2015/10/21

جود سعيد
جود سعيد

السفير - رامي كوسا

حين قرّر المخرج السوريّ هيثم حقي أن يشتغل في صناعة الدراما التلفزيونية، رفع شعار «خطوةٌ إلى الوراء في السينما من أجل خطوتين إلى الأمام في التلفزيون». وهكذا كان. فالعارف بشؤون الدراما المحليّة يدرك جيداً أنّ حقّي أغنى المكتبة التلفزيونية السورية بمسلسلاتٍ صارت لاحقاً، كلاسيكيات خالدة، إضافةً إلى أنّ مُساعديه الأوائل قد تحوّلوا، اليوم، إلى مخرجين تتسابق شركات الإنتاج إلى خطبِ ودّهم (الليث حجو وسامر برقاوي والمثنى صبح..).

ضمن السّياق ذاته نفسه تأتي تجربتا «أحمر» و «أحلا عالم» لتشكلّا رهاناً على الإضافة الّتي يمكن أن يقدّمها السينمائيّون للصنعة التلفزيونيّة. فالمتابعون للشأن الدراميّ المحليّ يُمَنّون النّفس بنجاحات تعيد إلى «دراما الداخل»، شيئاً من ألقها الضائع.

«أحمر» (نصّ علي وجيه ويامن الحجلي/ إخراج جود سعيد/ إنتاج سما الفنّ) يحاول أن يُشرّح بنية المجتمع السوري من خلال حكاية مشوّقة. تفتتح أحداث العمل بجريمة قتل خالد، لينشغل الأبطال الباقون حليم وعبّاس وسماح بالبحث في أسباب وطرق تنفيذ الجريمة كلّ على طريقته. حكاية «أحمر» تمتد على مستوياتٍ زمنيةٍ عديدة (بدءاً من العام 1970 حتّى الزمن الحالي)، ويحاول استرجاع جملة أحداثٍ شكّلت مفاصل حاميةً في حياةِ المجتمع السوريّ خلال العقودِ الماضية، كانشغال واحدةٍ من الشخصيات بالاتّجار بمادة «الزئبق الأحمر»، الّذي أشيع، قبل أربعة عقود تقريباً، عن جدوى استخدامه في القنابل الاندماجية، ما جعل سعر الغرام الواحد منه يصل إلى عتباتٍ خيالية.

يحاول «أحمر» أن يُقدّم تقاطعاتٍ زمنيةً غير مألوفةٍ في السرد التلفزيوني. واشتغل الكاتب علي وجيه على نقل تجربته في الكتابة السينمائية إلى دنيا التلفزيون، معوّلاً على مخرجٍ شاب انتهى توّاً من تصوير فيلمه الروائيّ الطويل الخامس «رجل وثلاثة أيّام».

تشير مصادر من داخل الشّركة المنتجة إلى أنّ التوقيع مع كلّ من عبّاس النوري وسلّوم حداد على أداء أدوار البطولة في العمل، بات وشيكاً، أمّا البطولة النسائية، فالمرجّح أن تكون من نصيب سلاف فواخرجي. ولن يكون العمل بخيلاً على مستوى حضور الجيل الشّاب إذ يحضر محمد الأحمد، وكرم الشعراني، ومصطفى المصطفى، وحلا رجب، على قائمة المرشّحين الأوائل للمشاركة في العمل.

«أحلى عالم» (نصّ محمد عبد العزيز بالشراكة مع ورشة تضمّ آنّا عكّاش والمهند حيدر/ إخراج محمد عبد العزيز/ إنتاج المؤسّسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي) سوف يعيد دريد لحام إلى مربّع البطولات الصافية. فالمسلسل الّذي ينتمي إلى النوع المنفصل/ المتصل، جرى تقسيمه إلى وحداتٍ حكائيّة تحمل، حسب مصادر داخل الجهة المنتجة، جرعةَ نقدٍ لم نعتد عليها في أعمال القطاع العام ضمن قالبٍ كوميديّ متقَن. يعتبر محمد عبد العزيز مستفيداً، نسبياً، من شكل مسلسله المكوّن من كتلٍ منفصلةٍ بصورةٍ تجعل زمن كلّ كتلةٍ قريباً من زمنِ فيلم روائيّ طويل، ما يسهّل على المخرج ضبط حكاياته بطريقةٍ تحاكي تلك الّتي يعتمدها في صناعة أفلامه. على صعيد فريق التمثيل، نادين خوري حاضرةٌ على قائمة الترشيحات، بالإضافة إلى عددٍ من الممثلين الشباب، يُشكّل لجين اسماعيل، المتخرّج حديثاً من المعهد العالي للفنون المسرحيّة، أبرزهم.

