الممثلين السوريين أمثال جمال سليمان وجيانا عيد وسلمى المصري وعلاء الدين كوكش وغسان مسعود.. وغيرهم من الممثلين والفنيين والتقنيين، وقام بتصوير فيلمه في مدينة اللاذقية توءم مدينة حيفا.

وقد حقق (داد) فيلماً تلتبس هويته بين العربية والإيرانية، إذ رأينا نسخة ناطقة بالعربية وأخرى مدبلجة بالفارسية..

ورغم أن الفيلم ينهض على خيوط يستلها من رواية «عائد الى حيفا». إلا أن (سيف الله داد) لم يشر في (تيترات) مقدمة الفيلم إلى (غسان كنفاني) وروايته، وإنما اكتفى بإشارة مترددة في (تيترات) النهاية، (التي تراهن على جمهور يغادر الصالة المضاءة في تلك اللحظة.. تومئ إلى إلقاء (نظرة) على (كنفاني) و«عائد إلى حيفا)!!.

أما الأفلام التي تطرقت إلى شخص غسان كنفاني كمفكر وإنسان وشهيد، فهي عديدة نذكر منها: «لماذا المقاومة؟»، و«لن تسكت البنادق»، و«الكلمة البندقية»، و«أوراق سوداء»، و«أبداً في الذاكرة».

ويعد فيلم «أسطورة العشق الفلسطيني» للمخرج الفلسطيني رامي السعيد، ومن إنتاج (وحدة سينما العودة الفلسطينية) التابعة لبيت الذاكرة الفلسطينية في دمشق، أحدث الأفلام التسجيلية التي تناولت حياة (غسان)، وفيه يركز المخرج على الجانب الأدبي والإبداعي من سيرة حياته، حيث يبدأ الفيلم بمشاهد لعملية (مطار اللد) التي نفذها مقاتلو الجيش الأحمر الياباني وكيف حملت قيادة العدو الصهيوني المسؤولية المباشرة للشهيد غسان كنفاني ونفذت عملية اغتياله في بيروت في صباح يوم الثامن من شهر تموز 1972م، مستخدماً مشاهد وثائقية لتلك الأحداث.

ناجي العلي.. الساخر صاحب الرؤى


في عام 1992م، ولأول مرة في تاريخ السينما المصرية حُقق فيلم تناول رمزاً ثقافياً مناضلاً، هو الفنان الشهيد ناجي العلي، الذي كان محور السرد داخل فيلم كتب له السيناريو (بشير الديك)، وأخرجه المتميز الراحل (عاطف الطيب)، وجسد فيه شخصية ناجي الفنان الكبير (نور الشريف)لوا مع نتاج الشهيد الفلسطيني الأديب غسان كنفاني سينمائياً وقعوا أسرى إغرائه كذلك

يبدأ النص السينمائي للفيلم، قبل بضعة أشهر من تاريخ اغتصاب فلسطين عام 1948م، ويشار إلى ذلك بجملة الإشارات الزمنية/ التاريخية، وتفجير المساكن، وتشريد أهالي القرى الفلسطينية، ثم انتهاء الحكم العسكري البريطاني، وأخيراً إعلان الدولة الصهيونية، في 15 أيار 1948، إلى أن يأتي ختام الفيلم، بتوقف قلب ناجي العلي، داخل مستشفى بلندن -عقب قتله غيلة- صيف عام 1987م. وقد أظهر الفيلم (ناجي) فناناً شجاعاً، مستقلاً على الصعيد السياسي، وإنساناً جديراً بالاحترام، مست سخريته مختلف الزمر الرسمية في العالم العربي، كما مست قيادة منظمة التحرير الفلسطينية نفسها.

ويستعرض المخرج، عبر هذه الشخصية، نكسات الوطن العربي، والوضع المستشري في الدول العربية، من خلال بناء درامي محكم. غير أن الفيلم تعرض لكثير من الانتقادات في الأوساط الفلسطينية والعربية، لسنا هنا بصدد الخوض فيها. كما إن الفيلم لم يلقَ حظه من العرض في دور السينما المصرية أو العربية، وكذلك في الكثير من الفضائيات العربية!.

