2012/07/04

النصوص المسرحية وكتّابها: ممنوعة من الصرف
النصوص المسرحية وكتّابها: ممنوعة من الصرف

  الفصل الأول في المسرح السوري النصوص المسرحية وكتّابها: ممنوعة من الصرف خاص بوسطة- عبدالله الكفري ليس غريباً أنك إذا سألت أحداً في شوارع دمشق عن اسم سعد الله ونوس، فإنه سيقف مطولاً أمامك  ليجيبك بعدها (سمعت بهذا الاسم... ربما هو كاتب!). الأمر لا يختلف كثيراً عن ممدوح عدوان الذي يعرفه الجميع بأنه شاعر دون أن يعرفوا أن إنتاجه المسرحي يزيد عن ثلاثة مجلدات، أو أبو خليل القباني الذي يظنه البعض الشاعر نزار قباني. هذا الأمر لا يحيل إلى خطأ في التقدير أو تركيب في الذاكرة، بقدر ما يحيل إلى خلل في ثقافة الكتابة المسرحية وصنّاعها وموقعها من المشهد المسرحي السوري وللأمر أسباب عدة. أزمة النص السوري وغيابه شبه التام حالياً: على الرغم من أن الجيل الماضي من الكتاب المسرحيين السوريين (محمد الماغوط- سعدالله ونوس- ممدوح عدوان) أثبتوا حضوراً هاماً في محلياً وعربياً وعالمياً، إلا أن هناك قطيعة تامة حصلت مع الكتابة المسرحية بعد هذا الجيل ومنذ بداية التسعينيات. ولم تعد معها هناك سمات لأي كاتب مسرحي سوري. وأصبح الأمر لا يتعدى كونه مجموعة من الإسهامات الفردية التي تنشر هنا وهناك. وإذا كان الجيل الماضي قد استطاع خلق عددٍ من الملامح التي تخص النص السوري درامياً وإيديولوجياً من حيث التأثر الكبير في قضايا المدّ القومي وانعكاسها في الهزيمة. إلا أن المحاولات التي ظهرت مع من تلاهم لم توجد -أقله إلى الآن- خارطة لها أو عدداً من النقاط يمكن اعتبارها معاييراً لنص مسرحي سوري جديد.        انحصار النشاط المسرحي في سورية ضمن إطار العروض: يتركز النشاط المسرحي في سورية بشكلٍ أساسي في عمل المسرح القومي والذي ينتج ما معدله عرضين في الشهر (بالنسبة لدمشق) والعدد أقل بالنسبة للمحافظات. ونصوص هذه العروض هي واحدة من اثنتين: إما مترجمة والبعض منها كلاسيكي، أو هي نصوص سورية أغلبها معدة عن المجموعات القصصية أو الشعرية. قلة حضور الشباب في الحركة المسرحية: يبدو، في الظاهر، وخلال السنوات الخمس الأخيرة أن الشباب هم محور أساسي في حقول الثقافة وتنشيطها، إلا أن الأمر على أرض الواقع لا يطابق الترويج له، وهذا ينسحب على العملية المسرحية ومناحي تفعيلها. فبعد أن استطاع بعض الكتاب الشباب خلال السنوات الأخيرة أن يحجزوا لأنفسهم مكاناً في العملية المسرحية -بشكلٍ أساسي من خريجي قسم الدراسات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية- سرعان ما اقتصر حضورهم الفعلي على الاستشارة الدرامية (الدراماتورجية) للعروض المنتجة، وغياب حضورهم ككتاب. هذا الأمر يعززه استمرار تكريس ظاهرة المخرج/ المؤلف الرائجة جداً في سورية، أو فكرة المخرج/ المعد والتي تستثني الكاتب من العملية المسرحية. انحصار النصوص المسرحية الجديدة المنتجة في إطار تقديم العروض: إذ لا يتم طباعة هذه النصوص ونشرها. وما يقدم إلى الآن من تأليف إعداد، يتم إنتاجه للخشبة حصراً وفي صيغة "نص عرض" غير متوفر للقراءة، وعليه فأي نص يتم تنفيذه على خشبة المسرح فإن مجال التفاعل معه أمام الجمهور هو حصراً مدة العرض والتي تبلغ عشرة أيامٍ كحدٍ أقصى في مسرح يتسع لألف شخصٍ في الحالات المثلى. دور النشر: يعاني نشر الكتاب أزمة عالمية من حيث تراجع الدور الأساسي لحضور القراءة، وتأتي هذه الأزمة في سورية كجزء لا يتجزأ من ما يحدث في العالم إلا أن تأثيرها أكبر وأشد. إذ أن أغلب ما تقوم دور النشر في طباعته أدبياً يتركز بشكلٍ أساسي في مجال الرواية، ولاعتبارات عديدة: منها إقبال العامة على