يقول النّاقد والصحافي ماهر منصور «لطالما كانت «السينما المتلفزة» سمة غالبة للدراما السورية، وقياساً بتجارب عديدة آخرها مسلسل «غداً نلتقي» أجد أنّ رفع منسوب نكهة الصناعة السينمائية في التلفزيون من شأنه أن يرفع مستوى العمل الدراميّ ككلّ، أقلّه في مستوى الصورة». ويضيف منصور: «تجربة هيثم حقّي في ثمانينيات القرن الماضي أثبتت جدواها، وقد حاكاها المصريون، فبعض أفضل الأعمال الدرامية المصرية الأخيرة حملت توقيع سينمائيين مصريين مثل كاملة أبو ذكري في «سجن النسا» وغيرها الكثير. ووفق هذه القاعدة أعتقد أن سينما جود سعيد ومحمد عبد العزيز التي نعرفها ستتراجع خطوة إلى الوراء في التلفزيون، ويبقى تقدمها خطوتين إلى الأمام رهن قدرتهما على اللعب السينمائي، ضمن قواعد العمل التلفزيوني واشتراطاته غير الفنية أحياناً».

تنتمي أشرطة جود سعيد ومحمد عبد العزيز إلى سينما المؤلّف، إذ يحرص المخرجان الشابّان على بناء نصوص أفلامهما استناداً إلى جهدٍ ذاتيّ مطعّمٍ، أحياناً، بلمسات كتّاب محترفين أو مشرفين دراميين، الأمر الّذي قد يخلق نوعاً من الإرباك أثناء تنفيذ العمل التلفزيونيّ. ففي السّينما يُعتبر إنجاز دقيقةٍ أو دقيقتين دراميتين في اليوم الواحد معدّلاً جيداً جداً، أمّا في التلفزيون فالمخرج مطالَب بإنجاز ربع ساعةٍ دراميّةٍ، على الأقل، في اليوم الواحد وأيّ انخفاضٍ في معدّل الإنتاج، من شأنه أن يزيد تكاليف الجهة المنتجة. ذلك ما تنبّه له جود سعيد فطالب بتوفير شرطٍ إنتاجيّ جيّد نسبياً وكان له ذلك، إذ أشار مصدر من «سما الفنّ» إلى أن «أحمر» سيُصوّر خلال 90 يوماً، وهو تجاوزٌ لم تعرفه الشركة إذ اعتادت أن تُنجز أعمالها خلال مدّةٍ تتراوح بين 65 و75 يوماً كحدٍ أقصى.

هذا الهامش لا يبدو متاحاً أمام محمد عبد العزيز، فالضوابط المالية في القطاع العام تبدو أكثر صرامة، وعليه فإنّ النّصّ الّذي سيُنجز قبيل دوران الكاميرا هو طوق نجاة هذين العملين، والسّبب الرّئيس في منح المخرجَيْن الشابين علامةً تلفزيونيّة ممتازة توازي الآمال المعقودة على قدرتهما على تدعيم الدراما المصوّرة داخل سوريا. فالأخيرة سوف تفتقد هذا العام، حسب المعطيات المتوافرة حتى اللحظة، لجميع مخرجي الصفّ الأوّل، باستثناء الليث حجّو المتوقّع أنّ يتولّى إخراج مسلسل «الندم» (نص حسن سامي يوسف/ إنتاج سما الفنّ).