وفي العام 1999م حقق المخرج العراقي قاسم عبد فيلماً تسجيلياً عن ناجي بعنوان

«ناجي العلي: فنان صاحب رؤيا»، مدته (52 دقيقة، فيديو، ملون). ويتتبع (قاسم) في هذا الفيلم حياة الفنان وعمله بدءاً بمولده في الجليل حتى موته في لندن. متناولاً القوى التي شكلت (ناجي العلي) بوصفه فناناً وكائناً إنسانياً، ويروي كيف عكست تجاربه تجارب الفلسطينيين المبعدين الآخرين. والفيلم من إنتاج (Camera Image- لندن).

درويش.. احتفاء فلسطيني وعالمي بسيد الكلام



أما محمود درويش فقد يكون الشاعر العربي أو العالمي الوحيد الذي حظي بأكبر احتفال واحتفاء داخل السينما، سواء الفلسطينية أو العربية أو العالمية.

يذكر الناقد السينمائي المغربي عبد اللطيف عدنان أن (درويش) يحضر في فيلم «القدس في يوم آخر» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، على شكل قصيدة تدخل في حوارية، كنص مواز، مع النص السينمائي. وفي فيلم «خصوصي» (Private) من إخراج الإيطالي (سافيريو كوستانسو)، يحضر درويش من خلال رائعته «مديح الظل العالي»، ليصير هو النواة التي تنبني عليها عملية التشبث بالمكان كمقاومة. كذلك يحضر الشاعر، كشخص بدوره التاريخي في فيلم «موسيقانا» للسينمائي السويسري النشأة، الفرنسي الجنسية (جان لوك غودار)، والذي شارك فيه درويش إلى جانب الكاتب الإسباني (خوان غويتيسولو)، عبر مقطع من قصيدة «خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام الرجل الأبيض».

وفي الفيلم الوثائقي «كما قال الشاعر»، للفلسطيني نصري حجاج، يسعى المخرج بعد غياب (درويش) إلى الاقتراب من عوالمه بحميمية شاعرية قل مثيلها، عبر رحلة بصرية في حياة وشعر سيد الكلام.

وقد صور حجاج شريطه في عشر دول، وذكر أنه قبل إنجاز الشريط استمع إلى 60 ساعة تسجيل بصوت درويش حصل عليها من أرشيف محطات تلفزة عربية، واختار منها مقاطع أثث بها أحداثه، التي تنقل المشاهد إلى مدن ومنازل ومسارح وشخصيات عرفوا الشاعر وأحبوا شعره، أمثال: (وول سوينكا، ودومينيك دو فيلبان، وخوزيه ساراماغو، وجمانة حداد، وأحمد دحبور، وشاعرة فلسطينية شابة هي داليا طه وغيرهم).

وفي فيلمه المنجز عام 2009م بعنوان «9 آب»، يتناول المخرج اللبناني طلال خوري الشاعر محمود درويش سينمائياً، عبر قراءة بصرية تدخل في مجال الحوارية بين النص السينمائي والنص الأدبي. ولا نبالغ في القول إن فيلم طلال خوري يُعد بمنزلة القصيدة.

ويروي الفيلم بطريقة إيحائية قصة بطل يشيع لمثواه الأخير. عبر الموسيقا المصاحبة ذات النغمة العربية، وبعض هتافات المشيعين المرددة لكلمة (يا بطل) بنبرة شامية يمكن أخذ فكرة عن ملابسات هذا الحدث وموقعه في سياق شرق أوسطي وفي لبنان بالذات. هوية هذا (البطل) يمكن أن تكون معممة على كل من سقط ضحية للصراع الذي تعرفه المنطقة. وكانت «الفضائية السورية» فيلماً وثائقياً عن الشاعر بعد رحيله، بمناسبة ذكراه الأربعين. كتب السيناريو له الشاعر علي سفر، وأخرجه أحمد حيدر. ويستعرض الفيلم بشاعرية، حياة درويش من الطفولة إلى الرحيل، إذ تتنقل الكاميرا بسلاسة بين المواد الوثائقية من فوتوغرافية ولقطات فيديو من أمسيات ومناسبات وأفلام، مع التعليق المصاحب، قبل أن يتوقف عند المرحلة الأخيرة من شعره برؤية نقدية تضيء جماليات القصيدة الدرويشية، أو ما صارت إليه هذه القصيدة عند شاعر هو استثناء بين الشعراء، من حيث إخلاصه للشعر وعدم الاعتماد على نجوميته أو إلى عدالة القضية التي يمثلها.