شراء الروايات على اعتبار أن هذا العصر هو عصر الرواية بامتياز، وبالتالي هناك فرصة أكبر للكسب. ومن هنا تغدو فكرة نشر النصوص المسرحية أو الشعرية مغامرة غير مأمولة النجاح. وإذا نظرنا إلى حال السوق المحلية نجد دار نشر واحدة خاصة (دار ممدوح عدوان) تهتم بهذه الإنتاج، وكانت قد أصدرت العام الماضي بالتعاون مع الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 سلسلة المسرح السوري. ويضاف إليها ما قدمته إصدارات (دار المدى) والتي ترتكز على تقديم النصوص المسرحية المترجمة الحديثة.      التدريس والجانب الأكاديمي: واحدة من أساسيات غياب التعامل مع النص المسرحي هي آلية تقديم المسرح في المدارس خلال سنوات الدراسة الأساسية، إذ ينحصر في كونه حفل نهاية السنة في أقصى الحالات، وهذا ما يعزز كون المسرح ترفاً لا مادة أساسية في النشاط الاجتماعي للطفل، ولا يتيح المجال للاستفادة من طاقاته. وعلى صعيد النصوص المسرحية فتقتصر معارف الطالب فيها على قراءة مسرحية "تاجر البندقية" في المرحلة الثانوية، وغالباً ما تتم مناقشتها بشكلٍ أدبي أكثر منه مسرحي، حيث يتم إغفال أي جانب يتعلق بمعنى الدراما والصراع والشخصيات والحوار وكيفية بناء هذه العناصر. أما في المعهد العالي للفنون المسرحية، فهناك مادة "الكتابة المسرحية" والتي تقدم بمعدل حصة أسبوعية لطلاب قسم الدراسات المسرحية في السنة الثالثة والرابعة. وكان الراحل سعد الله ونوس، وممدوح عدوان يقومان بتدريسها ثم تحولت إلى مادة (دراماتورجية) تقوم حالياً الدكتورة ماري إلياس بتدريسها. وعلى الرغم من أن المعهد العالي للفنون المسرحية هو أكثر الفضاءات الثقافية الأكاديمية قدرة على احتضان مشغل الكتابة المسرحية السورية إلا أنه صدر قراراً بمنع تخرج طلاب الدراسات المسرحية منه بنصٍ مسرحي. وإذا كان تخرج طالب الدراسات المسرحية لا يعني بالضرورة توجه إلى الكتابة المسرحية، إلا أن هذا القرار يدفع الطلاب المهتمين بالكتابة إلى أن يتخلوا عن أول خطوة لهم على أرض الواقع.    آليات تعامل وزارة الثقافة مع نشر النصوص المسرحية: لا تزال وزارة الثقافة إلى اليوم تحاول سد الثغرات في مجال الكتابة المسرحية من خلال حلولٍ إسعافية تفيد ولا تغني، وهي المسابقات المتتالية التي تنظمها بنفسها أو بالتعاون مع بعض الجهات. وهذه الخطوات التنشيطية تساعد فقط قلة صغيرة من الحصول على فرصة لنشر أعمالهم، بالإضافة إلى أن مجلة "الحياة المسرحية" الفصلية لا يتجاوز ما تنشره نصاً واحداً وغالباً ما يكون مترجماً. وبعد...       رغم كل ما ذكر إلا أن هناك نقاط إيجابية تدعو للتفاؤل بإعادة لفت النظر إلى الكتابة المسرحية، منها ظهور جيل من الشباب والمشغول بمعالجة القضايا المحلية المعاصرة بشكلٍ مسرحي بعيداً عن الخطاب والأسلوب التلفزيوني. ومنها توجه عدد من المخرجين إلى الكتاب الشباب للعمل معهم على نصوص من إنتاجهم. يضاف إليها انتشار تقليد "القراءات المسرحية" بدعم من ورشات الكتابة المسرحية المتخصصة، والتي تساعد على خلق علاقات أكثر نضجاً بين الجمهور والكتاب، عندما يأتون ليستمعوا إلى النص المسرحي بعد أن يتم تقديمه من قبل الممثلين وهم يمسكون بالنصوص بأيديهم. إلا أن كل ذلك لن يغني عن حلول أكثر أهمية: كبرامج كتابة المسرحية طويلة الأمد، ونشر النصوص المسرحية بشكلٍ منتظم ودائم مع العروض التي تقدم أو بدونها، بالإضافة إلى تدريس المسرح عموماً والكتابة المسرحية خصوصاً في المدارس، وبأطر تستهدف الأطفال واليافعين وتستفيد من طاقاتهم للتعبير عن هواجسهم وآرائهم، وفي هذا المجال يمكن الاستفادة من خريجي قسم الدراسات المسرحية بشكلٍ أساسي.