2012/07/04

طارق الشناوي: درس فاتن حمامة الذي لم يتعلّمه الفيشاوي ودرويش
طارق الشناوي: درس فاتن حمامة الذي لم يتعلّمه الفيشاوي ودرويش


أنا زهرة - طارق الشناوي

"سيدة الشاشة العربية" فاتن حمامة لم تعتزل التمثيل. ربما لن تقف مجدداً أمام الكاميرا، إلا أنّها لا تزال تنتظر العثور على مسلسل إذاعي يحرّكها للعودة إلى الوقوف خلف الميكروفون. ولهذا، فإنها كثيراً ما تتلقى أعمالاً إذاعية لكنها لم تتحمّس حتى الآن لأي منها. لكن هناك عمل فني ضربت من خلاله فاتن مثلاً للفنان الذي لا يحترم تاريخه فحسب، بل أيضاً يحترم ذاكرة الناس.

قبل سنوات، كتب رفيق الصبان مسلسلاً إذاعياً واتصل بفاتن للحصول على موافقتها. طلبت منه أن يروي لها الملخّص، فقال لها: "تلعبين دور امرأة تنجب طفلة في المستشفى حيث يحدث خطأ، فتسلَّم الأم طفلةً أخرى". وقبل أن يكمل رفيق، قالت فاتن حمامة: "كيف يصدق الناس أنني لا أزال أنجب وأنا جدة؟". أجابها بأنّها تمثل فقط بصوتها، فقالت له: "لكن الناس يعرفون عمري" واعتذرت عن الدور احتراماً لتاريخها وجمهورها.

المفترض أنّ كل الفنانين يحترمون ذاكرة الناس لكنّ المشاهد العربي سوف يفاجأ بأنّ فاروق الفيشاوي يؤدي دور الشاعر الكبير محمود بيرم التونسي في مسلسل "أهل الهوى" الذي سيصبح بمثابة فضيحة مدوية نراها بعد شهرين على الشاشة الصغيرة في رمضان. تبدأ الحلقات والفيشاوي في الرابعة والعشرين وتنتهي وهو لم يبلغ بعد الـ 31،

بينما يؤدي إيمان البحر درويش دور جده سيد درويش الذي رحل عن 32 عاماً!

نعم، قد يفعل المكياج الكثير، لكن ليس إلى درجة أن يعيد البطلين الأساسين في "أهل الهوى" 30 عاماً إلى الوراء. أول مبادئ الدراما أن يصدق الجمهور ما يراه أمامه. ولهذا أعتقد جازماً أنّ المسلسل قد خسر ضربة البداية. ومع الأسف الشديد، فإنّ هذا العمل الذي كتبه الأديب الكبير محفوظ عبد الرحمن الذي أعلم مدى إخلاصه في رصده الدرامي للحياة في مصر وأتابع شغفه ودأبه في التقاط التفاصيل، لا يُقدم حدوتة لكنّه يقدّم زمناً وحياة وإيقاعاً ورائحة.

مثلاً مسلسل "بوابة الحلواني" واحد من رصيدنا الثقافي الذي جمع بين محفوظ والمخرج الراحل إبراهيم الصحن في مطلع التسعينيات. ترى فيه كل ذلك لأنّ نبض الزمن ينضح في أعماله مثل مسلسل "أم كلثوم" الذي صاغه بكل هذا الوهج والعمق، وأخرجته إنعام محمد علي بتفهم وإبداع، وصار وكأنه الواقع الذي نعود إليه كلما اشتقنا إلى عصر أم كلثوم.

صحيح أنه لا يجوز أن تتناول عملاً فنياً قبل أن تراه على الشاشة، لكننا هنا لا نتحدث عن ممثل خاصمت ملامحه الشكلية الشخصية الدرامية، لكننا نتوقف أمام منطق لا يحتمل تعدد وجهات النظر، ولا يخضع لقراءة نسبية تختلف من شخص إلى آخر.

المؤكد أنّ فاروق الفيشاوي لم تعد تعرض عليه أدوار ليختار بينها، بعدما فقد الكثير من حضوره الفني. كما أنه لم يعد يخلص في أدواره، فصار دوماً في مركز البديل الثاني أو الثالث تراه يقف على الخط ينتظر اعتذار نجم أو أكثر ليقفز ويقتنص الدور. وهذا ما حدث في "أهل الهوى"، إذ كان هو المرشح الثالث لدور بيرم. إلا أنّ ذلك لا يبرّر قبوله بلعب دور شاب في الرابعة والعشرين. كما أنّ إيمان خارج أجندة المخرجين حالياً، ويبدو أنّه يعتقد بأنّ من حقه أن يحتكر أدوار جده الذي صار إيمان اليوم يكبره بنحو ربع قرن.

وبالطبع لو لم ينتج قطاع الإنتاج التابع لاتحاد الإذاعة والتلفزيون الرسمي هذا المسلسل، لما حدث كل هذا العبث. فالقطاع الخاص لا يسمح بالمجازفة في ارتكاب هذا الخطأ الفادح والفاضح، فهو بالطبع حريص على استرداد أمواله. لكن مع الأسف، فمال الدولة هو الذي صار مستباحاً!

هل فاروق الفيشاوي يصدّق نفسه في دور شاب؟ وهل إيمان البحر درويش يستطيع أن يحذف 25 عاماً من عمره؟ أشك كثيراً في أنّ أياً منهما يصدق، لكنهما يعتقدان أنّ الجمهور بهذه السذاجة. والحقيقة أنّ الساذج هو فقط الذي يعتقد أنّ الجمهور ساذج!