كما أنجزت «قناة الجزيرة»، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيل درويش، فيلماً وثائقياً عن حياة درويش، تحت عنوان (محمود درويش)، وقد قدم من خلاله المخرج خليل حنون عرضاً كلاسيكياً قصصياً لحياة شاعر المقاومة، بدأها بمقاطع من أمسيات شعرية للشاعر الفلسطيني، وتم تقسيم الفيلم إلى مراحل تعايش حياة درويش، وفيه نشاهد انتقالاً سلساً بين المراحل، وتوظيفاً دقيقاً للمقاطع الشعرية من أمسيات شعرية لمحمود درويش.

وفي العام نفسه (2009م) أنجز المخرج الفلسطيني رامي السعيد فيلماً وثائقياً عن درويش بعنوان (محمود درويش أنشودة قوس قزح)، مدته 45 دقيقة، من إنتاج (وحدة سينما العودة الفلسطينية)، التابعة لمؤسسة (بيت الذاكرة الفلسطينية) في مدينة حلب.

وقبل شهور قليلة من رحيل (درويش)، قام المخرج النرويجي (توماس هوغ)، بإنجاز فيلم حمل عنوان «هوية الروح»، عن نص جمع ما بين الشعر، والرواية، والمسرح أحياناً، وفيه بدا (درويش)، شاعراً، وراوياً، مع بعض التجسيد أحياناً.

وقد اعتمد (توماس) في فيلمه تقنية جديدة في العرض تعتمد على شاشات خمس تتعانق أحياناً، وتتنافر أحياناً أخرى.. ترسم لوحة متكاملة حيناً، وحيناً آخر تنفصل لتقدم خمسة مشاهد مختلفة، في تقنية مبهرة لأول عمل سينمائي «خماسي الأبعاد»، إن جاز التعبير.

«هوية الروح»، عمل أشبه بعمل تركيبي يعتمد عدة أساليب فنية وتشكيلية معاصرة، جمعت ما بين السينما، والمسرح، والرقص المعاصر، والأدب، و«الأنيميشن»، و«الفيديو آرت». وهو عمل مبهر بصرياً، ولا يمكن عرضه في قاعات سينما مغلقة، كونه يتطلب شاشات خمساً.

وكانت المخرجة الفرنسية (من أصول يهودية مغربية) سيمون بيتون، قد أنجزت عام 1998م فيلماً وثائقياً تسجيلياً عن درويش (مدته 59 دقيقة)، بعنوان «الأرض تورثُ كاللغة»، لفائدة محطّة «آرتي» الفرنسيّة ـ الألمانيّة، ويندرج الفيلم ضمن سلسلة «قرن من الكتّاب»، التي كانت تخصّص كل حلقة من حلقاتها لكاتب عالمي بارز. وكان (درويش) الأديب العربي الثاني الذي تسلّط عليه الضوء بعد عميد الرواية العربية نجيب محفوظ. وقد حقّقته (بيتون) بالتعاون مع المؤرّخ الفلسطيني إلياس صنبر- مترجم (درويش) إلى الفرنسيّة وأقرب أصدقائه، بعد أن استطاعت (بيتون) إقناع الشاعر محمود درويش بالبوح والاعتراف أمام كاميرتها، بدءاً من حياته الشخصية، وتجربته الفردية، وصولاً إلى تجربته الثقافية الإبداعية، وتجربته السياسية الرسمية وشبه الرسمية.

وكان المخرج الفلسطيني سمير عبد الله قد حقق في العام 2002م، فيلماً تسجيلياً بعنوان «محمود درويش»، قدم فيه الشاعر وهو يقرأ بعض المقاطع من قصيدته «في حالة حصار» أمام جمهور غفير على خشبة مسرح القصبة في رام الله، وذلك قبل ثلاثة أيام من اجتياح جيش الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية. وهذا فيلم تسجيلي نادر، إذ إن مسرح «القصبة» التاريخي العريق الذي كان يديره المسرحي الفلسطيني (جورج إبراهيم) قد دمر تماماً خلال الاعتداءات الصهيونية الوحشية عام 2002م.